انتشار النقود المزيفة يعمق تدهور قيمة الدينار الليبي

عززت التأكيدات بأن السوق الليبية تشهد عمليات استبدال أوراق نقدية غير رسمية بدولارات حقيقية، تعمق من خفض قيمة الدينار المتدهور أصلا، المخاوف من أن تصبح هذه الحالة أمرا واقعا قد تدمر الاقتصاد الهش للبلد النفطي في ظل تواصل الانقسامات.
طرابلس - كشفت مصادر مطلعة الأربعاء أن بعض الأوراق النقدية الليبية غير الرسمية، التي يتم تداولها في السوق المحلية منذ أشهر، طبعتها روسيا وصدرتها إلى شرق البلاد هذا العام، بينما تمت طباعة البعض الآخر بشكل غير قانوني في الداخل.
وفي بلد يحتل المركز 170 على مستوى العالم في سلم الفساد بين 180 بلدا، حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2023، تعبد الانقسامات السياسة التي أفرزتها الحرب عقب الإطاحة بالزعيم معمر القذافي طريقا الى امتصاص موارد الدولة.
وذكر مصدر في حكومة شرق ليبيا وآخر مصرفي وثالث دبلوماسي لرويترز أن مصرف ليبيا المركزي في طرابلس وصف الأوراق النقدية الجديدة بأنها “مزيفة”، ومع ذلك يجري استبدالها بعملات صعبة في السوق السوداء أو من خلال البنوك المحلية.
وقال المصدران الحكومي والمصرفي، لم تذكر رويترز هويتهما، إن “النقود استُخدمت لتمويل مشاريع البنية التحتية في شرق البلاد بعد الفيضانات المدمرة التي وقعت العام الماضي”.
وأشار المصدر الدبلوماسي إلى أن الأموال قد تكون تستخدم أيضا في تمويل نشاط المرتزقة الروس في ليبيا ومنطقة الساحل.
وأبلغت مجموعة “ذا سنتري” الدولية للتحقيقات والسياسة، المعنية بجرائم الفساد وجرائم الحرب، رويترز عن دور لروسيا في ضخ الأوراق النقدية الجديدة إلى ليبيا.
وفي أواخر فبراير الماضي، أحدث إعلان المركزي عن وجود عملة من فئة 50 دينارا مجهولة المصدر يجري تداولها في الأسواق وتخضع لإجراءات التحقيق من قبل مكتب النائب العام، جدلا بين الأوساط الاقتصادية، خاصة في الأسواق والمحلات التجارية.
ووسط غياب تعليقات رسمية من المركزي في طرابلس ولفرعه في بنغازي أو من الجيش الليبي الذي يسيطر على شرق البلاد بأكمله، أو من شركة غوزناك الروسية لطباعة الأوراق النقدية على الأمر، فإن تبريرات انتشار الدينار المزيف تزيد الأوضاع غموضا.
وانقسمت ليبيا في 2014 لتسيطر فصائل متحاربة على الشرق والغرب. ورغم إعلان وقف إطلاق النار في 2020 والجهود المبذولة لإعادة توحيد مؤسسات الدولة رسميا، مازال الحل السياسي بعيد المنال مع بقاء شبح موجات جديدة من الصراع في الأفق.
وفرضت وزارة الخارجية الأميركية الشهر الماضي، عقوبات على غوزناك بسبب طباعة أوراق نقدية ليبية مزيفة تزيد قيمتها على مليار دولار، دون أن تحدد أين ولا متى تمت طباعتها أو تسليمها.
وزودت موسكو سلطات شرق ليبيا بمليارات الدنانير منذ 2016 حتى وقف إطلاق النار قبل أربع سنوات، لمساعدة خليفة حفتر قائد الجيش الليبي والحكومة التي يدعمها في بنغازي. ولم ترد تقارير قبل ذلك عن إصدار الشركة للأوراق النقدية الجديدة هذا العام.
وكان فرع المركزي في بنغازي قد أصدر رسميا الدنانير المستوردة بين عامي 2016 و2020 وحملت توقيع محافظ البنك علي الحبري. وأدى إصدارها إلى تفاقم الانقسامات الاقتصادية، مع اختلاف أسعار الصرف في المناطق المختلفة من البلاد.
وبعد وقف إطلاق النار وجهود إعادة توحيد القطاع المصرفي، قبِل الفرع الرئيسي للمركزي في طرابلس برئاسة محافظه الصادق الكبير الأوراق النقدية المطبوعة في روسيا وتحمل توقيع الحبري كعملة قانونية.
