اليونسكو تدرج الخط العربي في قائمتها للتراث الثقافي غير المادي

نجحت 16 دولة عربية بالتنسيق فيما بينها في تسجيل الخط العربي على قوائم الصون العاجل للتراث الثقافي غير المادي بمنظمة اليونسكو. وأدرجت اليونسكو في تراثها غير المادي الخط العربي الذي يشكّل رمزا ثقافيا أساسيا في العالمين العربي والإسلامي رغم تراجع عدد الخطاطين، في تصنيف يتيح الحفاظ على تراث يكون في كثير من الأحيان مهدّداً.
باريس- ضمت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) يوم الثلاثاء “الخط العربي: المعارف والمهارات والممارسات” للقائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.
جاء ذلك خلال الاجتماع السادس عشر للجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي المنعقد عبر الإنترنت من الثالث عشر إلى الثامن عشر من ديسمبر الجاري برئاسة بونشي نيلام ميجاسوات من سريلانكا.
وتعرّف اليونسكو التراث الثقافي غير المادي أو “التراث الحي” بأنه “الممارسات والتقاليد والمعارف والمهارات – وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية – التي تعتبرها الجماعات والمجموعات، وأحياناً الأفراد، جزءاً من تراثهم الثقافي”.
ومن أبرز أنواع “هذا التراث الثقافي غير المادي المتوارث جيلاً عن جيل” التقاليد الشفوية وفنون الأداء والممارسات الاجتماعية والطقوس والمناسبات الاحتفالية.
ملف مشترك

"الخط العربي" يعدّ تاسع عنصر تُسجله السعودية في هذه القائمة
“الخط العربي: المعارف والمهارات والممارسات” هو ثاني ملف عربي مُشترك يقدم لليونسكو حيث سبقه إنجاز ملفّ “النخلة: المعارف والمهارات والتقاليد والممارسات”، ونسّقته الإمارات بمشاركة 14 دولة عربية، وتم قبول تسجيله في اجتماع للمنظمة في ديسمبر 2019.
وقال مندوب الكويت الدائم لدى اليونسكو آدم الملا “هو ملف مشترك تاريخي بين 16 دولة عربية حيث أنه يعتبر ملفا متميزا نظرا لتقديمه من أكبر عدد من الدول في الوقت نفسه”.
وأضاف “تم تقديم الملف في مارس 2020 بعد العمل عليه لفترة طويلة من قبل المنسقين المعنيين بالملف”، مشيرا إلى أن الدول العربية اختارت المملكة السعودية منسقا عاما للملف تحت إشراف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو).
ونسقت السعودية الملف إثر احتفائها بعام 2020 عاما للخط العربي الذي هدفت من خلاله إلى الاحتفاء بالخط العربي وفنونه المختلفة، وبروّاده الذين خدموا هذا الفن العريق بدلالاته الحضارية والثقافية الكبيرة.
كما سعت مبادرة “عام الخط العربي” إلى تعزيز الخط العربي، وتسليط الضوء على تاريخه ومراحل تطوّره، والنهوض به فكريا وثقافيا ومعرفيا، وتقديم البرامج داخل المركز وخارجه، مركّزة على الخط العربي وتشكيله، وإبراز جمالياته بأنواع الخطوط العربية المختلفة.
وتقدمت بالملف السعودية والكويت والإمارات والبحرين وسلطنة عمان ومصر والعراق والأردن وموريتانيا والمغرب وفلسطين والسودان وتونس واليمن ولبنان والجزائر.
وفي السعودية، قال وزير الثقافة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان إن تسجيل الخط العربي في قائمة اليونسكو “يأتي متسقا مع توجه وزارة الثقافة لخدمة هذا الفن عبر مبادرات عديدة”.
وأضاف أن هذه الخطوة “تسهم بشكل فعال في تعزيز التراث الثقافي غير المادي، وبشكل خاص فنون الخط، في المجتمعات المحلية”.
وفي مصر، قالت وزيرة الثقافة إيناس عبدالدايم إن تسجيل الخط العربي بقائمة اليونسكو “يعد إنجازا جديدا في مجال صون الهوية باعتبار الخط من أهم مفردات الحضارة العربية وأحد الوسائل الفاعلة في التعريف بها، مما يساهم في الحوار بين الثقافات العالمية، ويدعم جهود إلقاء الضوء على تاريخها”.
