انتشار وباء الملاريا في الجنوب يضع وعود الرئيس الجزائري على المحك

تضارب بيانات الوضع الصحي في المنطقة يعزز الشكوك في أداء الحكومة.
السبت 2024/10/05
وزير الصحة الجزائري يقوم بزيارة تفقدية للجنوب

شهدت مناطق من الجنوب الجزائري في الآونة الأخيرة انتشارا كبيرا لوباءي الملاريا والدفتيريا، اللذين يستمران في حصد العشرات من الوفيات بشكل يومي، ما يضع حسب مراقبين وعود الرئيس عبدالمجيد تبون بشأن تحسين الخدمات الصحية في الميزان، وسط تضارب بيانات الوضع الصحي في البلاد.

الجزائر - تفاجأت الحكومة الجزائرية بانتشار مريع لداء الملاريا في بلدات ومحافظات جنوبية، وأمام تضارب الأرقام والبيانات حول عدد الموتى والمصابين والخدمات المقدمة، بين ما يدلي به شهود عيان وبين تطمينات المؤسسات الحكومية والمنظمات القريبة منها، تكون وعود الرئيس عبدالمجيد تبون التي أطلقها في حملته الانتخابية، والخطاب الإيجابي الذي تردده السلطة، أمام امتحان حقيقي لاختبار جدواها وصدقيتها لدى الشارع الجزائري. 

واستنفر الوضع الصحي السائد في بلدات ومحافظات جنوبية على غرار برج باجي مختار وعين قزام وتينزاواتين وتيمياوين، مجلس الوزراء المنعقد من طرف الحكومة، حيث تم الاستماع إلى عرض حول “مختلف التدابير المتخذة والتقدم الحاصل لحملات الوقاية والتلقيح للحد من انتشار الأوبئة، تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية”.

وفي زيارة وصفت بـ”المتأخرة” شرع وزير الصحة الجزائري عبدالحق سايحي في زيارة ميدانية إلى محافظة برج باجي مختار، من أجل الوقوف على الوضع الصحي السائد والإمكانيات المتوفرة لتطويق العدوى.

وهناك صرح الوزير بأن “عدد الإصابات بداء الملاريا عرف تراجعا، وأن الوضعية الصحية عرفت انفراجا، كرسه سجل الإصابات الذي قيّد 24 حالة خلال يوم الخميس الماضي، بينما كان يتجاوز 127 إصابة نهاية الأسبوع الماضي، وكشف عن مشروع إنجاز مستشفى بطاقة 60 سريرا لتقريب المرافق الصحية من المواطن، وتدعيم القطاع الصحي في المنطقة بسيارتي إسعاف”.

وطمأن الوزير مجددا سكان المنطقة، بكون “الدولة لن تتخلى على مواطنيها”، وأكد على أن الوضعية عادية جدا في ظل توفر الأدوية وضمان التكفل الطبي بهم، وأنه سيتم القضاء على الداء خلال فترة وجيزة.

الوضع الصحي في الشريط الحدودي، أعاد الجدل حول اختلال التوازن التنموي والاجتماعي بين جنوب الجزائر وشمالها

وعلى صعيد آخر كشفت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري ابتسام حملاوي، خلال زيارة تفقدية لمصالح صحية في المنطقة، بأن “منحى وباء الملاريا والديفتيريا في انخفاض، وأن البلاد تتجه إلى نهاية وباء الملاريا والديفتيريا وسيتم توفير كل الاحتياجات الصحية بشكل مستعجل”.غير أن معلومات واردة من المنطقة عبر شهود عيان، أو منشورات في شبكات التواصل الاجتماعي، أو رسائل منتخبين وأعيان محليين وجهوها للسلطات العليا في البلاد، تشير إلى أن دائرة العدوى في تمدد مستمر وقد وصلت إلى مدن ومحافظات مجاورة، وحتى إلى شمال الصحراء، مما يستدعي حشد إمكانيات وتدخل مركزي لمحاصرة الوباء وإنقاذ السكان من العدوى.

ولا زالت البيانات متضاربة حول حصيلة الوفيات والمصابين، بين ما تقدمه المصادر الرسمية الحكومية، وبين ما أفاد به شهود عيان، قدروها بأكثر من 200 وفاة ومئات المصابين، مع عجز لافت للمصالح الصحية المحلية في التكفل بالأعداد الهائلة الوافدة إليها، مقابل تأخر المساعدات من المحافظات الكبرى المجاورة أو من الجهات المركزية.

