انتخابات بالقانون الحالي أم بتعديله: تونس في دوامة جدل لا ينتهي

تستعد تونس لتنظيم الانتخابات الثالثة منذ الثورة والأولى منذ إصدار دستور 2014، في ظل جدل حول القوانين التي ستعتمد لإجراء الانتخابات. وتقترح الحكومة التونسية إدخال تعديلات على القانون لتكتسب الانتخابات المزيد من المصداقية والنزاهة، لكن المعارضين وإن اتفقوا على وجود ثغرات في القانون الانتخابي فهم يرفضون التعديل قبل أربعة أشهر من إجراء الاقتراع وشهر واحد من فتح باب الترشحات.
يهيمن التساؤل حول ما إذا كان من الأنسب إجراء الانتخابات القادمة في تونس استنادا إلى قانون الانتخابات والاستفتاء الموجود حاليا أم أن الأفضل إجراء تعديل عليه حتى وإن كان متسرعا على المشهد السياسي والبرلماني في تونس؟
ظهر الجدل حول هذه المسألة عندما قدمت الحكومة التونسية مقترحا لتعديل البعض من أجزاء القانون القديم التي اعتبرتها من المسائل العاجلة، لكن الأمر لم يكن هينا في ظل موجة الرفض تحت قبة البرلمان وخارجها لمقترح التعديل.
خبراء القانون كانوا من أول المعارضين لتعديل القانون الانتخابي “لأسباب أخلاقية بالأساس″. يشدد المحامي والقاضي الإداري المتقاعد أحمد صواب، في تصريح لـ”العرب”، على أنه لعدة أسباب لا يجب إدخال أي تغييرات على القانون في سنة الانتخابات. وأوضح أن ما يفصل التونسيين عن الانتخابات هو أربعة أشهر فقط لكن أيضا بقي 33 يوما على انطلاق الحملة الانتخابية.
ويلفت صواب إلى أن تغيير قواعد اللعبة الانتخابية في هذه الفترة “سيربك الأحزاب السياسية إذ من شأنه التأثير على طبيعة التحالفات الانتخابية”. كما أشار إلى أن تعديل القانون الانتخابي الآن قد يفتح الباب في المستقبل أمام تنقيح قوانين أخرى قائلا “خرق القانون تعرف بدايته لكن لا تعرف نهايته”.
وأكد صواب أن كل المعايير الدولية تؤكد على أنه لتعديل القانون الانتخابي يجب توفر الوقت الكافي، كما أن لجنة البندقية، التي قال إنها “جهة مرجعية في القانون تجمع أعرق الديمقراطيات في العالم” منذ العام 2002 منعت المس بالعناصر الأساسية للقانون الانتخابي في سنة الانتخابات.
وتنص لجنة البندقية على مبدأ أن العناصر الأساسية للقانون الانتخابي لا ينبغي تعديلها قبل أقل من سنة واحدة من الانتخابات، وذلك بهدف ضمان استقرار القانون الانتخابي وتأمين عناصر الديمقراطية.
و”لجنة البندقية” هو الاسم الذي عرفت به المفوضية الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون، وهي هيئة استشارية تابعة لمجلس أوروبا تنظر في القضايا الدستورية. وعرفت بهذا الاسم لأن مدينة البندقية في إيطاليا هي المكان الذي تجتمع فيه.
وتقدم هذه اللجنة المشورة القانونية إلى الدول الأعضاء فيها ومساعدتها على جعل هياكلها القانونية والمؤسسية تتماشى مع المعايير والخبرات الدولية لترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون.
تضم اللجنة 61 دولة عضوا، وهي الدول الأعضاء في مجلس أوروبا بالإضافة إلى 14 دولة أخرى من بينها تونس.
ضرورة التعديل
يقر صواب بأن مضامين مقترح التعديل لا يمكن الاختلاف بشأنها، مؤكدا على ضرورة مراجعة الكثير من المراسيم والقوانين التي تتعلق بالانتخابات ومن بينها إصدار قانون ينظم عمليات سبر الآراء.
ولم يحسم مجلس نواب الشعب بعد أمر مشروع قانون يتعلق بتنظيم سبر الآراء واستطلاعات الرأي وإنجازها ونشرها المقدم منذ العام 2017، إذ يعد من بين المواضيع المركونة على رفوف اللجان البرلمانية.
