امرأة مطلقة امرأة منحرفة
فكر العيب، يتبناه البعض ليتهم المرأة المطلقة -غالبا- بالانحراف في بعض مجتمعاتنا العربية وبصفة خاصة في مصر التي يتنطع فيها كثيرون بصورة عمياء ويسيرون في “قطيع” المشككين في سلوكيات نساء لا ذنب لهن ولا جريرة غير أن بيانات البطاقة الشخصية لهن أصبحت تحتوي كلمة مطلقة.
لا تعتبر هذه المجتمعات لتلك المرأة كائنا بشريا من حقها الحياة في كنف رجل يقدرها ويحترم مشاعرها، ويعترف بآدميتها، وإن لم يفعل فمن حقها الانفصال الهادئ، والبعد المتحضر، والبحث عن حياة جديدة أكثر احتراما.
لا يبحث “من يتهمهن بسوء السلوك” في الأسباب التي دفعتهن للطلاق، ولا يكلف نفسه عناء السؤال. فلديه دائما موروثه الثقافي الظالم، وأفكاره المعلبة في قوارير منتهية الصلاحية، غير صالحة للاستهلاك الآدمي.
فكر العيب، دفع مطلقات مصريات إلى التواري عن أعين المتلصصين، فمنهن من تدير خاتمها لتصنع منه “دبلة” تخدع بها الناظرين، ومنهن من تضطرها الظروف لشراء خاتم زواج بعد تعرضها للكثير من المشاكل اليومية، ومنهن من ترفض تغيير بطاقتها الشخصية “هويتها” خوفا من تصنيف مطلقة في خانة الحالة الاجتماعية حتى لا يمعن البعض في مضايقتها ومحاصرتها بنظرات شهوانية حمقاء.
تعذبت “مروة” المحامية الحسناء كثيرا مع زوجها “هشام” ضابط الشرطة، كان يعاملها كأحد المجرمين لا تعرف نبرة صوته الحقيقية. فهو دائم الصراخ، لا يكف عن إصدار الأوامر، لا يختلف مع زوجته بإحترام ولكنه يضربها بقسوة مجنونة.
حين رأى طفلته “ملك” صاحبة السنوات الخمس تتمايل على نغمات أغنية خفيفة، ضربها حتى كسر ساقها ثم جلس يبكي بجوارها.
لا يقدر زوجته ولا يحترم مشاعرها، ويتعلل للآخرين بكون المرأة مخلوقة من ضلع أعوج، وعليه مسؤولية تقويم هذا الإعوجاج.
ضاقت الزوجة الشابة ذرعا من تصرفاته، تاقت نفسها لتنسم هواء الحرية بعيدا عن سجن رجل أذاقها صنوف العذاب، طلبت حقها الطبيعي الذي أحله لها الله تعالى لما استحالة العشرة بالمعروف، اعتقدت أن الرجل الذي فشل في معاشرتها بمعروف، سيفارقها بإحسان، ولكنه أشبعها ضربا، ثم حبسها بالمنزل ثمانية أيام حتى يؤدبها، حين استطاعت الفكاك، اصطحبت طفلتها إلى منزل أبيها، وجهرت بحقها الشرعي في أبغض الحلال، أعطاها القضاء إياه.
ولكن بعضا من بشر لا يدركون حجم معاناتها وابنتها. وصموها بالفجور، أصدروا أحكاما ظالمة على حسناء مطلقة، هاربة من جحيم زوج قاس.
حين ذهبت لتغيير بيانات بطاقتها الشخصية، وجواز سفرها، حتى تمحي اسم جلادها من أوراقها الرسمية، نظر إليها الموظف الحكومي “المحترم” نظرات اتهام وتفحصها كرجل جائع، اخترقت عيناه المتبجحة ما يسترها من لباس محتشم لامرأة وقورة، حملت مفرداته الكثير من الإعجاب الكاذب. ثارت حين قال لها: مسكين هذا الرجل، أكيد ربنا غير راض عنه.
بتعجب سألته: عمّن تتحدث؟
قال: زوجك الغبي الذي حرم نفسه من كل هذا الجمال. وكأنما كل امرأة مطلقة معلق على ظهرها، لافتة امرأة مطلقة… امرأة منحرفة… مستباحة.
رفقا بالقوارير، المرأة العربية عموما، والمصرية على وجه الخصوص تقدس بيتها، تقاتل من أجل الحفاظ على تماسك أسرتها، لا هم لها سوى الوقوف وراء الجميع (زوجا وأبناء) إنجاح وإسعاد وإرضاء الكل، جل غايتها. وما الطلاق إلا حل نهائي ساقتها إليه ظروف ضاغطة. فإن رأيت امرأة مطلقة تأكد أنها قاتلت باستماتة، وحاربت ظروفها حتى لا تحظى بهذا اللقب الذي تمقته.