انتصار طالبان سيف ذو حدين لباكستان والصين

تمثل محاولات باكستان والصين استثمار نجاحات حركة طالبان المتشددة التي سيطرت على أفغانستان مؤخرا واستولت على السلطة بعد انهيار الحكومة سيفا ذا حدين لبكين وإسلام أباد حيث تتصاعد المخاوف من التشدد الديني في كل من الصين وباكستان؛ فهذا الانتصار يمنح الجهاديين الباكستانيين أيضا فرصًا لشن هجمات ضد إسلام أباد.
كابول – لا يزال صدى انتصار طالبان السريع وسيطرتها على السلطة في أفغانستان يتردد، فبعد رحيل آخر جندي أميركي ليل الاثنين – الثلاثاء وإعلان الحركة انتصارها تُطرح المزيد من التساؤلات عن تداعيات ذلك على الدول المجاورة لأفغانستان وأساسا باكستان التي لطالما واجهت اتهامات بدعم جماعات متشددة دينيا.
وتُحاول إسلام أباد أن تستثمر انتصارَ طالبان في خطوة تثير مخاوف متنامية من أن يعزز ذلك الميول المحافظة المتطرفة في باكستان التي تُعد ثاني أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة من حيث السكان.
وقد تكون الفكرة القائلة بأن التيار الديني المحافظ والمتشدد قد لا يظل محتجزا في أفغانستان أحد الأسباب التي دفعت الرئيس الأميركي جو بايدن إلى اتخاذ قرار التخلي عن آسيا الوسطى بسحب قواته منها.
وقال مسؤول حكومي غير أميركي متعاطف مع مخاوف الولايات المتحدة “سيسبب التشدد الإسلامي إزعاجا لروسيا والصين. لذلك من المنطقي أن تقول الولايات المتحدة: إن هذه ليست مشكلة أميركية؛ نحن نغادر، ويمكن للصينيين والروس التعامل مع الوضع بدلا منا، حيث سنركز على المحيط الهندي المهم للمضي قدما”.
وقالت شولي رين، وهي كاتبة عمود في وكالة بلومبرغ، “تكمن المفارقة بالنسبة إلى الصين في أن الشيء الوحيد الأسوأ من وجود الجنود الأميركيين بالقرب من حدودها هو عدم وجودهم هناك على الإطلاق”.
سيف ذو حدين
قد يشكل قرار بايدن خيارا يجعل باكستان، غير القادرة على تجنّب النظر إلى العالم من خلال علاقتها المضطربة مع الهند، تكافح بينما تحاول ضمان بقاء طالبان جزءا من حصن مؤيد لها ضد القوة النووية المهيمنة في شبه القارة الهندية.
تُحاول باكستان والصين استغلال انتصار طالبان -التي تسعى لتحقيق اعتراف دولي بنظامها- استغلالا اقتصاديا، لكن ذلك قد يفرز نتائج عكسية على بكين وإسلام أباد.
وتأمل باكستان والصين -في محاولة لتحقيق أقصى استفادة من الوضع المعقد- أن تفضل الحكومة التي تهيمن عليها طالبان مشاريع البنية التحتية التي تعزز جاذبية ميناء جوادر الباكستاني الذي تدعمه بكين كبوابة بحرية إلى آسيا الوسطى غير الساحلية.
ويمتدّ الانقسام شبه القاري على طبقات متعددة، بما في ذلك الدين وحقيقة أن التمرد الجهادي الذي دعمته الولايات المتحدة والذي هزم الاتحاد السوفييتي في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي جعل دول آسيا الوسطى وباكستان أكثر عرضة لمبادئ الإسلام المحافظ المتطرف مثل قمع طالبان للنساء وهستيريا التكفير في إسلام أباد.
وجذّرت طالبان وعدد كبير من المحافظين الباكستانيين المتطرفين نظرتهم للعالم في الديوبنديَّة، وهو فرع من الإسلام ظهر في الهند في منتصف القرن التاسع عشر لمعارضة الحكم الاستعماري البريطاني من خلال الترويج لتفسير متشدد للدين. وأصبحت الديوبنديَّة سائدة بين البشتون حتى بعد ذهاب كل من باكستان وأفغانستان والهند في طريقها بعد تقسيم شبه القارة الهندية سنة 1947.

جيمس دورسي: حكم طالبان سيمنح الجهاديين فرصة استهداف إسلام أباد
واتسع الانقسام من خلال استخدام الباكستانيين للمسلحين وكلاء حتى قبل الغزو السوفييتي لأفغانستان في 1979، وأسلمة الرئيس ضياء الحق لباكستان، والجهاد ضد السوفييت، والدعم السعودي الهائل للديوبنديين الباكستانيين والأفغان ومدارسهم الدينية.