يقول المساندون لتعديل القانون الانتخابي إن الأوضاع الحالية لا تحتمل أن تجري الانتخابات استنادا إلى القانون القديم مع كل ما يحمله من ثغرات. وفيما يبدو الجميع متفقا على أن القانون الانتخابي يتضمن الكثير من النقائص ويحتاج إلى تعديل وتحسين، ينتقد المعارضون بشدة مقترح الحكومة لاسيما فيما يتعلق بتوقيت إجراء التعديل إذ يعتبر الكثير من السياسيين ومكونات المجتمع المدني أن الوقت غير مناسب حاليا لذلك باعتبار أنها سنة الانتخابات.
وتدفع هذه الانتقادات إلى التساؤل حول ما الأفضل لتونس؛ هل الأنسب تنظيم انتخابات بالقانون القديم رغم سلبياته أم بعد أن يُجرى عليه تعديل متسرع؟
ترى فاطمة المسدي، النائبة في البرلمان التونسي، أن “الأفضل أن يتم تنظيم الانتخابات هذا العام باعتماد القانون القديم دون تعديله لضيق الوقت” مشددة على أنها كانت في السابق -أي قبل هذه الفترة- مع فكرة التعديل لكنها الآن ترفضها.
وأوضحت المسدي، لـ”العرب”، أنه ليس من المنطقي أن يتم تعديل القانون الانتخابي بعد أن بدأت الصورة تتضح بخصوص المرشحين المحتملين للانتخابات إذ أن الأمر سيبدو “وكأنه قانون معد على المقاس″.
واقترحت إرجاء إدخال التعديلات على القانون الانتخابي لفترة ما بعد الانتخابات. ولا ترى الإشكال يكمن في القانون الانتخابي فقط بل تعتبر أن النظام السياسي برمته في تونس يحتاج إلى مراجعة “فالأزمة السياسية في البلاد سببها النظام السياسي”.
يعتبر المعارضون أن التعديل أريد منه الالتفاف على الواقع وقطع الطريق على المنافسين في الانتخابات، إذ يرون أن الغاية منه ليست الإصلاح في حد ذاته بل استغلاله لغايات انتخابية وسياسية وخاصة في إطار تصفية الحسابات مع الخصوم.
ومقابل ذلك يشددون على أنه كان من الأجدر الخوض في المسائل المهمة المتعلقة بالمسار الانتخابي وكيفية إجراء وتسيير العملية الانتخابية في كنف الشفافية والنزاهة والتنافس الشريف وإرساء قواعد الديمقراطية الحقيقية لا المزيفة عوضا عن تقديم مبادرة لتعديل القانون الانتخابي قبل أشهر قليلة من تنظيم الانتخابات.
النقاط والمسائل التي تم التطرق إليها في مقترحات التعديل تتضمن إخلالات واضحة في القانون الانتخابي لكن تم السكوت عنها في السابق ولم يتم التطرق إليها وهو ما يحيي الشعور بالريبة بشأن طرحها في هذا الوقت بالتحديد في حين أن البلاد تستعد لتنظيم الانتخابات.
ومن بين الأحزاب السياسية الرافضة لتعديل القانون في هذا التوقيت حزب آفاق تونس. وقالت ريم محجوب النائبة في البرلمان ورئيسة المكتب السياسي للحزب، لـ”العرب”،”لدينا رؤية خاصة بنا في هذه المسألة لكن نرفض التعديل الآن لأنه لا يتوفر الوقت الكافي لذلك”. وأضافت “صحيح هناك فراغ قانوني في البعض من المسائل المتعلقة بالانتخابات والدعاية السياسية، هناك مخاوف على الديمقراطية”.
وأقرت محجوب بضرورة تعديل القانون الانتخابي الحالي خاصة فيما يتعلق بطريقة الاقتراع على القائمات الانتخابية والعتبة وممارسة الجمعيات للنشاط السياسي واستغلال وسائل الإعلام في الدعاية السياسية.
وشددت على أن حزب آفاق تونس مع مراجعة قانون الانتخابات والاستفتاء لكن بعد الانتخابات القادمة، مقترحة إعادة النظر في القانون برمته وليس فقط الاقتصار على البعض من الفقرات أو التفاصيل.