وأعاد الوضع الصحي في الشريط الحدودي، الجدل حول اختلال التوازن التنموي بين جنوب وشمال البلاد، واستمرار تجاهل السلطات المركزية للمحافظات المذكورة، رغم أهميتها الإستراتيجية كونها تقع على الشريط الحدودي الذي يربط الجزائر بدول الساحل الأفريقي المضطرب.

ووضع الانتشار السريع لداء الملاريا والدفتيريا، في المناطق المذكورة، الخطاب الرسمي للسلطة، ووعود الرئيس تبون خلال حملة الانتخابات الرئاسية، أمام امتحان حقيقي لاختبار مدى الالتزام بترقية الخدمات المختلفة فيما يعرف بـ”مناطق الظل”، التي تحتضن 8 ملايين جزائري، بحسب تصريح الرئيس تبون نفسه.

قضية التوازن الجهوي والتوزيع العادل للثروة والتنمية بين محافظات البلاد باتت تطرح بحدة في السنوات الأخيرة

 وعزز الوضع المذكور، الإخلالات الكبيرة المسجلة في تقديم الخدمات العمومية لسكان الجنوب والشمال، عكس ما تردد على لسان الرئيس عبدالمجيد تبون، الذي ذكر في أحد تصريحاته، بأن “بلاده تملك أحسن منظومة صحية في المنطقة والقارة “، فضلا عن إطلاق هيئة للأمن الصحي برئاسة البروفيسور كمال صنهاجي منذ العام 2020، لكن التكفل الصحي بالسكان في مختلف ربوع البلاد يبقى محل انتقاد شديد.

وأظهرت صور وتسجيلات لعمليات دفن وحفر للقبور في آن واحد، بينما يتلقى مصابون العلاج في ظروف غير لائقة، مما يوحي بأن العدوى تضرب بقوة في المناطق الحدودية، بينما ارتفعت النداءات للسلطات المركزية والولائية من أجل التدخل العاجل لاحتواء الموقف.

وأضاف، هؤلاء بأن “المراكز الصحية المحلية لم تعد قادرة على تقديم الخدمات وإنقاذ السكان، بسبب العدد الكبير من المصابين الذي تعدى الإمكانات البشرية والمادية المتوفرة، وأن الأمر بات مرهونا بتدخل مركزي أو من المحافظات الكبرى المجاورة”.

وكانت وزارة الصحة، قد ذكرت في بيان لها، بأن “جميع الحالات التي تم تسجيلها، يتم التكفل بها وفق البروتوكولات العلاجية المعمول بها، وأن البؤرة الأولى بدأت من حالات إصابة وافدة إلى التراب الوطني من دول الجوار”.

وأكدت على أنه “تم ضمان متابعة يومية للوضعية الوبائية على المستوى المركزي والمحلي، وأن الجزائر حصلت على شهادة منظمة الصحة العالمية للقضاء على الملاريا، وأنه تم إيفاد لجنة طبية متكونة من 14 فردا تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية، إلى جانب إرسال طائرة محملة بكميات كبيرة من الأدوية والأمصال المضادة، فضلا عن كميات كبيرة من وسائل الحماية إلى تمنراست، عين قزام وبرج باجي مختار”.

وتطرح مسألة قلة وتدهور الخدمات العمومية كالصحة والتعليم والخدمات اليومية، في مناطق الشريط الحدودي منذ عدة عقود، الأمر الذي حرك احتجاجات للسكان في العديد من المناسبات، إلا أن الجهود الحكومية المبذولة في هذا المجال، تبقى دون الحاجيات المتنامية للسكان، خاصة في ظل ضغط النازحين من دول الجوار لاسيما في السنوات الأخيرة، بعد تدهور الوضع الاجتماعي والأمني في شمال مالي والنيجر، وتفاقم ظاهرة الهجرة السرية.

كما باتت قضية التوازن الجهوي والتوزيع العادل للثروة والتنمية بين محافظات البلاد، خاصة بين الشمال والجنوب، تطرح بحدة في السنوات الأخيرة، حيث تصاعدت الأصوات المطالبة بالالتفات الجدي إلى محافظات وسكان الجنوب بنفس الأهمية التي تولى لغيرهم في مناطق البلاد الأخرى، في مجالات الشغل والصحة والتعليم ومختلف الخدمات، خاصة وأن محافظات الشريط الحدودي في الجنوب ارتدت قناع الطابع الإستراتيجي في الآونة الأخيرة، بعد ظهور اضطرابات إقليمية في دول الساحل.

4