وسلّط علماء مسلمون في جامعة ديوبند بولاية أتر برديش الضوء على الانقسام في وقت سابق من هذا الشهر من خلال السعي للنأي بأنفسهم عن إخوانهم الأفغان والباكستانيين.
ورحب أرشد مدني، مدير دار العلوم ديوبند -وهي المدرسة الديوبندية الأصلية التي تأسست في 1886- بقرار فرقة مكافحة الإرهاب الهندية إنشاء مركز تدريب.
وقال “لا حرج في ما نعلمه، ونرحب بموظفي الفرقة ليكونوا جزءا من فصولنا متى رغبوا”. وأضاف متحدث باسم المدرسة “نحن مدرسة دينية، لكننا هنود أيضا. ويعدّ الشك في نزاهتنا في كل مرة تنشر فيها طالبان الإرهاب أمرا مخزيا".
ومع ذلك تضيف الديوبنديَّة ميزة دينية صلبة إلى دعم باكستان لطالبان وهو ما يعززه صعود الهندوتافا أو القومية الهندوسية في الهند بدفع من رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
ونتيجة لذلك دعم الجيش الباكستاني والمسؤولون الحكوميون طالبان في الأيام الأخيرة من خلال نصح الولايات المتحدة باحترام الموعد النهائي لإنهاء عمليات الإجلاء الأميركية في أفغانستان في الحادي والثلاثين من أغسطس الماضي حتى تتمكن الجماعة من المضي قدما في تشكيل الحكومة.
وقالت طالبان إنها لن تشكل حكومة إلا بعد مغادرة القوات الأميركية لأفغانستان.
وكانت النصيحة تتماشى مع الجهود العسكرية التي يبذلها الجيش الباكستاني منذ فترة طويلة لإقناع الولايات المتحدة بضرورة التفاوض بشأن إنهاء الحرب مع طالبان حتى قبل أن تسيطر على أفغانستان، وهو تطور اعتقد الضباط الباكستانيون أنه أمر لا مفر منه. واتبعت الولايات المتحدة هذه النصيحة في النهاية عندما بدأت التفاوض مع طالبان في مطلع سنة 2019.
وأصرت إدارة بايدن على أنها ستلتزم بالموعد النهائي للانسحاب على الرغم من الهجوم الذي وقع يوم الجمعة على مطار كابول الدولي والذي قتل فيه 175 شخصا على الأقل من بينهم 13 من العسكريين الأميركيين.
وقالت الباحثة الباكستانية عائشة صديقة إن القيادات العسكرية الباكستانية أدركت أن الولايات المتحدة ستغادر أفغانستان وأرادت تسريع هذه المغادرة. بالتزامن مع هذا الفهم استثمرت روالبندي (المدينة الشقيقة لإسلام أباد، حيث يوجد مقر الجيش الباكستاني) بشكل أساسي وجود حركة طالبان في أفغانستان. وكانت ترغب في ضمان مؤسسة صديقة في الدولة المجاورة لها في الشمال الغربي، لا تُستغلّ ضد مصالح باكستان، وخاصة من الهند.
وأنتج الاستثمار على مدى 27 عاما نتائج متباينة. ومن المؤكد أنها لم تشمل تنفيذ طالبان لأوامر باكستان.
التشدد الإسلامي سيسبب إزعاجا لروسيا والصين ما يحتم على بكين وموسكو التعامل بحذر مع الوضع الجديد في آسيا الوسطى
وقال المحلل السياسي والخبير في قضايا الشرق الأوسط جيمس دورسي إن “برقيات وزارة الخارجية الباكستانية المسربة التي كُتبت في عامي 2000 و2001 قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر والغزو الأميركي لأفغانستان تُظهر حالة الذعر السائدة في ذلك الوقت بين المسؤولين الباكستانيين لأنهم فقدوا السيطرة”.
وقال الباحث الباكستاني محمد لقمان “تحافظ المؤسسة الباكستانية على علاقات وثيقة مع حركة طالبان الأفغانية، على الرغم من انخفاض مستوى النفوذ… لكن كلا الجانبين يواصلان الاستفادة من بعضهما البعض”.
وحذر المدير العام لوكالة الاستخبارات الداخلية الجنرال فايز حميد أعضاء البرلمان -في إحاطة مغلقة بحضور قائد الجيش الجنرال قمر جاويد باجوا- من أن باكستان تفقد نفوذها وسيادتها على طالبان. وكان هذا في أوائل يوليو الماضي بينما كانت طالبان تتقدم في الريف الأفغاني.
