انتخاب روتايو رئيسا للحزب الجمهوري الفرنسي يرسم مستقبلا مأزوما مع الجزائر

الجزائر: لم تعد هناك جدوى للعمل باتفاقية التأشيرات الدبلوماسية بين البلدين.
الثلاثاء 2025/05/20
توظيف للعلاقات مع الجزائر في البرنامج السياسي لتيار اليمين

يمهّد انتخاب وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو رئيسا للحزب الجمهوري في فرنسا لمرحلة من العلاقات المأزومة بين فرنسا والجزائر، في وقت تتصاعد فيه موجة اليمين في البلاد، وسط تحميله من قبل أطراف جزائرية، مسؤولية تخريب العلاقات الثنائية بين البلدين.

الجزائر - شكل انتخاب وزير الداخلية الفرنسي الحالي، على رأس الحزب الجمهوري اليميني برونو روتايو، مؤشرا قويا على مستقبل مأزوم ينتظر العلاقات الجزائرية- الفرنسية خلال السنوات القليلة القادمة، خاصة في ظل تصاعد موجة اليمين في فرنسا وأوروبا عموما، وينتظر أن يكون مرشحه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المنتظرة بعد عامين، حيث تمثل ملفات العلاقات الثنائية مع الجزائر، والهجرة والاندماج الاجتماعي، والإسلاموفوبيا، مادة دسمة في خطاب عراب اليمين في فرنسا.

وتعكس نتائج انتخابات الحزب الجمهوري، التي رجحت كفة برونو روتايو، مدى التفاعل الشعبي داخل الجمهوريين، مع خطاب وزير الداخلية، الذي بات يطرح كمخلص وحيد لفرنسا من التهديدات المحيطة بها، وهو الذي يقع تحت سهام انتقاد الدوائر السياسية والإعلامية الجزائرية، التي تحمله مسؤولية تخريب العلاقات الثنائية بين البلدين.

ومع ترحيب رموز اليمين الفرنسي، على غرار المنافس لوران فوكييه، وإيريك سيوتي، ووزير الخارجية فرنسوا بايرو، بالفوز المحقق من طرف برونو روتايو، فإن كل التوقعات تذهب إلى ترشيحه في الانتخابات الرئاسية المنتظرة بعد عامين، والتي يحاول خوضها بعيدا عن الانقسامات، والاستمرار في توظيف نفس المادة السياسية، كالهجرة والتنظيم الاجتماعي، والعلاقات الثنائية مع الجزائر، لتكون برنامجا سياسيا لتيار اليمين.

ويستغل برونو روتايو، الحملة التي تشنها ضده، دوائر رسمية وإعلامية في الجزائر، ليطرح نفسه كبطل قومي للتيار اليميني في بلاده، ورغم أنه يشغل منصب وزير الداخلية في الحكومة الحالية، ويعد أحد أبرز المقررين في خلية التعاطي مع الأزمة الجزائرية، إلا أن الجزائر لا تزال متمسكة باعتباره مصدرا وحيدا لتخريب العلاقات الثنائية بين البلدين، وأنه لا يعكس الموقف الجماعي للسلطة الفرنسية، بل هو صوت يعبر عن تيار سياسي معين.

برونو روتايو، يعد من أشد المتحمسين لاتخاذ إجراءات صارمة في العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا

وفي تطور جديد للأزمة القائمة بين البلدين، أصدرت وزارة الخارجية الجزائرية، الاثنين، بيانا استغربت فيه، الخطوة الأخيرة المتخذة من طرف الحكومة الفرنسية، والمتعلقة بفرض التأشيرة على حاملي جوازات السفر الدبلوماسية وجوازات السفر المهمة، وهو ما يعني إنهاء العمل باتفاقية العامين 2007 و2013، المتعلقة بحركة الفئة المذكورة.  

وقالت: “أصبح الخطاب الفرنسي على ما يبدو، ينحو منحًى غريبًا ومثيرا للريبة، يتمثل في تدبير تسريبات إعلامية بشكل فاضح إلى وسائل إعلام مختارة بعناية من قبل مصالح وزارة الداخلية الفرنسية والمديرية العامة للشرطة الوطنية الفرنسية،” في إشارة إلى معلومات تداولتها وسائل إعلام في فرنسا بخصوص إجراءات اتخذت تجاه حملة جوازات السفر الجزائرية بمختلف أصنافها.”

