انتخابات غير حاسمة تفاقم أزمات لبنان

بيروت – لا يزال الغموض سيد الموقف في لبنان بعد نحو أسبوعين من الانتخابات النيابية التي أفرزت برلمانا منقسما إلى عدة تكتلات، مما يثير احتمال حدوث شلل سياسي قد يؤخر تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو ما يعطل تنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية التي تمثل شروطًا مسبقة للحصول على دعم من صندوق النقد الدولي وشركاء دوليين آخرين.
ويؤكد محللون أن غياب كتلة أغلبية واضحة قد يتسبب في استمرار مسلسل الخلاف السياسي اللبناني. ويرى الباحث كريم إميل بيطار أنه “في حالة عدم تنفيذ الإصلاح السياسي في غضون السنوات الأربع المقبلة، هناك احتمال كبير أن تنهار جميع مؤسسات الدولة اللبنانية”.
وقالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني الجمعة إن الطريق لا يزال صعبا أمام لبنان للخروج من وضع التخلف عن الوفاء بالتزاماته السيادية بالنظر إلى النتائج غير الحاسمة للانتخابات البرلمانية في البلاد في الخامس عشر من مايو.
كريم إميل بيطار: هناك احتمال كبير أن تنهار جميع مؤسسات الدولة اللبنانية
وأفضت النتائج إلى برلمان منقسم إلى عدة تكتلات إذ فقد حزب الله وحلفاؤه الغالبية التي فازوا بها في عام 2018.
وقالت فيتش في تقرير على موقعها في الإنترنت “إضعاف الكتلة الموالية لحزب الله يُحسّن وضع الأحزاب الأخرى… لكننا نعتقد أن تنفيذ الشروط المسبقة لصندوق النقد الدولي سيظل صعبا (بالنظر إلى أن) تشكيل الحكومة عملية طويلة تاريخيا، ويشير عدم وجود فصيل فائز واضح في هذه الانتخابات الأحدث إلى أن الأمر سيستغرق وقتا مرة أخرى”.
وأقر مجلس الوزراء اللبناني المنتهية ولايته خارطة طريق للتعافي المالي خلال جلسته الأخيرة قبل الانتقال إلى وضع تصريف الأعمال.
وتتضمن الخطة إلغاء “جزء كبير” من التزامات مصرف لبنان المركزي بالعملة الأجنبية تجاه البنوك التجارية وحل البنوك غير المؤهلة للاستمرار بحلول نوفمبر.
لكن جمعية مصارف لبنان اعترضت على خارطة الطريق قبل أيام، قائلة إنها تضع الخسائر الكاملة للانهيار الاقتصادي في البلاد على عاتق المودعين.
وفقدت العملة المحلية اللبنانية أكثر من 95 في المئة من قيمتها منذ بدء التراجع الاقتصادي في عام 2019، ولم تعد البنوك تسمح للمودعين بالعملات الأجنبية بالحصول على مدخراتهم.
ومنذ أكثر من عامين يعاني لبنان أزمة اقتصادية حادة غير مسبوقة مع انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية الليرة مقابل الدولار وشح في الوقود والأدوية وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وفي يونيو من العام الماضي وصف البنك الدولي الأزمة في لبنان بأنها “الأكثر حدة وقساوة في العالم”، وصنفها ضمن أصعب ثلاث أزمات سجلت في التاريخ منذ أواسط القرن التاسع عشر.
ويطلب اللبنانيون من البرلمان الجديد أن يعيد إليهم الحياة الآمنة والكريمة إلى جانب حقوقهم الطبيعية، لكن آمالهم في تحقيق ذلك تظل ضعيفة.
ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد ارتفعت نسبة جرائم السرقة والقتل والخطف خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، مقارنة بالفترة ذاتها من الأعوام الماضية، وفق دراسة نشرتها شركة “الدولية للمعلومات” (خاصة) في أبريل الماضي.
وقال المحلل والكاتب السياسي طوني بولس إن “القوى الممسكة حاليا بالسلطة، وهي حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، لم تعد تملك الأكثرية النيابية، وبالتالي قد تلجأ إلى عرقلة الاستحقاق الدستوري”.
وتوقع بولس أن “يكون هناك صدام داخل البرلمان، إذ إن القوى الجديدة التي دخلته ستحاول إثبات نفسها، كما أن الفريق المهزوم سيحاول التخفيف من الأضرار الواقعة عليه ولن يتخلى عن الحكم بسهولة”.
وتابع “هذا الواقع سيصّعب عملية تشكيل الحكومة، وقد يُدخل لبنان في دوّامة من الفراغ أو المراوحة التي ستزيد بكل تأكيد من تعميق أزمته السياسية والاقتصادية التي يعاني منها منذ نحو عامين ونصف العام”.
ورجح بولس ألا تتشكل الحكومة خلال الأشهر الخمسة المتبقية من ولاية رئيس البلاد ميشال عون.
وتنتهي ولاية عون في الحادي والثلاثين من أكتوبر 2022، حيث انتخبه أعضاء البرلمان عام 2016 وأنهى آنذاك فراغا رئاسيا استمر 29 شهرا.
ويشير مراقبون إلى أن استحقاق تشكيل الحكومة المقبلة يوازي بحجمه وإشكاليته كل الاستحقاقات الأخرى، ومن غير المتوقع تشكيلها بسهولة في ظلّ التجاذبات القائمة محليا في لبنان وخارجيا على المستويين الإقليمي والدولي.