انتخابات إقليم كردستان العراق تعيد المناطق المتنازع عليها إلى دائرة الضوء

حملة حزبية ورسمية في الإقليم ضدّ "تعريب" كركوك ومخمور.
الثلاثاء 2024/09/24
العزف على أوتار الانتماء القومي في المنعطفات الهامة

فتح ملف ما يسميه أكراد العراق تعريبا للمناطق المتنازع عليها، في مرحلة المسير نحو انتخابات برلمان إقليم كردستان، ينطوي على قيمة دعائية عالية للأحزاب التي ستخوض الاستحقاق الانتخابي، نظرا إلى دغدغته وترا قوميا حساسا لدى مواطني الإقليم ضمن محاولة الانصراف عن المشاغل اليومية لهؤلاء المواطنين المرهقين اجتماعيا واقتصاديا.

كركوك (العراق) - قفز الدفاع عن المناطق العراقية المتنازع عليها بين إقليم كردستان والدولة الاتحادية العراقية ضدّ ما يسميه مسؤولو الإقليم عملية تعريب ممنهجة لتلك المناطق، إلى صدارة اهتمامات الأحزاب الكردية التي تستعد لخوض انتخابات برلمان الإقليم المقرّرة للعشرين من شهر أكتوبر القادم والتي استبقت الافتتاح الرسمي للحملات الانتخابية وانطلقت في حملات مقنّعة تمثّل قضية “التعريب” إحدى مواضيعها المفضّلة لما تنطوي عليه من دغدغة للمشاعر القومية لجمهور الناخبين.

وترافق المسير نحو الانتخابات مع التحضيرات التي بدأتها السلطات العراقية لإجراء تعداد عام للسكّان في شهر نوفمبر القادم ما جعل المناسبة قائمة للأحزاب الكردية وتحديدا الحزبين الرئيسيين المتنافسين على السلطة، الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتّحاد الوطني الكردستاني لإثارة موضوع تعريب المناطق.

وتشمل المناطق التي يرفع الحزبان راية “النضال” ضدّ تعريبها عدة مناطق من أهمها محافظة كركوك الغنية بالنفط وقضاء مخمور في محافظة نينوى والغني بدوره بالموارد الطبيعية والثروات الزراعية وذي الموقع الإستراتيجي المتوسط لمثلث كركوك – أربيل – الموصل.

وأثار الإعلام التابع للحزب الديمقراطي قضية تعريب القرى الكردية في مخمور ومناطق أخرى، بينما شرع مسؤولون في الحزب بإثارة الإشكاليات في وجه عملية التعداد السكاني، معتبرين أن الوضع غير مهيّأ لإجرائه في كركوك، ليستدركوا بذلك تأخرهم عن نظرائهم في الحزب الغريم لحزبهم الاتّحاد الوطني الكردستاني الذين سبقوهم إلى إثارة محذور انطواء التعداد على شبهة تثبيت تعريب المحافظة.

محمد كمال: معظم أبناء كركوك رحلوا وتحولوا إلى نازحين
محمد كمال: معظم أبناء كركوك رحلوا وتحولوا إلى نازحين

ووصف محمد كمال مسؤول الفرع الثالث للحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك التعداد السكاني بالضروري، لكنّه استدرك بأن الوضع غير مهيأ لإجرائه في المحافظة.

وقال في مؤتمر صحفي عقده الاثنين إنّ “معظم أبناء كركوك قد رُحّلوا إلى مناطق أربيل والسليمانية”، وإنهم أصبحوا موجودين في جميع مناطق كردستان كنازحين، وذلك “بعد هدم القرى الكردية من قبل النظام البعثي عام 1988”.

وقدّر عدد تلك القرى التي اتّهم النظام السابق بهدمها وترحيل سكانها إلى أربيل والسليمانية بأكثر من 4500 قرية.

ورأى كمال أن “إجراء التعداد في كركوك ينبغي أن يكون بعد تنفيذ المادة 140 من الدستور”.

وكان دستور العراق الذي جرى الاستفتاء عليه في سنة 2005 قد تضمّن المادة المذكورة كحل لمشكلة كركوك وباقي المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان والمحافظات المجاورة له نينوى وديالى وصلاح الدين.

ووُضعت المادّة على أساس الإقرار بتعرّض تلك المناطق لعمليات تغيير ديمغرافي وتضمنت سلسلة من الإجراءات تبدأ بتطبيع أوضاعها، ثم تعداد سكانها، وانتهاء باستفتاء هؤلاء السكان بشأن انتماء مناطقهم.

لكنّ شيئا من تلك المعالجات لم يطبّق، في ما باتت القوى السياسية الحاكمة بشكل رئيسي في العراق والمنتمية قوميا إلى العرب شيعة وسنّة ترفض مجرّد الحديث عن تلك المادة وتعتبر أن إقرارها تمّ في ظرفية زمنية لم تعد قائمة ما يعني أن أمر تلك المناطق بات محسوما بحكم الأمر الواقع.

وطلب المسؤول بالحزب الديمقراطي في حال تعذّر تأجيل التعداد السكاني في كركوك من أهالي المدينة الذين يقيمون خارجها بـ”العودة إلى مدينتهم الأصلية قبل نفاذ الحصر والترقيم وتسجيل أسمائهم عند أقاربهم”.