الأموال قد تكون تستخدم أيضا في تمويل نشاط المرتزقة الروس في ليبيا ومنطقة الساحل
وجرى تغيير الحبري في عام 2022. ثم قال الكبير إنه “لا ينبغي استخدام العملات الجديدة”، لكن السلطات في شرق ليبيا تصر على أن أي مؤسسات ترفضها ستعاقب.
ووفقا لخبراء الأمم المتحدة، نشر حفتر في شرق ليبيا، حيث يوجد البرلمان، قوات روسية من مجموعة فاغنر خلال القتال في عامي 2019 و2020. وأكد الجيش الأميركي أن المقاتلين الروس مازالوا هناك.
وقال تشارلز كارتر رئيس التحقيقات في ذا سنتري إن “الهيمنة التامة لعائلة حفتر على شرق ليبيا تشكل تهديدا خطيرا للنظام المصرفي بأكمله في البلاد”.
وتأتي معظم العملة غير الرسمية في فئة الخمسين دينار. وأصدر المركزي الليبي بيانا في وقت سابق من هذا العام حدد فيه أربعة أنواع من هذه الفئة.
وأشار إلى تلك المطبوعة رسميا للمركزي من قبل غوزناك لفرع البنك في شرق ليبيا خلال فترة ولاية الحبري، وإلى إصدارين جديدين أكد البنك المركزي أنهما مزيفان.
وقال المصدر الدبلوماسي لرويترز إن “أحد الإصدارات كان بجودة أعلى وتمت طباعته في روسيا ثم استيراده”، مشيرا إلى أنه يبدو أن العملات الأخرى الأقل جودة طُبعت داخل ليبيا.
وأوضح المصدر المصرفي الليبي والمصدر في حكومة شرق ليبيا أن عملية طباعة الدينار بشكل غير مشروع كانت تجرى في شرق ليبيا.
7.1
دينار سعر الدولار الأربعاء منخفضا ما بين 6.7 و6.8 دينار في مارس الماضي
ويتم تحويل الدينار إلى عملة صعبة إما من خلال تجار العملة في السوق السوداء أو عبر ودائع في بنوك في شرق ليبيا من شركات وهمية تستخدم خطابات ائتمان استيراد لإرسال الدولار الأميركي من البنك المركزي إلى شركات في الخارج.
وقال كارتر إن “المصدر هو في الواقع شركة صورية يسيطر عليها نفس الأفراد وراء عملية طباعة الأوراق النقدية. ولا يتم شحن أي سلع وتدخل الدولارات لحسابات الشبكة الإجرامية”.
وتوقف المركزي لفترة وجيزة عن إصدار خطابات ائتمان في الماضي، وسط مزاعم بأن بعض المستوردين كانوا يستخدمونها للحصول على دولارات رخيصة.
ولمواجهة تأثير العملات المزيفة، أعلن المركزي في أبريل الماضي أنه سيسحب جميع العملات فئة 50 دينار من السوق بحلول نهاية أغسطس المقبل.
وبدأ الدينار الليبي في الانخفاض العام الماضي، ولكنه تراجع بسرعة أكبر في أوائل عام 2024، وهو انخفاض أرجعه المصدر الدبلوماسي والمصدر المصرفي إلى ضخ عملات جديدة في شرق ليبيا.
وأكد متعاملون أن سعر العملة الليبية انخفض الأربعاء في السوق السوداء أمام العملة الأميركية للمرة الأولى منذ أربعة أشهر ليبلغ الدولار قرابة 7.1 دينار بعدما كان بين 6.7 و6.8 دينار في مارس الماضي.
وقال المصدر الدبلوماسي إنه “مصدر قلق كبير” أن يطبع الروس دنانير يجري استبدالها في السوق السوداء بعملة صعبة.
وأوضح أن هذا يؤثر على العملة الليبية ويتم استخدامها في نهاية المطاف لدفع ديون تتعلق بفاغنر أو بالوجود العسكري الروسي في أفريقيا، الذي خلف هذه المجموعة منذ وفاة رئيسها يفغيني بريغوجن في عام 2023.
ولا يمكن تقدير نسبة الاقتصاد الموازي في ليبيا بسبب أن النسبة الأكبر من الاقتصاد فيها يعتمد على إيرادات النفط، إلى جانب وجود اعتبارات أخرى كالتضخم وحجم الأموال المتداولة في السوق.
ولكن المركز الليبي للدراسات ورسم السياسات قدر حجم اقتصاد الظل في البلاد بنحو 35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي البالغ نحو 46 مليار دولار، ورأى في تقرير نشره في مارس 2023 أنه منخفض مقارنة مع الدول النامية الأخرى.
وأرجع معدو الدراسة أن من الأسباب الرئيسية لظهور اقتصاد الظل هو تضخم دور الدولة في النشاط الاقتصادي وزيادة البيروقراطية والتشريعات والقيود المفروضة.