انتصار أوكرانيا في معركة خيرسون سلاح ذو حدين

تجميد الحرب يفيد روسيا والغرب لكنه لن يحل المشكلات.
السبت 2022/11/19
الشتاء يكبح استعادة أوكرانيا للمزيد من الأراضي

مع اقتراب فصل الشتاء، باتت مساعي تجميد الحرب الروسية – الأوكرانية تتزايد خاصة وأن الخسائر ستكون فادحة للطرفين. ويرى مراقبون أن هدنة خلال فصل الشتاء قد تفيد روسيا والغرب لكنها ستتسبب في خسارة أوكرانيا ولن تحل مشاكلها.

واشنطن - يرى الدكتور لاشا تشانتوريدزي، أستاذ ومدير برامج الدراسات العليا في الدبلوماسية والعلاقات الدولية بجامعة نورويتش الأميركية، أن تحرير خيرسون يمثل نجاحا كبيرا آخر لنضال الشعب الأوكراني ضد القوات الروسية الغازية. ويعتبر الانسحاب الروسي من خيرسون أبرز انتكاسة لموسكو منذ هزيمتها في خاركيف.

ويقول تشانتوريدزي إنه، مع ذلك، قد يتحول انتصار أوكرانيا إلى سلاح ذي حدين، حيث أنه ربما يدفع أهم حليف لها وهو الولايات المتحدة إلى حث كييف على السعي للتوصل إلى تسوية دبلوماسية مع موسكو. وهذا الخيار قد يبدو معقولا، ومنطقيا وإنسانيا من وجهة نظر واشنطن، ولكن على المدى الطويل لن يبدد التهديدات الأمنية لأوكرانيا وأوروبا.

ويضيف تشانتوريدزي أن تجميد الحرب في أوكرانيا ربما يفيد روسيا والغرب، ولكنه لن يحل المشكلات التي أسفرت عنها هذه الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وروسيا والغرب.

وتتمثل أكبر مشكلة للجيش الأوكراني بعد خيرسون في القيام بعمليات برية في شتاء يتسم بالجمود. وسيكون اجتياح نهر دنيبرو في جنوب أوكرانيا غير ممكن حيث أنه سوف يسفر عن خسائر غير مقبولة. والخيار الوحيد للعمليات الهجومية بالنسبة إلى الجيش الأوكراني أو الروسي هو في منطقة دونيتسك.

لاشا تشانتوريدزي: أوكرانيا سوف تخسر إذا وافقت على تجميد الحرب
لاشا تشانتوريدزي: أوكرانيا سوف تخسر إذا وافقت على تجميد الحرب

وعلى أي حال، سوف يؤدي الشتاء إلى تعقيد الجهود الهجومية من خلال اختبار قدرة تحمل الأفراد والمعدات. وفي الوقت نفسه، قد تؤدي الزيادات في تكاليف المعيشة وأي أزمة في إمدادات الطاقة إلى نفاد صبر الحلفاء الأوروبيين. فسوف تواصل موسكو استغلال حالات الغموض والقلق المحيطة بالحرب بالتلويح من حين إلى آخر بالأسلحة النووية و”القنابل القذرة”.

وسوف تواصل كييف مهاجمة أسطول البحر الأسود الروسي بأسطولها الجديد من الزوارق غير المأهولة. وتعتبر خسارة سفن رئيسية من أسطول البحر الأسود انتكاسة لروسيا أكبر من انسحابها من خيرسون.

ولا شك أن تجميد الحرب بعد خيرسون يحمل في طياته بعض المكاسب الملموسة بالنسبة إلى موسكو، خاصة إذا ما تم التوصل إلى هدنة وفق ”الحقائق الجديدة”.

ومن الممكن أن يزعم الكرملين تحقيق انتصار، عبر الإصرار على أنه استرد من أوكرانيا قدرا كبيرا من ”الأراضي التاريخية” الروسية. وسوف يضمن الجسر البري من روسيا إلى شبه حزيرة القرم الأمن طويل المدى للقرم ولأسطول البحر الأسود. ومن الممكن أن تستغل موسكو فترة توقف الحرب لعدة سنوات من أجل إعادة هيكلة قواتها البرية ومهاجمة أوكرانيا مرة أخرى عندما تكون قد تمت إعادة بناء الجيش الروسي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أي توقف في الحرب سوف يساعد موسكو على تعزيز سيطرتها على الأراضي التي استولت عليها لكي تكون على أفضل استعداد للقيام بـ”عملية عسكرية خاصة” في المستقبل.

وسوف تبذل موسكو ما بوسعها لتغيير وضعها في الحرب، بما في ذلك تنفيذ نسختها من تدابير” فرض السلام”. ويعتبر تهديد الغرب بالأسلحة النووية والقنابل القذرة، ومهاجمة دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) عرضيا بالصواريخ أو المسيرات، مؤشرات لمثل هذه التدابير.

