انتخابات كردستان العراق ترسّخ أزمة رواتب موظفي الإقليم في مربع التسييس

نقطة افتراق إضافية بين حزبي طالباني وبارزاني تعقّد التعايش بينهما بعد الانتخابات.
الجمعة 2024/10/18
فرحة القبض على الراتب

قضية رواتب موظفي إقليم كردستان العراق التي انطلقت أول الأمر كخلاف مالي بين حكومة الإقليم والحكومة الاتّحادية العراقية، توسّعت لتتحوّل إلى خلاف سياسي عميق بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتّحاد الوطني الكردستاني، ساهم في تسميم أجواء الحملة الدعائية لانتخابات برلمان الإقليم، وسيساهم في تعقيد تعايش الحزبين بعد الاستحقاق الانتخابي.

السليمانية (العراق) - خرجت قضية رواتب موظفي إقليم كردستان عن كونها مجرّد مسألة خلافية بين حكومة الإقليم والحكومة الاتّحادية أسبابها المعلنة مالية وإجرائية بالأساس لتصبح معركة سياسية بامتياز داخل الإقليم نفسه وبين فرقائه السياسيين، غير منفصلة عن صراعاتهم على السلطة التي بلغت أشدّها في الوقت الحالي بمناسبة الانتخابات البرلمانية المقرر أن تجري الأحد.

وبدأ الخميس في محافظة السليمانية معقل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني تنفيذ إجراءات توطين الرواتب التي تعني تسليم رواتب الموظفين عن طريق المصارف الاتّحادية العراقية بدل مرورها بسلطات الإقليم؛ وذلك تنفيذا لقرار كانت المحكمة الاتحادية، أعلى سلطة قضائية في العراق، قد اتّخذته بهذا الاتّجاه في شهر فبراير الماضي ورحّب به حزب الاتّحاد بينما انتقده الحزب الديمقراطي الكردستاني بشدّة واعتبره مساسا بالاختصاصات الدستورية في الإقليم، مقترحا بدلا من التوطين آلية جديدة لدفع الرواتب أطلق عليها تسمية "حسابي".

وعلى مدى الحملة الانتخابية التي انتهت قبل أيام مثّلت قضيّة الرواتب أحد محاور دعاية الحزبين المذكورين، حيث دافع حزب الاتحاد بقيادة بافل جلال طالباني بشدّة على فكرة التوطين بينما دافع الحزب الديمقراطي على آلية “حسابي” معتبرا أنّها جزء من صيانة سلطة الإقليم واختصاصاته.

وزاد الصراع بين الحزبين من تأزيم قضية رواتب موظفي إقليم كردستان بعد أن مثّلت على مدى السنوات الأخيرة مثارا لخلافات حادّة بين سلطات الإقليم والسلطة الاتّحادية العراقية، وذلك لأسباب مالية وأخرى إجرائية تقنية تتعلّق بحصر عدد موظفي الإقليم وتحديد كتلة رواتبهم وطريقة تقاضيهم لها.

وبات حصول الموظفين على رواتبهم حدثا استثنائيا تتناقله وسائل الإعلام في شكل بشرى لسكّان الإقليم. وتناقلت تلك الوسائل الخميس نبأ إعلان وزارة المالية والاقتصاد في إقليم كردستان عن بدء عملية توزيع رواتب شهر سبتمبر.

وقالت الوزارة في بيان إن توزيع الرواتب سيبدأ الجمعة ويستمر أسبوعا. وواجهت حكومة إقليم كردستان اتهامات بتضخيم الأعداد الفعلية للموظفين بهدف الحصول على أموال إضافية كما واجهت اتهامات بالتلاعب بالأموال التي تقوم بغداد بدفعها كمخصصات للرواتب وتحويل مبالغ منها لمصلحة جهات متنفذة في الحكومة.

نرمين معروف: الحكومة الاتحادية العراقية لم تقبل بمشروع حسابي
نرمين معروف: الحكومة الاتحادية العراقية لم تقبل بمشروع حسابي

وتتعلّق أيضا بقضية الرواتب مسألة تحويل الموارد المالية التي يتمّ جمعها في الإقليم من المنافذ الحدودية وغيرها إلى خزينة الدولة الاتحادية، حيث تُتّهم حكومة الإقليم بعدم الدقة في التصريح بجميع تلك الموارد وتعمّد إخفاء مبالغ منها. وأحدثت جميع تلك المشاكل اضطرابات متكررة وعدم انتظام في حصول موظفي الإقليم على رواتبهم، الأمر الذي أحدث أوضاعا اجتماعية صعبة في صفوف شرائح واسعة من السكان وأثّر على الدورة الاقتصادية للإقليم وما يتعلّق بها من حركية تجارية.

وخلال الحملة الانتخابية ركّز حزب طالباني على تحميل حزب بارزاني مسؤولية تلك الأوضاع متهما إياه بعدم الشفافية في التصرف بمسألة الموارد وبالتلاعب برواتب الموظفين، الأمر الذي أثّر سلبا بحسب قادة الاتّحاد الوطني على العلاقة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتّحادية وعسّر حصول الإقليم على مستحقاته المالية من بغداد.

وهاجم رئيس حزب الاتحاد الوطني بافل طالباني في أحد التجمّعات الانتخابية آلية “حسابي” التي حاولت حكومة الإقليم الدفع بها كبديل عن عملية التوطين ونسبها مباشرة إلى قيادة حزب بارزاني، مشكّكا في سلامة نواياها.