لكن الداعمين لمقترح تعديل القانون الانتخابي يرون في الأمر واقعية ويعتبرون التمشي صحيحا ومنطقيا وليس فيه أي التفاف على الحقائق. ويبررون طرح المقترح في هذا التوقيت بما حدث قبل انتخابات 2014 حيث تم تعديل القانون الانتخابي قبل إجراء الاقتراع بأشهر قليلة.
وكان المجلس الوطني التأسيسي قد صادق على قانون الانتخابات والاستفتاء في مايو 2014 في حين أن الانتخابات تم تنظيمها في أكتوبر ونوفمبر من العام نفسه.
وتم إتمام ذلك القانون وتعديله من قبل مجلس نواب الشعب، الذي حل محل المجلس التأسيسي منذ 2014، في فبراير العام 2017 قبيل إجراء الانتخابات البلدية.
وأوضحت محجوب أنه في العام 2014 لم يتم تعديل قانون قديم بل تم إصدار قانون جديد لأنه لم يتوفر حينها قانون يتعلق بالانتخابات بل كان هناك مرسوم ينظم الانتخابات. وتابعت محجوب قائلة إنه تم إقرار قانون الانتخابات تزامنا مع سنة الانتخابات وذلك بعد أن انتهى المجلس التأسيسي من إصدار الدستور.
غياب التوافق

في أواخر مايو الماضي، أرجأ مجلس نواب الشعب في جلسة عامة أمر المصادقة على مشروع التعديلات على القانون الانتخابي المقدم من طرف الحكومة، وهو ما اعتبرته دوائر سياسية أمرا حسم مسألة هذه التعديلات باعتبار صعوبة مناقشتها لاحقا بسبب جدول أعمال البرلمان، ما يعني استحالة إعادة طرح المقترح من جديد إذ أن باب الترشحات للانتخابات التشريعية سيفتتح في 22 يوليو وبالتالي فإن فترة 30 يوما قبل ذلك الموعد غير كافية للنظر في تعديل القانون. ودفع غياب التوافق حول تعديل القانون الانتخابي إلى تأجيله عديد المرات.
وبدورها أعلنت العديد من مكونات المجتمع المدني رفضها لتعديل القانون الانتخابي في هذه الفترة، آخرها الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات ”عتيد” التي أصدرت بيانا الاثنين تقول فيه إن ذلك ”يعد أمرا مخالفا للدستور وللمواثيق الدولية وفيه مس من مصداقية الانتخابات ومن ضمان حق الترشح والتنافس″ إذا تم في السنة الانتخابية نفسها.
وأكدت الجمعية على أن “تغيير قواعد اللعبة” خلال السنة الانتخابية يعتبر “نوعا من التأثير والتحكم المسبق في نتيجة الانتخابات” وفيه “إقصاء للخصوم من معارضة أو مستقلين وهو ما يعد خطرا على العملية الديمقراطية ومؤشرا واضحا على عودة الدكتاتورية”.
وطالبت بإرجاء تعديل القانون إلى ما بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 خوفا من أن يؤثر حدوث ذلك حاليا “على التمثيلية داخل المجلس النيابي وعلى المشهد السياسي والمناخ الديمقراطي”.
وأكدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عدم إمكانية تعديل أي جزئية من القانون الانتخابي في السنة نفسها التي تنظم فيها الانتخابات، مستندة في ذلك إلى ما تنص عليه المعايير الدولية والقانون الانتخابي التونسي.
وكانت لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية قد رفضت في وقت سابق مشروع قانون يتعلق بضبط مقاييس تقسيم الدوائر الانتخابية وتحديد عدد مقاعدها بسبب مخالفته لأحكام الفصل 106 من قانون 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء الذي يقضي بأن يتم تقسيم الدوائر الانتخابية ويضبط عدد مقاعدها بالاستناد إلى قانون يصدر سنة على الأقل قبل الموعد الدوري للانتخابات التشريعية. ووفقا لذلك أوصت اللجنة بعدم المصادقة على مقترح مشروع القانون.