وأضافت: “القرارات الفرنسية باتت تُعلن عبر هذه القنوات غير الرسمية، في تجاوز صارخ للأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها، وفي انتهاك واضح كذلك لأحكام الاتفاق الجزائري-الفرنسي المبرم سنة 2013، والمتعلق بإعفاء حاملي جوازات السفر الدبلوماسية وجوازات السفر لمهمة من التأشيرة.”

ونفت الخارجية الجزائرية، أن تكون قد تلقت أي إشعار رسمي من السلطات الفرنسية عبر القناة الوحيدة التي يُعتد بها في العلاقات بين الدول، ألا وهي القناة الدبلوماسية، وأن القائم بالأعمال بسفارة فرنسا بالجزائر، الذي تم استدعاؤه أربع مرات من قبل وزارة الشؤون الخارجية، أكد أنه لا يحوز على أي تعليمات من وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية.

ويعد الزعيم الجديد لتيار اليمين في فرنسا برونو روتايو، من أشد المتحمسين لاتخاذ إجراءات صارمة في البعد الاجتماعي للعلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا، حيث كان أول المبادرين بترحيل مهاجرين غير نظاميين جزائريين، وصفوا بـ”غير المرغوب فيهم”، كما أبدى تشددا تجاه مسائل الهجرة والتجنيس والزواج المختلط، لكن السلطات الجزائرية رفضت استلام هؤلاء، بدعوى عدم التنسيق المسبق وعدم استيفاء الشروط القانونية والقضائية التي تقضي بترحيلهم إلى بلدهم الأم.

برونو روتايو يستغل الحملة التي تشنها ضده دوائر رسمية وإعلامية في الجزائر، ليطرح نفسه كبطل قومي للتيار اليميني في بلاده

وتحولت قضية المؤثر المعارض أمير بوخرص، (أمير دي زاد)، إلى مصدر خلاف عميق بين البلدين، بسبب مسارات التحقيق في عملية اختطافه واحتجازه العام الماضي بإحدى الضواحي الباريسية، والتي أفضت إلى توقيف واتهام عناصر على صلة بدوائر رسمية جزائرية، بحسب تقارير إعلامية وتصريحات رسمية.

ويرى متابعون للملف، بأن الأزمة المتفاقمة بين البلدين، يستحيل أن تعود إلى الخلف أو تطويقها، بعدما فلتت من أيدي الدوائر السياسية، ودخول القضاء على الخط، فالحديث عن ضلوع عناصر متصلة بالسلطة، لا يحسم فيه إلا القضاء، ولا يمكن للسياسيين مهما كانت إرادتهم القفز عن ممارسات ترفضها الجزائر وتعتبرها جزءا من حملة مفبركة لتأزيم الوضع.

وتوعدت الجزائر، بـ”اتخاذ إجراءات مماثلة في إطار المعاملة بالمثل، وبنفس الحدة والصرامة،” محملة السلطات الفرنسية مسؤولية انتهاك الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين البلدين.

ورفضت الخارجية الجزائرية، رفضا قاطعا، “ادعاء السلطات الفرنسية ومزاعمها بأن الجزائر كانت الطرف الأول الذي أخل بالتزاماته بموجب اتفاق 2013، وأنه ادعاء لا يستند إلى أي حقيقة تدعمه ولا أي واقع يقره.”

وكشفت أن “الجزائر لم تكن يوما الطرف المُطالب أو المبادر بها، وأنه في أعقاب فرض نظام التأشيرة العام 1986 على رعايا البلدين، بادرت فرنسا ولوحدها باقتراح إعفاء حاملي جوازات السفر الدبلوماسية من هذا الإجراء، وقد قوبل هذا المقترح الفرنسي آنذاك برفض صريح لا لبس فيه. وخلال تسعينيات القرن الماضي، جدد الطرف الفرنسي هذا الاقتراح ثلاث مرات، وواجه في كل مرة نفس الرفض القاطع من قبل الجانب الجزائري.”

وفيما يبدو بأنه استعداد جزائري للتخلي عن الاتفاق المذكور، أفاد البيان، بأنه “اليوم، كما الأمس، لا ترى الجزائر في هذا الاتفاق أي مصلحة خاصة ولا تبدي أي تعليقٍ محدد بشأنه.”

4