امتهان اللاجئين الفلسطينيين للأعمال الحرة في لبنان يثير جدلا

بيروت – لا تزال قضية تشغيل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تثير جدلا مجتمعيا وقانونيا بين مساند للسماح لهم بممارسة مهن كانت مقصورة على المواطنين اللبنانيين وبين من يعتبرون الخطوة ارتجالية في عالم يطغى عليه جمود العمل.
ورفض تجمع نقابي في لبنان السبت قرارا يقضي بوقف السماح للاجئين الفلسطينيين بممارسة بعض المهن الحرة في البلاد.
وخلال مطلع فبراير الجاري قرر مجلس شورى الدولة (قضاء إداري) وقف السماح للاجئين الفلسطينيين في لبنان بممارسة المهن الحرة، والذي أقره وزير العمل اللبناني مصطفى بيرم في نوفمبر الماضي.
وأفاد البيان بـ”رفض قرار مجلس شورى الدولة، والتضامن مع وزير العمل (مصطفى بيرم) والأشقاء الفلسطينيين في المخيمات”.
وأضاف “كأن (القرار) لا يكفيه هذا الشعب المقاوم (الفلسطيني) ما قدمه ويقدمه من تضحيات ودماء لاستعادة وتحرير أرضه المحتلة”.
وفي ديسمبر الماضي طعن رئيس الرابطة المارونية النائب السابق نعمة الله أبي نصر في قرار وزير العمل أمام مجلس شورى الدولة، معتبرًا إياه “توطينًا مقنّعًا للاجئين الفلسطينيين في لبنان”.
نعمة الله أبي نصر: هناك توطين مقنع للاجئين الفلسطينيين في لبنان
وينتشر الفلسطينيون في اثنى عشر مخيماً للاجئين في شتى أنحاء لبنان، ويشكلون حوالي 10 في المئة من سكان البلد، أي حوالي 200 ألف لاجئ. لكن وضعهم أقل استقرارا من معظم اللاجئين الفلسطينيين الآخرين في المنطقة، إذ يخضعون لقيود مفروضة على ملكية العقارات، كما ظلوا منذ عقود ممنوعين من العمل في حوالي عشرين مهنة.
وفي خطوة وصفها مراقبون بالمرتجلة قررت وزارة العمل اللبنانية تخفيف القيود على عمل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، في وقت تعاني فيه البلاد من البطالة المستفحلة في صفوف اللبنانيين أنفسهم والتي وصلت نسبتها إلى 35 في المئة.
وتساءلت أوساط سياسية لبنانية عن أهمية هذه الخطوة، حيث ذهب البعض إلى القول بأنها تأتي في سياق مغازلة المانحين الدوليين وحثهم على مساعدة لبنان في تجاوز أزماته المستفحلة، فيما اعتبر البعض الآخر أن القرار لا معنى له في ظل عالم يطغى عليه جمود العمل حتى بالنسبة إلى اللبنانيين أنفسهم.
وشهدت المخيمات الفلسطينية في لبنان عام 2019 حراكا احتجاجيا واسعا، فيما قام وزير العمل الأسبق كميل أبوسليمان بتفعيل قوانين تحظر على اللاجئين الفلسطينيين مزاولة بعض المهن.
ويمكن توزيع العمالة الفلسطينية في لبنان على ثلاث فئات: فئة أولى قليلة تتميز بالثراء، وهذه الفئة حملت معها من فلسطين الأموال والأعمال العقارية والمصرفية فانخرطت في الاقتصاد اللبناني وتمكن قسم كبير منها من الحصول على الجنسية اللبنانية في مراحل مبكرة، وفئة متوسطة من أصحاب الخبرات المهنية التعليمية، تركت لبنان منذ الخمسينات بعد أن انسدت في وجهها آفاق العمل وتوجهت إلى أوروبا أو إلى الخليج العربي، وفئة ثالثة من العمال -وهي الأكبر عدداً- تحولت إلى يد عاملة رخيصة تزاول الأعمال الموسمية والشاقة.
وتقدّر قوة العمل الفلسطينية بحوالي 75 ألف عامل يتمركزون في مجالات العمل الصعبة والشاقة كالزراعة والبناء والعمل في المخابز ومحطات الوقود.
وارتفعت معدلات البطالة في صفوف اللبنانيين بعد تزايد تسريح العمال والموظفين وإقفال المئات من الشركات والمؤسسات دون سابق إنذار، وذلك بذريعة الحد من الخسائر المالية بعد تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد، وإخفاق السلطات المعنية في الحد من الخسائر ونزيف القطاعات الإنتاجية وطرد العمال والموظفين.
وفاقم فقدان السيولة النقدية من السوق اللبنانية جبل الأزمات والتحديات الهائلة التي تواجه أغلب القطاعات الاقتصادية بعد أن دخلت في مرحلة ركود اضطراري، حيث أغلقت معظم الشركات أبوابها وألحقت مئات الموظفين بجحافل العاطلين، في ظل القيود المفروضة على عمليات السحب من البنوك وتخلّف الحكومة عن سداد ديونها.
وحسب تقديرات وزارة العمل اللبنانية، وصلت نسبة البطالة عام 2020 إلى نحو 36 في المئة ويرجح أن تبلغ 41.4 في المئة خلال نهاية 2021، في حين يؤكد مصدر في وزارة العمل أنه “لا توجد إحصاءات دقيقة تستطيع تحديد نسبة البطالة في لبنان، خصوصاً أن الأزمة الراهنة على المستويين المالي والاقتصادي قد رفعت منسوب البطالة بشكل كبير، وأن التطورات المتسارعة على هذا المستوى تجعل أي جهة إحصائية عاجزة عن تحديد نسبة البطالة”.