وتطابق موقف الحزب الديمقراطي من موضوع التعداد السكاني مع موقف غريمه ومنافسه الأول في الانتخابات القادمة حزب الاتحاد الوطني الذي سبق أن دعا الأكراد إلى العودة إلى المناطق المتنازع عليها مثل كركوك وخانقين والمشاركة في التعداد السكاني، معتبرا أن “العملية تشكل فرصة لتثبيت الهوية القومية لتلك المناطق”.

الإعلام التابع للحزب الديمقراطي أثار قضية تعريب القرى الكردية في مخمور ومناطق أخرى

وقال رزكار حاجي حمه عضو المكتب السياسي للحزب في مؤتمر صحفي إنّ الإحصاء لا ينبغي أن يتم دون تسجيل المواطنين الأكراد في المناطق الكردستانية الواقعة خارج الإقليم.. وإنّ المقيمين خارج العراق بإمكانهم العودة مع وثائقهم الرسمية للمشاركة في الإحصاء وتثبيت إقامتهم في مدنهم”.

وأعلن عن تشكيل الحزب “لجانا خاصة لمتابعة ملف الإحصاء بدقة لضمان مشاركة المواطنين الأكراد في هذا الحدث”.

كما عبّر حمه عن قلقه من عدم وجود سؤال عن القومية في استمارات الإحصاء السكاني الحالية، معتبرا أن إدراج هذا السؤال ضروري لإظهار العدد الحقيقي للمواطنين الأكراد في هذه المناطق، مضيفا قوله “عدم تضمين سؤال القومية يمكن أن يؤثر على نتائج الإحصاء ويسهم في تغييب الهوية الكردية للمناطق”.

كذلك أصدرت “هيئة المناطق الكردستانية خارج إدارة إقليم كردستان” (تابعة لحكومة الإقليم) بيانا قالت فيه إنّها “تنظر بحساسية وشيء من الريبة والشك إلى عملية التعداد السكاني في العراق”. وأشارت إلى اعتزامها عقد لقاء مع الأحزاب السياسية في أربيل لتوضيح شكوكها حول هذه القضية.

وعزت شكوكها بحسب البيان إلى عدم تطبيق المادة مئة وأربعين، ولأن “لإقليم كردستان تجارب مريرة مع تاريخ التعدادات السكانية السابقة”.

ويساهم الإعلام في الإقليم، وأغلبه حزبي بامتياز، في إثارة الضجيج حول المناطق المتنازع عليها بشكل ظرفي مرتبط بحدثَيْ الانتخابات والتعداد السكاني.

محمد جاسم كاكائي: تم التصدي لعملية تعريب كثيفة في منطقة زمار
محمد جاسم كاكائي: تم التصدي لعملية تعريب كثيفة في منطقة زمار

وأورد موقع رووداو الإخباري آراء العديد من المواطنين والنواب والدارسين في مسألة تعريب تلك المناطق لاسيما قضاء مخمور. واتّهم رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة نينوى محمد جاسم كاكائي عضوا عربيا في مجلس النواب العراقي لم يسمّه بالإشراف على عملية “تعريب كانت تجري بكثافة” في منطقة زمار وتم التصدي لها لاحقا.

ووجه نقده للنواب الأكراد في البرلمان العراقي “لعدم تعاونهم في وقف مساعي التعريب في محافظة نينوى ومخمور على نحو خاص”.

وعرض كاكائي إلى تأثير الخلافات الحزبية على مواجهة عملية التعريب، معتبرا أنّ الخلافات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني “تشكل عاملا مساعدا على ازدياد المشاكل التي يعاني منها الأكراد في المنطقة”. ورأى أن الخلافات الكردية – الكردية تعد أمرا طبيعيا داخل إقليم كردستان لكنها تتحول إلى كارثة عندما يتعلق الأمر بـ”المناطق المستقطعة”، وهو تعبير مستخدم في إقليم كردستان العراق في تسمية المناطق التي يراها الأكراد جزءا أصيلا من أراضيهم لكنها استقطعت منها بالقوة.

وقال سيروان مخموري الباحث المختص في “شؤون المناطق المستقطعة” إن الحوار الكردي مع بغداد كان منصبّا على الأرض حتى عام 2013 لكن الوجهة تحولت شيئا فشيئا لـ “تتلخص كل المشاكل في الرواتب حاليا”.

وحذّر من وجود فراغ أمني في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة العراقية في مخمور، مشيرا إلى أن استمرار المشاكل الأمنية أدى إلى إخلاء 49 قرية كردية من سكانها.

كما شكك في دوافع التعداد السكاني معتبرا أن دافعا سياسيا كان وراء كل عمليات التعداد التي شهدها العراق حتى الآن. كما أن دوافع مماثلة كانت وراء عدم إجراء تلك العمليات بشكل دوري كل عشر سنوات كما هو مقرر سلفا.

ومن هذا المنطلق دعا مخموري إلى عدم مشاركة الأكراد في التعداد القادم “إلا بشرط تطبيع الأوضاع في المناطق المستقطعة الذي يشكل إحدى مراحل المادة 140 من الدستور”.

وفي مظهر على عمق عملية التعريب التي تعرضت لها مخمور من وجهة نظر الباحث “كانت هناك في إحصاء عام 1957 عائلة عربية واحدة في مركز القضاء. أما الآن فعدد العائلات العربية 300 عائلة”، مضيفا “معظم قرى مخمور كردية، لكن العرب هم من يعيشون فيها الآن”.

3