وقال مخاطبا حشدا من جماهير حزب الاتحاد “قسما بالله هو ليس حسابي ولا حسابكم، إنما هو حساب مسرور” (بارزاني نائب رئيس الحزب الديمقراطي ورئيس حكومة الإقليم). وأضاف “يريدون أن يستحصلوا منكم الأموال، ونحن من ذهب إلى بغداد واستطعنا ضمان رواتبكم وفصلها عن مسائل أخرى، فحساب مسرور ليس له أي فائدة لكم ولا تنجزوه بل قوموا بالتوطين".

وعلى الطرف المقابل يتمسّك حزب بارزاني بالآلية ويحاول فرضها كأمر واقع من خلال الإعلان عن تسجيل نصف مليون موظف ضمن مستخدميها متوقعا إضافة ضعفهم حتى نهاية السنة الجارية.

وتقول حكومة بارزاني إنّه سيكون بمقدور هؤلاء الموظفين استلام رواتبهم عبر مشروع “حسابي” الذي تشترك فيه تسعة مصارف محلية من خلال أجهزة الصراف الآلي الموزّعة في مختلف المحافظات. ووصف مسرور بارزاني مشروع “حسابي” بأنّه “إنجاز كبير رغم التحديات التي واجهتها الحكومة لتحقيقه في فترة زمنية قصيرة”. ورأى أن النظام المصرفي في إقليم كردستان يمتلك من الكفاءة ما يتيح للموظفين استلام رواتبهم بسهولة.

وتزيد الخلافات حول الآلية المذكورة تكريس القسمة القائمة بالفعل بين مناطق نفوذ حزبي بارزاني وطالباني، وعلى هذه الخلفية يراهن الأول على تمرير مشروع “حسابي” في مناطق سيطرته الأساسية بمحافظتي أربيل ودهوك، بينما شرع الثاني بالفعل في تطبيق عملية توطين الرواتب في مناطق نفوذه بالسليمانية وحلبجة.

وفي تنفيذ عملي لتوجيهات بافل طالباني خلال الحملة الانتخابية، قالت وسائل إعلام محلية، الخميس، إنّ إيعازا وصل إلى إدارات المدارس التابعة لمديرية التربية وأيضا المؤسسات الأمنية والمدنية في السليمانية وحلبجة لغرض التوجه إلى فروع المصرف العراقي للتجارة.

وأضافت نقلا عن مصدر محلي أنّ هناك إقبالا على فرع المصرف المذكور بالسليمانية وأنّه سيتم افتتاح فرع آخر له خلال الأيام المقبلة لغرض تسليم الاستمارة الخاصة إلى الموظفين لمباشرة إجراءات التوطين. كما كشف المصدر أنّه سيتم خلال الشهر المقبل افتتاح فرع لمصرفي الرافدين والرشيد (اتحاديين) في مركز مدينة السليمانية.

◙ تماهي موقف الاتحاد الوطني مع موقف بغداد من الرواتب مؤشّر على متانة علاقة الحزب بجهات نافذة في الحكومة الاتحادية

ويبدو حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في موقع قوّة إزاء غريمه الحزب الديمقراطي الكردستاني في قضية الرواتب، ذلك أنّه يعتمد في منظوره إلى القضية على دعم السلطات الاتّحادية التي هي مصدر قرار التوطين. ويقول شيروان ميرزا العضو السابق في مجلس النواب العراقي إنّ الحكومة العراقية مصرة على توطين رواتب موظفي إقليم كردستان في المصارف الاتحادية.

ويضيف متحدّثا لوسائل إعلام تابعة لحزب الاتّحاد “لا يحتاج التوطين في الوقت الحالي إلى فتح فروع المصارف الاتحادية في الإقليم، والمطلوب هو إرسال المعلومات من قبل الوزارات حول الموظفين إلى هذه المصارف لتوطين الرواتب مباشرة وبالتالي يمكن للموظفين تسلم رواتبهم عبر المصارف الأهلية أو أجهزة الصراف الآلي".

وتقول نرمين معروف، عضو اللجنة المالية النيابية في البرلمان الاتّحادي، “بالرغم من أن حكومة إقليم كردستان بدأت العمل بمشروع حسابي إلاّ أن الحكومة الاتحادية لم تقبل حتى الآن هذا المشروع رسميا". وتضيف “وفق الإجراءات القانونية والمحاسبية فإنّ الحكومة العراقية لن تضع أموالها في المصارف الأهلية، بل ترسل المبالغ المخصصة للرواتب إلى مصارف تابعة لها”.

ويعتبر تماهي موقف حزب الاتحاد مع موقف الحكومة العراقية في قضية الرواتب مؤشرا على العلاقات المتينة التي باتت تجمع قيادة الحزب مع قادة الأحزاب والفصائل الشيعية النافذة في حكومة بغداد.

وتفسّر تلك العلاقات تعاظم طموح حزب الاتحاد إلى تغيير توازنات الحكم في الإقليم لمصلحته بعد أن كانت راجحة بشكل كبير لمصلحة الحزب الديمقراطي الذي لم تتردّد دوائر مقربة منه في التنديد بما قالت إنّها مؤامرة تحاك ضدّه بين حزب طالباني وتلك القوى الشيعية بهدف إزاحته من المواقع القيادية في مؤسسات الحكم الذاتي بإقليم كردستان العراق.

وتأججت التوتّرات بمناسبة الانتخابات البرلمانية التي تقرّر إجراؤها الأحد بعد أن تأجلت عن موعدها الأصلي بنحو عامين. ويقدّم الإقليم، حليف الولايات المتحدة والأوروبيين، نفسه على أنه واحة استقرار ورخاء جاذبة للاستثمارات الأجنبية. لكن ناشطين ومعارضين يدينون مشاكل تلمّ به كما تلم بباقي أنحاء العراق أبرزها الفساد وقمع الأصوات المعارضة وزبائنية تمارسها الأحزاب الحاكمة.

3