انتخابات الرئاسة تعمق أزمة أقدم الأحزاب في مصر

حصول رئيس حزب الوفد على المركز الأخير يوسّع دائرة المطالبة برحيله.
الأربعاء 2023/12/20
نتيجة لم تكن على قدر التطلعات

عمقت النتيجة المخيبة في انتخابات الرئاسة من أزمة حزب الوفد، حيث تعالت الأصوات المطالبة باستقالة رئيسه عبدالسند اليمامة، وبالقيام بمراجعات عميقة تعيد لأقدم الأحزاب في مصر بريقه الذي خفت خلال السنوات الماضية بفعل سياساته المهادنة للسلطة.

القاهرة - دخل حزب الوفد المصري متاهة جديدة من الصراعات الداخلية بسبب نتيجة الانتخابات الرئاسية التي حصل فيها رئيس الحزب عبدالسند يمامة على المركز الأخير بإجمالي 882 ألف صوت، ما أحدث صدمة للوفديين وظهور مطالب بسحب الثقة منه أو إجباره على الاستقالة لأنه أساء لسمعة الحزب وتاريخه السياسي العريق.

وأعلن فؤاد بدراوي عضو الهيئة العليا، وهو حفيد فؤاد باشا سرج الدين مؤسس حزب الوفد الجديد، أن أعضاء الهيئة العليا للحزب سيناقشون في اجتماع طارئ السبت المقبل سحب الثقة من يمامة أو استقالته حفظا لماء الوجه، “ومن الأفضل أن يبادر بتقديم استقالته لأن ما حدث في نتيجة الانتخابات لا يجب أن يمر دون وقفة”.

وعقب إعلان نتيجة الانتخابات التي اكتسح فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي منافسيه الثلاثة، بينهم يمامة، بنسبة 89.6 في المئة، أقر رئيس الحزب الوفد بالهزيمة، وخرج مهنئا السيسي على الفوز، فيما أصدر الحزب بيانا أثنى فيه على جهود رئيس الجمهورية في محاربة الإرهاب وإنقاذ البلاد، واستمرار الحزب في الوقوف إلى صف المعارضة الوطنية المتزنة التي تخدم الدولة.

وقال ياسر الهضيبي المتحدث باسم حملة المرشح الرئاسي عبدالسند يمامة وسكرتير عام حزب الوفد إن رئيس الحزب لن يستقيل لرسوبه في الانتخابات، وسيعمل على إعداد كادر جديد لخوض انتخابات الرئاسة القادمة، وهو ما يمهد الطريق لدخول الحزب في صراعات سببها اتساع غضب الوفديين وتمسك يمامة بالبقاء في موقعه.

حسين منصور: البعض يتعمد إثارة القلاقل السياسية داخل جدران الوفد
حسين منصور: البعض يتعمد إثارة القلاقل السياسية داخل جدران الوفد

وحاول رئيس الحزب الخروج من المأزق بإعلانه تشكيل لجان من بعض أعضاء الوفد لبحث نتيجة الانتخابات، وسيقدم كل مسؤول حزبي في محافظته تقريرا عن الإجراءات التي اتخذها على مستوى الدعاية والدعم، مع شرح تفصيلي لإيجابيات وسلبيات خوض الحزب للانتخابات لتقييم موقف الحزب في الشارع.

ويرتبط تمسك غالبية أعضاء الهيئة العليا لحزب الوفد باستقالة يمامة بأنه من سبق وقطع على نفسه عهدا بالابتعاد عن رئاسة الحزب إذا حصل على نسبة تصويت هزيلة في الانتخابات الرئاسية، بينما قالت حملته الرسمية عقب الهزيمة بأن “شعبية حزب الوفد ارتفعت في الشارع عقب المشاركة في الانتخابات”.

وارتبط دخول يمامة سباق الانتخابات الرئاسية بخلافات في حزب الوفد، لأن نسبة كبيرة من الأعضاء رفضت أن يكون للحزب مرشح طالما أنه لن يحصل على نسبة تصويت معقولة في مواجهة السيسي، أو أن يكون هناك مرشح آخر غير يمامة يتمتع بجماهيرية وحضور، لكن الأخير تمسك بالترشح.

ويعد حزب الوفد من أقدم الأحزاب المصرية، وتأسس عام 1919 على يد زعيمه سعد زغلول، لكن تراجعت شعبيته في السنوات الماضية، وظهر ذلك في التمثيل البرلماني، إذ أن لديه 26 نائبا حاليا في مجلس النواب من أصل 596 نائبا، ويصل أعضاء جمعيته العمومية إلى قرابة سبعة آلاف وفدي يمثلون قيادات الوحدات الحزبية في عموم الدولة، وأعضاء الهيئة العليا السابقين والحاليين.

