انتشار المركبات الكهربائية في تونس يصطدم بعقبات شاقة

ترسيخ التنقل المستدام يتطلب تهيئة البنية التحتية وتأهيل المهن الضرورية وإعادة النظر في تقييم الأسعار.
السبت 2025/02/01
تجربة غير متاحة للجميع

تصطدم السيارات الكهربائية لشق طريقها في السوق التونسية الناشئة بالكثير من التحديات، فرغم أنها أحد مسارات الحكومة في سياسة التحول الأخضر، لكن تجسيد ذلك من خلال تهيئة البنية التحتية وتأهيل المهن الضرورية اللازمة وإعادة النظر في الأسعار، لا يزال يسير بخطى متثاقلة نحو تحقيق الأهداف.

تونس - تطمح تونس في ظل التوجه العالمي للتخفيض من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، إلى دعم أسطول النقل العام والخاص، بالسيارات الكهربائية أو الهجينة.

وتسعى في إطار جهودها لتحقيق انتقال إيكولوجي في قطاع النقل وخفض استخدام الوقود، إلى توفير 5 آلاف سيارة كهربائية، ستوجه ألفا منها للقطاع العام مع تركيز 60 نقطة شحن موزعة على مختلف الجهات، بحلول سنة 2026.

وترمي هذه الخطوة، في مرحلة ثانية، إلى إدماج 50 ألف سيارة كهربائية مع توفير خمسة آلاف نقطة شحن بحلول نهاية العقد الحالي.

لكن، وإن كان هذا الانتقال جيدا للبيئة وتقليص استهلاك الوقود، لكنه سيؤدي إلى فقدان وظائف، خاصة في مجال الإصلاح والصيانة والأعمال التقليدية اليدوية في المسابك والحدادة، وستجبر بعض المهن على التأقلم من خلال إعادة التأهيل والتدريب، بحسب دراسات وخبراء.

ومقارنة بسيارات الوقود، تحتوي المركبات الكهربائية على مكونات أقل وتتطلب يدا عاملة أقل بكثير مقارنة بتلك التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي.

السعر معيار رئيس يؤثر على الاختيار، لكن عملية الصيانة تحظى باهتمام أكبر
◙ السعر معيار رئيس يؤثر على الاختيار، لكن عملية الصيانة تحظى باهتمام أكبر

ويرى رئيس الغرفة الوطنية لميكانيك السيارات يوسف رابح أن الدولة من الضروري أن تهيء الأرضية اللازمة قبل كل شيء للتحول الأخضر في قطاع النقل، سواء عبر التدريب أو بتركيز شبكة من نقاط الشحن.

ونسبت وكالة الأنباء التونسية الرسمية إلى رابح قوله “من المبكر جدا الحديث عن خسارة وظائف أو توفير أخرى مع قدوم السيارات الكهربائية إلى السوق المحلية.”

ولايزال التونسيون غير متحمسين لاستخدام السيارات الكهربائية، بالنظر إلى أسعارها المرتفعة، ففي استطلاع لمعهد إمرود للاستشارات لرصد تطور هذه السوق، أكد 49 في المئة من المستجوبين أن السعر هو المعيار الرئيسي الذي يؤثر على الاختيار.

ويتراوح سعر السيارات الكهربائية في تونس بين 16 ألف دينار (5 آلاف دولار) للسيارة محلية الصنع صغيرة الحجم و500 ألف دينار (157.7 ألف دولار) للماركات الفارهة.

وأظهر مسح معهد إمرود أن 20 في المئة فقط من المستجوبين أبدوا استعدادهم للشراء على المدى القصير، بينما أشار 80 في المئة إلى أنهم يأخذون كلفة الصيانة في الحسبان. وبينما يفضل 47 في المئة شراء مركبة وقود، أفاد 17 في المئة بأنهم سيختارون سيارة هجينة قابلة للشحن.

ويعتقد رابح أن بعض المهن مثل الميكانيكا، التي لا تزال كلاسيكية ستضمحل شيئا فشيئا، بالنظر “إلى عزوف الشباب ونظرتهم الدونية لها.”

وطالب بإعادة تأهيل المهنيين والميكانيكيين الموجودين حاليا، نظرا إلى التطور الذي تشهده صناعة السيارات وانتشار التكنولوجيا لضمان الاستمرارية، بحسب المتطلبات العصرية، ولا توجد أرقام محينة بشأن عدد ورشات الميكانيك والتي قدرتها إحصائيات تعود إلى العام 2008 بين 25 و30 ألفا.

