انتخابات رئاسية بلا مفاجآت في بيلاروسيا

توجه الناخبون في بيلاروسيا الأحد إلى صناديق الاقتراع في انتخابات رئاسية مثيرة للجدل من المتوقع بشكل كبير أن تجدد ولاية الرئيس الحالي ألكسندر لوكاشينكو الذي يحكم البلاد بقبضة من حديد منذ عام 1994. ولم تعترف منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بأي انتخابات في بيلاروسيا على أنها حرّة ومنصفة منذ تولي الأخير السلطة.
مينسك - يبدو رئيس بيلاروسيا (روسيا البيضاء) ألكسندر لوكاشينكو عازما على التمسك بالسلطة في انتخابات الأحد على حساب الإضرار بعلاقته الوثيقة مع روسيا المجاورة، بعد سجن اثنين من أكبر منافسيه وتوجيه الاتهامات لموسكو.
وفي حكم المؤكد أن يفوز لوكاشينكو (65 عاما) بسادس ولاية رئاسية على التوالي لكنه قد يواجه موجة احتجاجات جديدة وسط غضب إزاء تعامله مع وباء فايروس كورونا والاقتصاد وسجل حقوق الإنسان.
وقد تؤدي الحملة الصارمة التي قادتها السلطات ضد المعارضة إلى الإضرار بمحاولات لوكاشينكو إصلاح الروابط مع الغرب في ظل توتر مع روسيا الحليف التقليدي لبلاده والتي سعت للضغط على مينسك للدخول في اتحاد اقتصادي وسياسي أوثق.
وقد قاد لوكاشينكو الجمهورية السوفيتية السابقة في أوروبا الشرقية، والواقعة بين روسيا وبولندا الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، لمدة ربع قرن، دون السماح بمعارضة حقيقة، حيث كانت روسيا أقرب حليف لبيلاروسيا المعزولة منذ نهاية الحقبة السوفيتية.
وقد أدان الغرب، وخاصة الاتحاد الأوروبي سجن المدون والناشط البارز سيرجي تيخانوفسكي والقطب المصرفي السابق فيكتور باباريكو في الفترة التي سبقت الانتخابات، للاشتباه في أن هذه الخطوة تمت بدوافع سياسية.
وقال المحلل السياسي أرتيوم شريبمان في تعليق لمركز أبحاث “كارنيغي موسكو” إن “الانتخابات تهدد بإفساد علاقة مينسك مع كل من موسكو والغرب، في وقت تعني فيه الحالة الاقتصادية السيئة للبلاد أنها في حاجة ماسة إلى دعم خارجي”.
واتهمت السلطات تيخانوفسكي بمحاولة إثارة أعمال شغب، بينما اتهمت باباريكو، الذي تربطه علاقات عمل وثيقة بروسيا، بالاحتيال والاختلاس، حيث أشارت السلطات البيلاروسية إلى تورط روسيا في كلتا الحالتين.
وقال شريبمان “اتهم لوكاشينكو سادة الدمى الروسية بالتدخل في شؤون بلاده، وفي المقابل انتقده الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لاعتقال أولئك الدمى”.
وفر مرشح محتمل قوي ثالث وهو فاليري تسيبكالو، إلى روسيا بعدما تلقى معلومات تفيد بأنه سيتم اعتقاله أيضا.
وأصبح المرشح الرئاسي الوحيد الذي يعتبر ممثلا للمعارضة السياسية غير النظامية هي سفيتلانا تيخانوفسكايا، زوجة تيخانوفسكي، والتي سمحت السلطات على نحو مفاجئ بإدراجها كمرشحة على بطاقات الاقتراع.
وأعلنت تيخانوفسكايا أنها إذا فازت في الانتخابات، فإنها ستفرج عن باباريكو وزوجها من السجن وستسمح بإجراء انتخابات رئاسية جديدة يشارك فيها المرشحان.
وقد تصاعد الخلاف الناشئ بين لوكاشينكو وروسيا في وقت سابق من العام الجاري عندما اتهم القيادة الروسية باستخدام الضغط الاقتصادي في محاولة للسيطرة على بيلاروسيا من خلال اتفاقية حرية الحركة بين الحليفين المقربين والمبرمة منذ عقود.
وتفاقمت التوترات الأسبوع الماضي بعدما أعلنت السلطات البيلاروسية اعتقال مجموعة وصفت أفرادها بأنهم مرتزقة روس كانوا في مهمة لتنفيذ هجوم إرهابي في مينسك لزعزعة استقرار البلاد قبل الانتخابات.