وتتضمن مبادرة الحكومة لتعديل القانون الانتخابي الرفع في الحد الأدنى من الأصوات التي يشترط الحصول عليها من قبل القائمات المترشحة للحصول على مقاعد في البرلمان وللحصول على التمويل العمومي، وهو ما تطلق عليه تسمية “العتبة الانتخابية”، والتي تقترح الحكومة إقرارها بنسبة 5 بالمئة بدلا من 3 بالمئة التي ينص عليها القانون في صيغته الحالية.
وتعتبر أحزاب سياسية ومستقلون ومكونات من المجتمع المدني أن اعتماد عتبة انتخابية بنسبة 5 بالمئة سيعزز هيمنة الأحزاب الكبرى على المشهد السياسي وعلى البرلمان ويضعف حظوظ المستقلين والأحزاب الصغيرة في وجودها ضمن التركيبة البرلمانية، ما سيغير المشهد.
ويقول الرافضون إن الهدف من هذه الخطوة تحجيم دور المعارضة معتبرين أنه قبل التفكير في تعديل القانون الانتخابي يجب التفكير في كيفية تحسين النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب من أجل تعزيز استقراره من خلال التصدي لما اسماه الحزب الجمهوري “ظاهرة السياحة البرلمانية “، في إشارة إلى تغيير نواب البرلمان لانتماءاتهم السياسية والحزبية وهو الأمر الذي غير شكل كتل المجلس حيث ارتفع عدد البعض من الكتل وتراجع عدد البعض الآخر فيما تلاشت كتل وظهرت كتل جديدة.
في حين يعتبر المؤيدون للحكومة والمساندون لمقترح إقرار العتبة الانتخابية -ومنهم خاصة كتلتي حركة النهضة والائتلاف الوطني- أن العتبة ستسمح بوضوح المشهد السياسي في البرلمان وإفراز أغلبية قادرة على الحكم.
يذكر أن نحو 10 بالمئة فقط من الأحزاب التونسية ممثلة في البرلمان من مجموع أكثر من 210 أحزاب سياسية في البلاد.
وتقترح الحكومة أيضا عدم احتساب الأوراق البيضاء والأوراق الملغاة في الحاصل الانتخابي. ومن جهتها، اقترحت كتلة الحرة لحركة مشروع تونس إلغاء منع التجمعيين من رئاسة وعضوية مكاتب الاقتراع.
وتتضمن مبادرة التعديل أيضا إضافة فصل إلى القانون الانتخابي بموجبه يتم منع الأشخاص الذين يملكون جمعية أو مؤسسة إعلامية من الترشح للانتخابات التشريعية أو الرئاسية، وهو ما اعتبره المتابعون للشأن التونسي خطوة تستهدف نبيل القروي صاحب قناة “نسمة” المحلية الخاصة وألفة التراس صاحبة مبادرة “عيش تونسي” (عش تونسيًّا).
ويقول صواب “إذا كنا فعلا نريد إصلاح القوانين وإدخال تعديلات ثورية فمن الأجدر مراجعة موعد إجراء الانتخابات البلدية الجزئية في البعض من الدوائر لأنها تتقاطع مع حملة الانتخابات العامة”.
وشدد صواب على ضرورة مراجعة شروط الترشح للانتخابات التشريعية والرئاسية والتأكيد على أهمية دفع المرشح للضرائب المحلية والوطنية وخلو سجل السوابق العدلية للمرشح من جناية أو جنحة مقصودة وتوفير التصريح بالمكاسب والمصالح، مؤكدا “هناك مقترحات تعديل أهم تم نسيانها”.
وفي حال تم تمرير مشروع تعديل القانون الانتخابي والمصادقة عليه من قبل البرلمان، يؤكد صواب أن هناك دائما إمكانية الطعن في دستوريته أمام المحكمة الدستورية.
وتعيش تونس على وقع سجال كبير مرتبط بتنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية التي ستجري في شهري أكتوبر ونوفمبر القادمين، وهي الانتخابات الثانية منذ إصدار دستور الجمهورية الثانية في عام 2014 والثالثة منذ الثورة التونسية التي أنهت حكم الحزب الواحد بسقوط النظام السابق حيث تعيش البلاد منذ سنوات فترة انتقال ديمقراطي يعتبره المنتقدون متعثرا فيما يرى آخرون أن الاضطرابات التي شابته ليست سوى وضع طبيعي في بلد عرف تحولات سياسية واجتماعية كبيرة.