وكانت السلطات قد اتخذت إجراءات في إطار ميزانية 2024، لتعزيز التنقل الكهربائي وتشجيع التونسيين على شراء مركبات كهربائية، لاسيما وأن السيارات الخاصة تمثل 60 في المئة من أسطول النقل البري.

وأقرت في هذا الإطار إعفاء السيارات الكهربائية من الرسوم الجمركية وتقليص ضريبة القيمة المضافة من 19 إلى 7 في المئة، وخفضت رسوم الجولان بنسبة 50 في المئة.

ولتشجيع الأفراد على الانخراط في هذا المسار، تم أيضا خفض ضريبة القيمة المضافة المطبقة على أجهزة الشحن المنزلي للسيارات والدراجات النارية من 19 إلى 7 في المئة.

وقامت الغرفة بالفعل بالعديد من ورشات التدريب في الولايات (المحافظات)، مثل بنزرت وزغوان وصفاقس، في إطار برنامج الإدماج المهني بالشراكة مع منظمة سويس كونتاكت.

ويرى رابح أن مسؤولية الميكانيكي اليوم أكبر لأن السيارات أصبحت باهظة الثمن ولا بد من الحذر والحرفية والدراية عند إصلاح أعطابها.

أما في ما يخص السيارات الكهربائية، فأكد أنها تتطلب مهارات أخرى ومهنا أخرى مثل مهندسي سلامة التشغيل وإلكترونيات الطاقة وإلكترونيات المحركات.

وعموما يعتقد رابح أن موردي السيارات في تونس “لا بد لهم من التأقلم مع عصر السيارات الكهربائية وتأهيل فنييهم، كما يجب تدريب مهندسي المستقبل في هذا المجال.”

وأفادت دراسة في فرنسا بأن الانتقال إلى استخدام السيارات الكهربائية يهدد 20 في المئة من الوظائف وأن وظائفا جديدة ستظهر في المصانع وغيرها.

50

ألف سيارة كهربائية تستهدفها تونس بحلول عام 2030 مع توفير 5 آلاف نقطة شحن بكامل البلاد

ويفرض انتشار التكنولوجيا التأقلم وإعداد مهن لسوق العمل رغم أن هذه الفئة من المركبات تضم أيضا جانبا ميكانيكيا، تماما مثل سيارات الوقود لأن إصلاح بطارياتها ونظمها الكهربائية أو استبدالها، قد يكون أكثر تعقيدا وكلفة.

وتحتاج الأنظمة الإلكترونية في السيارات الكهربائية، بما في ذلك المحركات وأجهزة التحكم، تدخلا خاصا، كما تتطلب أنظمة الكبح المتجدد، التي تستعيد الطاقة الحركية لإعادة شحن البطارية، معارف محددة أيضا.

ويرى المهنيون أن عمليات الإصلاح والصيانة ستستمر بالنسبة للإطارات لأنها تتآكل بسرعة أكبر بسبب الوزن الزائد للبطاريات.

وبدا فريد وهو صاحب ورشة صيانة بأحياء المنار بالعاصمة متشائما بشأن مهنة الميكانيكي التي قال إنها “مهددة بالاندثار.”

وأوضح أن الدولة خسرت الكثير بالتخلي عن التدريب المهني، الذي كان مدرجا في المدارس الثانوية، إذ كانت تتيح تأهيلا جيدا في مهن تحتاجها السوق.

وقال “اليوم أقوم بكل الأعمال التي كان من المفروض أن يقوم بها المتدرب (“الصانع” باللهجة التونسية)، لأن الشباب عازف تماما عن مهنة الميكانيكي.”

وأشار إلى أن أغلبهم يلتحقون بمراكز التدريب المهني الخاصة ولا يستمرون، بل يفضلون العمل في المقاهي أو في خدمات التوصيل برواتب قد تصل إلى ألف دينار (315.4 دولارا) باحتساب الإكراميات، على العمل في ورشات الإصلاح والصيانة.

ويعتقد صاحب الورشة، التي تشغل حاليا 9 أشخاص، “أن المستثمرين الذين كانوا يفضلون الوجهة التونسية لتوفر اليد العاملة، قد يجدون معضلة في توفيرها مستقبلا في قطاع الصيانة، وفي المقابل تمتلك تونس المهارات التقنية ولدينا المهندسون والقدرة على المنافسة في صناعة السيارات.”

وتواجه السوق التونسية حاليا مشاكل في السيارات الهجينة، وفق فريد، لأن نقاط الشحن غير متوفرة بالكم الكافي و”لا بد من إعداد البنية التحتية أولا.”

10