ومن ناحية أخرى، سوف تخسر أوكرانيا إذا وافقت على تجميد الحرب وتركت القوات الروسية تعزز سيطرتها على الأراضي التي استولت عليها. ومن المؤكد أن السلام سوف يحقق مكاسب من خلال إزالة الضغط من على حلفاء كييف الغربيين، والشعب الأوكراني. وبعد ذلك، سوف يكون من المستحيل على كييف استعادة أراضيها المسلوبة. وفي الوقت نفسه، سوف يتعين على القوات الأوكرانية الاحتفاظ بحالة استعداد دائمة لمواجهة أي هجمات روسية جديدة. كما أن كييف تخشى فقدان الدعم الغربي لقضيتها.

ويرى تشانتوريدزي أن موسكو باستغلالها عقودها السخية لإمداد الدول بالطاقة، سوف تجدد حملتها الساحرة في العواصم الأوروبية والبحث عن حلفاء محتملين هناك كما فعلت من قبل. وأكبر خوف لدى كييف يتمثل في احتمال أن يفوز بالرئاسة الأميركية بعد عامين شخص لديه استعداد للتعامل مع الروس. فالدول الكبرى غالبا ما تساوم وتتعامل كل منها مع الأخرى، وأدوات تجارتها هي المصالح القومية للدول الأصغر. ولا يريد القادة الأوكرانيون المتاجرة بمصالح بلادهم.

لا شيء يمنع موسكو من اختلاق صراعات جديدة، خاصة إذا رأى الكرملين أنها يمكن أن تلحق الضرر بالمصالح الغربية

ويدرك واضعو السياسات في البيت الأبيض ووزارة الخارجية أنه لا يمكن تسوية أي شيء بشكل حاسم عن طريق هدنة بين روسيا وأوكرانيا. وسوف يتم تمرير المشكلة للإدارة المقبلة، أو حتى للإدارة بعد المقبلة. وحتى إذا كان من الممكن تحقيق سلام طويل المدى بين أوكرانيا وروسيا، فإن لدى روسيا عدة صراعات مجمدة يمكنها أن تبدأها من جديد إذا شعرت بالثقة في أن الجيش الروسي قادر على الانتصار فيها، أو أنها يمكنها تحقيق مزايا جانبية، في مولدوفا وجورجيا على سبيل المثال. وقد تحول موسكو اهتمامها نحو كاراباخ، لتبدأ تحسين الوضع المتراجع لحليفتها أرمينيا. كما تشعر المعارضة في بيلاروسيا بقلق بالغ من أنه حال التوصل إلى هدنة في أوكرانيا، قد تتجه روسيا شمالا وتضم دولتهم بكل بساطة.

وتتمتع روسيا بالفعل بتواجد عسكري كبير في بيلاروسيا ويعتبر رئيسها المضطرب والذي لا يمكن التكهن بتصرفاته، في جيب موسكو. ولا شيء يمنع موسكو من اختلاق صراعات جديدة، خاصة إذا رأى الكرملين أنها يمكن أن تلحق الضرر بالمصالح الغربية. ومن وجهة النظر السياسية، فإن هزيمة روسيا تماما في أوكرانيا هي خيار أفضل كثيرا بالنسبة إلى الولايات المتحدة، حتى لا تستطيع شن حرب أخرى مماثلة طوال جيل على الأقل.

ويقول تشانتوريدزي إنه على أي حال، هناك أسباب أخرى وراء احتمال رغبة واشنطن في تحقيق السلام، إذ أن تهديدات روسيا المتكررة باستخدام الأسلحة النووية تعزز هذا الاتجاه. وإذا ما توصلت أوكرانيا وروسيا إلى تسوية، حتى لو لسنوات قليلة، فإن ذلك سوف يزيل التهديد الفوري بحرب نووية بين الناتو وروسيا. ومن المؤسف أن ما يعرف بالثالوث النووي الأميركي، والمفروض أنه يوفر أفضل مستوى لردع الهجوم، فشل في تحقيق مهمته.

وعندما ينجح الردع، ليس من المعقول أن يتحدث الأعداء عن استخدام أسلحة نووية لتحقيق أهداف الحرب. وجميع الإدارات الأميركية بعد الحرب الباردة لم توفر التمويل الكافي للترسانة النووية الأميركية، بل وأهملتها، وتم عمل القليل للغاية لتطوير رؤوس حربية جديدة أو أنظمة إيصالها.

وخلال السنوات الأخيرة، تم التعبير عن المشاعر المتعلقة بالتخلص من الأسلحة النووية أو إلغاء الناتو حتى على أعلى مستويات الحكومة الأميركية. وفي الوقت نفسه، استثمرت روسيا في مجموعة واسعة النطاق من الرؤوس الحربية وأنظمة الإيصال، وأوضحت بصوت مرتفع استعدادها لاختبارها.

ويختتم تشانتوريدزي بأن ذلك هو سبب أن المسؤولين في واشنطن الذين يعرفون ما هو على المحك يريدون انتصار الدبلوماسية؛ حتى يتوفر للولايات المتحدة الوقت لإعادة النظر في وضعها الإستراتيجي وإجراء التعديلات اللازمة.

5