واعتبر جيمس دورسي أن “الدعم الباكستاني لطالبان يبقى سيفا ذا حدين، ويحوم السؤال المطروح حول هوية الذي سيشهد تصدير رؤيته للعالم: هل ستحاكي طالبان جوانب من واجهة باكستان الديمقراطية الباهتة، أم أن النظرة الدينية المتطرفة للجماعة ستكتسب المزيد من الزخم في باكستان؟ ولا يستبعد أي من الخيارين الآخر”.
ووصفت عائشة صديقة وَعدَ المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد بأن وسائل الإعلام الأفغانية ستكون حرة بأنه “تذكير بضمانات مماثلة” حول حرية وسائل الإعلام من قبل الجنرالات الباكستانيين، مما يجعل المرء يدرك الجهود المبذولة لجعل النظام الذي تقوده طالبان يبدو بشكل متزايد مثل باكستان (أو حتى الهند): هجين سلطوي ثيوقراطي.
ورأت أن هذا هو المكان الذي تبدأ فيه المشكلة الحقيقية لباكستان: هناك الكثير من الغموض حول ما يمكن أن تقدمه باكستان وما لا تستطيع تقديمه. ومع ذلك قد يكون الطريق ذا اتجاهين وليس طريقا أحادي الاتجاه.
مأزق باكستان

بينما يخشى الباكستانيون من أن فوز طالبان سيعطي دفعا قويّا لحركة طالبان الباكستانية التي تربطها علاقات وثيقة بأقاربها الأفغان، قد لا تحتاج كابول إلى مساعدة المسلحين الذين بدأوا يشنون هجمات داخل باكستان حتى قبل سيطرة طالبان على أفغانستان مرة أخرى.
ويستفيد انتصار طالبان من عقود كان فيها التيار المحافظ والمتشدد محاكا في نسيج المجتمع الباكستاني والبعض من مؤسساته الرئيسية.
وقد وظف زعيم حزب “الجماعة الإسلامية” الباكستاني سراج الحق بالفعل الانتصار في المطالبة بنظام قائم على الشريعة في باكستان، بينما أدان في نفس الوقت التحرش بفتاة باكستانية في لاهور لعدم ارتدائها الشال التقليدي.
وبالمثل هنأ رئيس جماعة علماء الإسلام فضل الرحمن حركة طالبان على استيلائها على أفغانستان.
زعيم حزب الجماعة الإسلامية الباكستاني سراج الحق وظّف بالفعل انتصار طالبان في المطالبة بنظام قائم على الشريعة في باكستان
وأفادت وسائل الإعلام الهندية بأن الإسلامي الباكستاني مسعود أزهر قائد جيش محمد، الذي يُعتقد أنه يحظى بدعم من القوات المسلحة والمخابرات الباكستانية، قد التقى بقادة طالبان في كابول في الأيام الأخيرة من أجل طلب الدعم لعمليات تصعيد في كشمير المتنازع عليها. ولا يمكن تأكيد صحّة التقارير بشكل مستقل، ولا يبدو من المحتمل أن هذا سيكون أول عمل لطالبان.
وقالت عائشة صديقة “تبقى الحقيقة أنه على الرغم من السعى لإخفاء اللهجة الدينية في أفغانستان، فإن باكستان نفسها تواجه خطر أن تصبح أكثر شبها بجارتها الشمالية الغربية، أي أكثر تدينا وأكثر استبدادية”.
ويعتبر هذا مصدر قلق لم يخف في إسلام أباد حيث كان المسؤولون يضغطون على طالبان لاختيار حكومة شاملة. وأشّرت زيارة ممثلين عن التحالف الشمالي المناهض لطالبان وسياسيين أفغان آخرين إلى العاصمة الباكستانية الأسبوع الماضي على أن باكستان تسعى لتوسيع شبكتها الأفغانية بما يتجاوز طالبان.
وأوضح دورسي أن “من المفارقات أن إسلام أباد سعت لبلوغ عمق استراتيجي ضد نيودلهي من خلال دعم طالبان في أفغانستان. والآن، سيوفر حكم طالبان في أفغانستان للجهاديين الباكستانيين العمق الاستراتيجي لشن هجمات ضد إسلام أباد”.
وقال عبدالباسط، وهو زميل أبحاث في كلية “إس راجاراتنام” للدراسات الدولية في سنغافورة، إنه “بالنسبة إلى باكستان ستؤدي خياراتها السابقة في النهاية إلى عواقب وتسبب لها مشاكل”.