انتخابات الكويت تعيد الحكومة ومجلس الأمة إلى مربع المواجهة

الكويت- تعيد نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت الثلاثاء الكويت إلى مربع الأزمة بعد فوز المعارضة بغالبية مقاعد مجلس الأمة، وهو ما سيجعل البلد في طريقه لتكرار مشهد المواسم الماضية من خلال مواجهة مفتوحة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ويقول متابعون للشأن الكويتي إن الكويتيين لم يعودوا قادرين على تحمل وضع كهذا، خاصة أن الخلاف بين الحكومة ومجلس الأمة لا يقف عند بعده السياسي، وأن تأثيراته تمتد إلى مصالح المواطنين بتعقيد مهمة رئيس الوزراء الشيخ أحمد النواف الصباح في إصلاح الاقتصاد والمالية العامة.
وما يزيد من مخاوف الكويتيين من تصعيد سياسي مفتوح هو فوز مرزوق الغانم رئيس البرلمان الأسبق بعضوية المجلس الجديد، بعد أن عزف عن خوض انتخابات 2022، ما يعني آليا عودة خلافاته مع رئيس الحكومة الحالي فيما لو حصل على دعم من عدة كتل لترؤس المجلس في منافسة منتظرة مع الرئيس السابق أحمد السعدون.
ويعتبر الغانم خصما لدودا للشيخ أحمد النواف، وقال في أبريل الماضي في مؤتمر صحفي بأن وجود رئيس الوزراء في منصبه “خطر” على الكويت.
وفشلت مختلف الوساطات والتدخلات من أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح ومن ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح في تليين مواقف المعارضة التي تستفيد بشكل خاص من التنافس الخفي داخل الأسرة الحاكمة على السلطة ما يؤدي إلى تعطيل العمل الحكومي.
ولا يستبعد أن ينجح رئيس الحكومة في كسب ثقة الكثير من نواب المعارضة السابقة، التي تضم إسلاميين وقبليين وليبراليين ومستقلين وسنة وشيعة، والحصول على تأييدهم لمواجهة التصعيد المتوقع.
وقال الخبير الدستوري محمد الفيلي إن البرلمان الحالي لم يكن به تغيير كبير حيث أن جزءا كبيرا من وجوه المشهد السابق تتكرر، معربا عن خشيته أن يعاد العرض من حيث وقف في السابق ويعود صراع الأقطاب في البرلمان مجددا.
وأضاف الفيلي أنه “من السابق لأوانه معرفة توجه هذا المجلس وعلاقته مع الحكومة، والأهم من سيكون الرئيس فهناك من أعلن أنه سيدعم أحمد السعدون للرئاسة وهناك من سيدعم مرزوق الغانم، وفي النهاية نحن أمام سياسيين يلعبون وفق منظور لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة ولكن المصالح هي الأهم”.
ولم يعد الكويت قادرا على تحمل أعباء هذه الأزمة سياسيا واقتصاديا خاصة مع التعطيل المتواصل للقوانين والإصلاحات الاقتصادية، ما يعوق أيّ برامج حكومية داخليا وخارجيا.
وقال المحلل السياسي صالح السعيدي إن استمرار حالة الاضطراب السياسي مرهق للحكومة والبرلمان، متوقعا ألا يغامر النواب بصدام جديد مع الحكومة وصولا إلى حل البرلمان “لأن العودة إلى الانتخابات تشكل كابوسا لهم. فأن يخوضوا أربع انتخابات في أربع سنوات، هذا لم يحدث في تاريخ الكويت”.
وتوقع السعيدي أن تستخدم الحكومة هذه الورقة “لتهدئة وترويض أيّ جموح للمجلس”.
وقال إن خلق توافق بين الحكومة والبرلمان يتطلب وجود عدد أكبر من النواب المنتخبين كوزراء في الحكومة، لأن اختيار “وزيرين (من نواب البرلمان) لا يكفي لكي تكون هناك علاقة قوية بين المجلس والحكومة”.
وبحسب النتائج الرسمية، حصل نواب المعارضة على 29 مقعدا من أصل 50، فيما تم انتخاب امرأة واحدة فقط هي جنان بوشهري. ومن ثم فإن البرلمان الجديد مشابه جدًا لذلك الذي تم حلّه وكانت المعارضة تسيطر عليه أيضا، إذ احتفظ 38 من بين أعضائه الخمسين بمقاعدهم.
وكانت هذه المرة الثانية التي تشارك فيها المعارضة، المطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية، في العملية الانتخابية منذ أن أنهت مقاطعتها للانتخابات التشريعية عام 2022.
وتعيش الكويت منذ سنوات صراعا مستمرا بين الحكومة والبرلمان عطّل مشاريع الإصلاح الاقتصادي والمالي لاسيما إقرار قانون الدين العام، حيث تعتمد الميزانية العامة على الإيرادات النفطية بنحو 90 في المئة.
وبعد أزمة طاحنة بين الحكومة السابقة التي كان يقودها الشيخ صباح الخالد والمعارضة، قام ولي العهد، الذي يتولى معظم صلاحيات الأمير العام الماضي، بحل برلمان 2020 والدعوة لانتخابات جديدة، جرت في سبتمبر وفازت فيها أغلبية من النواب المعارضين.
وقضت المحكمة الدستورية في مارس الماضي ببطلان انتخابات 2022 وإعادة برلمان 2020، الذي لم يكن على وفاق مع الحكومة التي يرأسها الشيخ أحمد نواف الصباح ابن أمير البلاد.
وفي أول مايو تم حل برلمان 2020، مرة ثانية بمرسوم أميري والعودة إلى الشعب لاختيار ممثليه من جديد.
وقال صندوق النقد الدولي الاثنين إن أسعار النفط المرتفعة تساعد الكويت على التعافي من ضغوط الجائحة على المالية العامة، لكن إقرار قانون الدين العام الجديد قريبا هو أمر بالغ الأهمية.
وتوقع السعيدي أن تكون الإصلاحات الاقتصادية التي ترغب الحكومة في تمريرها موضع تفاوض وتفاهم مع غالبية النواب بحيث يتم تمريرها مقابل قضايا تحظى باهتمام النواب وقواعدهم، في “عملية تبادل في المصالح من أجل استمرار الطرفين”.
ودُعي أكثر من 793 ألف ناخب إلى صناديق الاقتراع لاختيار 50 نائبًا لولاية مدّتها أربع سنوات، في البلد الذي يتمتّع بحياة سياسية نشطة ويحظى برلمانه بسلطات تشريعية واسعة ويشهد مناقشات حادّة في الكثير من الأحيان، خلافاً لسائر دول المنطقة.
وبلغت نسبة المشاركة 50 في المئة قبل ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع، وفق جمعية الشفافية الكويتية، وهي منظمة محلية غير حكومية.
وخشية حصول امتناع كبير عن المشاركة في الاقتراع، نشرت السلطات لافتات كبيرة في شوارع العاصمة لدعوة المواطنين للتصويت بكثافة في ثاني انتخابات خلال عامين.
ومنذ أن اعتمدت الكويت نظاما برلمانيا في عام 1962، تم حل المجلس التشريعي حوالي اثنتي عشرة مرة. وفي حين يُنتخب النواب، يتم تعيين وزراء الحكومة الكويتية من قبل عائلة الصباح الحاكمة، التي تحتفظ بقبضة قوية على الحياة السياسية.

• هل يعود صراع الأقطاب في البرلمان مجددا؟