وقد تصل الخلافات على وقع نتيجة الانتخابات إلى طريق مسدود، في حين تطمح قوى داخل حزب الوفد إلى استعادة بريقه السياسي مرة أخرى، وإعادة ترتيب أوراقه. ويحمل الصدام الراهن بين قيادات الوفد بعدا يتجاوز الصراع على إزاحة رئيسه من منصبه بسبب تدني شعبيته، ما يعكس حقيقة الوضع الذي تعيشه الأحزاب المصرية عموما، حيث تسيطر عليها العشوائية وتدار بطريقة تعبر عن شخصنة واضحة، وباتت في نظر الحكومة أقرب إلى كيانات ضعيفة وليس لها تأثير في الشارع.

وما يعمق أزمة الوفد أن عقلاءه لم يتدخلوا لإيجاد حلول وسطى للصراع الراهن، فهناك فريقان أحدهما يتمسك برحيل يمامة فور التسبب في المزيد من تدهور شعبية الحزب، وآخر يتمسك باستمراره لإصلاح الخلل وتصويب المسار، وأنصار هذا الفريق هم قلة من الوفديين.

وما يحدث داخل الوفد يفتح الباب لدخول الحزب دوامة جديدة من الخلافات، ما يمثل خسارة فادحة للتيار الليبرالي الذي يعبر عنه الحزب سياسيا، وكان رائدا في الدفاع عن الوحدة الوطنية في البلاد على مدار سنوات طويلة.

وقال حسين منصور نائب رئيس حزب الوفد لـ”العرب” إن الخلافات المرتبطة بنتيجة الانتخابات لا تعني أنه سيدخل صراعات، لأنه أكبر من الأسماء، ولدى الحزب قيادات وكوادر وعقلاء قادرون على تصويب مساره سريعا، لكن “البعض لديهم أغراض في أن تثار القلاقل السياسية داخل جدران الوفد”.

◙ الأحزاب المصرية تدار بطريقة تعبر عن شخصنة، وهي في نظر الحكومة أقرب إلى كيانات ضعيفة ليس لها تأثير

وتكمن المشكلة الأكثر تعقيدا في أن نسبة كبيرة من أعضاء الوفد الغاضبين من تأخر يمامة في قائمة المرشحين في انتخابات الرئاسة من حيث عدد الأصوات، تنكر أن هذه شعبية الحزب في الشارع، والأزمة ليست في اسم المرشح، بل في الكيان نفسه وأن الحل يستوجب إعادة الاعتبار للحزب ليصطف غلى جانب الجمهور وليس خلف النظام الحاكم.

وترى بعض الأصوات أن ما حدث لحزب الوفد من انتكاسة في انتخابات الرئاسة كان ضروريا لتستفيق قيادته وتقوم بعملية مراجعات تكشف حجم الحزب الحقيقي في الحياة السياسية وجماهيريته في الشارع، لكن فريق آخر يراوده خوف من أن تكون للانتكاسة تداعيات تشبه ما حدث في انتخابات عام 2005 عندما خسر رئيس الوفد نعمان جمعة أمام الرئيس الراحل حسني مبارك بفارق كبير ودخل بعدها الوفد في صراع ممتد.

وأكد حسين منصور لـ”العرب” أن العواصف داخل الوفد تأتي من انتخابات الرئاسة، وهذا له أسباب كثيرة متعلقة بأنه حزب له جذور في التربة المصرية، وتعلق أفراد ومؤسسات به ومتابعة أحواله أمر شديد الأهمية بالنسبة إلى الدولة، لكن المؤسف في إثارة الغبار السياسي بطريقة لافتة كأن ذلك هدف يسعى البعض لترسيخه.

وألمح متابعون لحزب الوفد إلى أن التشرذم داخله مدفوع من قوى أخرى لا ترغب في استمراره ككتلة يمكن أن تستفيق وتتمكن من تصحيح المسار وتهدد شعبية أحزاب وليدة العهد قريبة من الحكومة، لأن قوة الوفد تعرقل تمدد أحزاب الموالاة في الشارع، بحكم تاريخه الطويل ونجاحه في أن يصبح جزءا من السبيكة الوطنية الصلبة.

 

اقرأ أيضا:

      • مصر تعلن عن انتهاء مفاوضات سد النهضة بدون نتيجة

2