وقالت وسائل الإعلام الحكومية في بيلاروسيا إنه تم اعتقال المجموعة المؤلفة من نحو 30 رجلا في فندق خارج مينسك وأن المجموعة “ربما تكون على صلة” بالسياسي المعارض المسجون تيخانوفسكي دون ذكر أي تفاصيل.
وأثارت هذه القضية غضب موسكو، ودعا المتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الإفراج الفوري عن المجموعة، فيما وصفت روسيا المجموعة بأنها أعضاء في شركة أمنية خاصة كانت في طريقها إلى إسطنبول.
وتقول بيلاروسيا إنهم أعضاء في مجموعة فاغنر وهي منظمة سرية شبه عسكرية، ويعتقد أن العديد من المشتبه بهم قاتلوا في الصراع في شرق أوكرانيا.
حملة الاعتقالات في صفوف المعارضة قد تؤدي إلى الإضرار بمحاولات إصلاح الروابط مع الغرب في ظل توتر مع روسيا
ويؤكد محللون إن احتجازهم قد يُستخدم ذريعة لفرض حملة صارمة أشد عقب الانتخابات، فيما يقول المحلل السياسي ألكسندر كلاسكوفسكي “أبدى لوكاشينكو صراحة رغبته في الاحتفاظ بالسلطة بأي ثمن. لكن السؤال ما هو الثمن؟”.
وقال ريهور أستابينيا، الخبير السياسي البيلاروسي في مركز أبحاث تشاتهام هاوس للشؤون الدولية، “إن المواطنين يشعرون بالشك في هذه المزاعم”.
وأضاف “لا يعتقد الكثير من الناس في بيلاروسيا أن هؤلاء الأشخاص جاؤوا إلى بيلاروسيا لزعزعة استقرارها… الكثير من الناس في مينسك مسجونون بتهم ملفقة”.
وتكهن الخبير السياسي أن الوضع العام يمكن أن يكون في الواقع مفيدا لروسيا، فمع ظهور النظام الانتخابي البيلاروسي فاقدا للشرعية وانتشار الاضطرابات بين الشعب، فقد يضطر لوكاشينكو إلى الاعتماد بشكل أكبر على روسيا.
وقال “إن لوكاشينكو يفعل كل ما يريده الكرملين”، فيما أعرب خبير آخر في الشؤون الروسية مارك جاليوتي، مدير شركة ماياك انتلجنس للاستشارات، عن شكه في صحة المزاعم ضد مجموعة المعتقلين الروس.
واعتبر جاليوتي أن لوكاشينكو “يجعل روسيا كبش فداء لأنه سيكون من الأسهل بالنسبة له استعادة علاقاتهما الثنائية القوية السابقة مقارنة بإصلاح العلاقات المتوترة مع دولة غربية”، مشيرا إلى أن الأخير “يستطيع تحسين الأمور مع بوتين بعد الانتخابات”.
ويقول لوكاشينكو، الذي يصور نفسه بأنه ضامن الاستقرار، إن المحتجين المعارضين يتعاونون مع داعمين أجانب بما في ذلك 33 شخصا يشتبه بأنهم مرتزقة روس احتجزتهم السلطات في يوليو بتهمة التخطيط “لأعمال إرهابية”.
وتقيم روسيا وبيلاروسيا، الحليفتان تقليديا، علاقات متوترة منذ نهاية 2019. واتهم الرئيس البيلاروسي موسكو بالسعي إلى جعل مينسك دولة تابعة لها وبالتدخل في انتخابات التاسع من أغسطس، وهي اتهامات نفتها موسكو.
وأصدرت دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي فرنسا وألمانيا وبولندا – الأخيرة متاخمة لبيلاروسيا – بيانا مشتركا قبل الانتخابات، أعربت فيه عن “قلقها الشديد”، فيما تم الإبلاغ عن اعتقال أكثر من ألف شخص خلال احتجاجات بجميع أنحاء بيلاروسيا خلال الأسابيع الأخيرة.
وجاء في بيان الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي “إننا نتمسك بحزم بحق الشعب البيلاروسي في ممارسة حرياته الأساسية، بما في ذلك حق الانتخاب”. وانتقد الاتحاد الأوروبي في وقت سابق اعتقال كبار منافسي لوكاشينكو، مشيرا إلى أن التهم الموجهة إليهم تبدو ملفقة.
ولم تتلق منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي راقبت بشكل تقليدي ومستقل الانتخابات في بيلاروسيا، دعوة في الوقت المناسب لمتابعة تصويت الأحد، وبالتالي لن تتمكن من الحضور.