اليونسكو تقود جهود مكافحة الاتجار بالآثار

المنظمة تدعو إلى إجراء حوار دولي مفتوح حول القطع الأثرية التي تمت حيازتها بشكل غير قانوني واتخاذ تدابير ملموسة.
الاثنين 2022/10/03
آثار منهوبة فقدت هويتها

مكسيكو سيتي - لم تسلم الآثار والقطع الأثرية التاريخية من الحروب والنزاعات، على مر التاريخ، فهي وحتى في سنوات السلم والأمن عرضة للنهب والسرقة، ينقلها المهربون والتجار من بلد إلى آخر فتتغير هويتها وتحرم منها شعوبها الأصلية.

لهذا، قادت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” جهودا كبرى للتوعية بخطورة الاتجار بالآثار واعتماد اتفاقيات للحد منه. وانطلاقا من أن الثقافة “منفعة عامة عالمية”، اتفقت الدول المشاركة في المؤتمر على اتباع خارطة طريق مشتركة تعزز السياسات العامة في هذا المجال.

وتعهد وزراء الثقافة وممثلو مئة وخمسين دولة بتعزيز جهود إعادة القطع الأثرية التاريخية إلى بلدانها الأصلية وذلك طبقا لإعلان صدر الجمعة عقب انتهاء أشغال مؤتمر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في مكسيكو سيتي.

أودري أزولاي: لم تأخذ الثقافة بعد المكانة التي تستحقها.. ويمثل المؤتمر مؤشرا قويا لتصحيح هذا الوضع

ورأت أودري أزولاي، المديرة العامة لليونسكو، أن “الثقافة تؤدي دوراً أساسياً في مجتمعاتنا، ويتمكَّن كلُّ شخص عبر الثقافة من سبر أغوار ما يجمعه ببقية البشر وبناء شخصيته كمواطن حر ومستنير. والثقافة هي العمود الفقري الذي يجمع بيننا لكي نشكِّل المجتمع”.

لكنها أكدت في البيان الخاص بالمؤتمر أنه “وعلى الرغم مما أُحرز من تقدم، لم تأخذ الثقافة بعد المكانة التي تستحقها في السياسات العامة والتعاون الدولي. ويمثل المؤتمر العالمي للسياسات الثقافية والتنمية المستدامة لعام 2022 مؤشراً قوياً لتصحيح هذا الوضع، فالإعلان المعتمد اليوم يلزم باتخاذ إجراءات”.

وواجهت المتاحف الكبرى ودور المزادات وجامعو التحف من القطاع الخاص ضغوطًا متزايدة في السنوات الأخيرة لإعادة الأعمال الفنية التي لا تقدر بثمن وغيرها من الآثار من دول أميركا اللاتينية وأفريقيا، من بين أخرى، التي تقول إن هذه القطع غالبا ما تم أخذها بطريقة غير أخلاقية أو غير قانونية.

وفي العراق مثلا، قدّر عالم الآثار جون روس الممتلكات التي تمت سرقتها خلال الفترة الممتدة فقط من مارس 2003 (بداية الاحتلال الأميركي) إلى أوائل عام 2005، ما بين 400 و600 ألف قطعة أثرية تقدر قيمتها بين 10 ملايين و20 مليون دولار. ولا يزال البلد يسعى من أجل استعادة الآثار التي نهبت منه خلال أزمات 1990 و2003.

ولم تتمكن سوريا من استعادة أغلبية الآثار المنهوبة منذ سنة 2011. ويعود السبب، وفق اليونسكو، إلى الصعوبة التقنية في إسناد أصل قطعة أثرية إلى دولة حديثة بمجرد الاعتماد على الطراز القديم لتلك القطعة. كما يعود السبب أيضا إلى لجوء الناهبين، والمهربين، والتجار وجامعي التحف الأثرّية إلى المحو المتعمّد للأدّلة العلمية والقانونية التي تسمح بإسناد القطع إلى بلدها الأصلي. وهناك صعوبة أخرى ذات صبغة قانونية مرتبطة بعدم الاعتراف، على الصعيد الدولي، بالسلطات التي ليست دولا بالمعنى الكامل، أو الاستغلال السياسي للدبلوماسية الثقافية.

وللحد من مثل هذه الممارسات، دعا الإعلان الصادر عن اليونسكو إلى إجراء حوار دولي مفتوح وشامل حول القطع الأثرية التي تمت حيازتها بشكل غير قانوني واتخاذ تدابير ملموسة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالآثار.

وغالبا ما يكون رد القطع الأثرية الثقافية أمرا حساسا من الناحية السياسية ويثير تساؤلات حول النقل والعناية بالآثار الحساسة في الكثير من الأحيان.

وزراء الثقافة وممثلو مئة وخمسين دولة يتعهدون بتعزيز جهود إعادة القطع الأثرية التاريخية إلى بلدانها الأصلية

وجددت وفاة الملكة إليزابيث الثانية دعوات في الهند لاستعادة واحدة من أكبر الماسات غير المصقولة في العالم من جواهر التاج البريطاني، بينما تطالب تشيلي منذ سنوات بإعادة تمثال مواي من المتحف البريطاني.

كما ناقش الوزراء خلال المؤتمر كيفية حماية التراث من الحروب والتغيرات المناخية.

ومن نفس المنطلق، أعلنت المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي، أنّ اليونسكو والمنظمة الدولية للشرطة الجنائية “الإنتربول” ستنشئان متحفاً افتراضياً للممتلكات الثقافية المسروقة. وتتمثل الغاية المنشودة من هذا المتحف في توفير منبر تعليمي وتربوي يتيح للمواطنين التعرف على تاريخ هذه القطع، وكذلك أداة بحثية لتبديد الشكوك التي تساور الأشخاص بشأن مصدر هذه القطع وأصلها. ومن المزمع تدشين المتحف بحلول عام 2025.

ويعدّ مؤتمر اليونسكو العالمي للسياسات الثقافية والتنمية المستدامة للعام الحالي أكبر مؤتمر عالمي مخصص للثقافة عُقد خلال الأربعين عاماً الماضية، حيث اجتمع فيه على مدار ثلاثة أيام في مكسيكو 2600 مشارك. وقد لبت 150 دولة دعوة اليونسكو والمكسيك بإرسالها وفوداً إلى المؤتمر، وكانت 135 دولة من بينها ممثلة بأعلى المستويات حيث حضر المؤتمر وزراء الثقافة لديها.

وجاء الإعلان عن توصيات المؤتمر ثمرة مفاوضات متعددة الأطراف دامت ستة أشهر بقيادة اليونسكو، وأكدت الدول من خلاله وللمرة الأولى أنَّ الثقافة “منفعة عامة عالمية”؛ وتدعو الدول في هذا الصدد إلى إدراج الثقافة في أهداف التنمية المستدامة المقبلة للأمم المتحدة لتكون “هدفاً محدداً قائماً بذاته”.

14