وفي الأردن قالت وزيرة الثقافة هيفاء النجار إن هذه الخطوة “جاءت في مرحلة هامة يشهد فيها الخط العربي تراجعا لصالح التطور التكنولوجي، فما عاد الكثيرون يكتبون باليد كما اعتيد سابقا”.
وأضافت “تناقصت أعداد الخطاطين، وهذا له انعكاساته السلبية على المدى الطويل، مما جعل التوعية بأهمية الخط العربي والحفاظ عليه واستخدامه ضرورة ملحة”.
حماية تراث عريق
![]() |
![]() |
ميراث الحضارة العربية الأبرز | فن يحتاج إلى التجدد في زمن التكنولوجيا |
يعد “الخط العربي”، تاسع عنصر تُسجله السعودية في هذه القائمة، بعد تسجيلها لثمانية عناصر للتراث الثقافي غير المادي، من بينها: المجلس، والقهوة العربية، والعرضة النجدية، والمزمار.
في سياق متصل، أفادت وكالة الأنباء العمانية بأن “سلطنة عُمان ممثلة في وزارة الثقافة والرياضة والشباب وبواسطة ملف عربي مشترك تنجح في تسجيل الخط العربي في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية باليونسكو”.
ووصفت المنظمة التابعة للأمم المتحدة الخط العربي بأنه “فن الكتابة بالعربية بطريقة سلسة تعبيراً عن التناسق والجمال”.
وقبيل الإعلان عن اختيار فن الخط العربي قال المدير التنفيذي للجمعية السعودية للمحافظة على التراث، وهي هيئة غير حكومية مشاركة في المشروع، عبدالمجيد محبوب إن “الخط العربي شكّل منذ القِدم رمزاً للعالم العربي الإسلامي”. لكنه لاحظ أن “الكثير من الناس ما عادوا يكتبون باليد بفعل تطور التكنولوجيا”، بينما سُجّل تراجع كبير في عدد الخطاطين المتخصصين.
?هذه الخطوة تسهم بشكل فعال في تعزيز التراث الثقافي غير المادي وبشكل خاص فنون الخط العربية العريقة
ويوما بعد يوم يتزايد الدور الذي يلعبه الكمبيوتر وتطبيقاته المختلفة في مجالات فنية وتراثية، لم يكن يخطر ببال أحد أنه يمكن الاستغناء فيها عن الإبداع البشري واللمسة الإنسانية، فقطار تطبيقات التكنولوجيا في عالم الفن والتراث يستمر في انطلاقه بسرعة من محطة إلى أخرى، حتى وصل قبل فترة ليست بالبعيدة إلى محطة الخط العربي، فبدلا من الخطاط العربي، وبدلا من أن يقوم خطاط موهوب بكتابة لافتة أو إعلان يستغرق أسابيع لإتمام هذا العمل، أصبح في الإمكان الضغط على زر كمبيوتر للحصول على نماذج جاهزة من الخطوط.
ورأى محبوب أن إدراج الخط العربي ضمن قائمة اليونسكو للتراث غير المادي يساهم في “توعية” العرب بهذه المشكلة وسيكون له “أثر إيجابي حتماً” في جهود الحفاظ على هذا الفن.
ويرجع الباحث التونسي عماد صولة المشرف على ملف بلاده في ترشيح فن الخط تقلّص استخدام فن الخط العربي إلى حدّ بعيد إلى “بعض التطبيقات الإعلامية التي تحدّ من طابعه الفنّي والجمالي وتحوّله إلى كائن افتراضي، والحال أنه أساسا ممارسة مفعمة بالحياة”.
ويعدّ الخط العربي فنّا وثيق الصلة بالإسلام، وقد انتقل إلى شمال أفريقيا منذ القرن السابع الميلادي في سياق الفتوحات الإسلامية. وظهرت منه ستة أنواع أساسية، بينها خط “الديواني” المعتمد في مراسلات السلاطين العثمانيين، و”الكوفي” الذي استعمل في نسخ المصاحف وتغيّرت تسميته بحسب المدينة التي انتشر فيها على غرار الخط المغربي نسبة إلى منطقة المغرب العربي.
منذ توقيع اتفاق اليونسكو لصون التراث الثقافي غير المادي عام 2003، أدرِج نحو 500 عنصر في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، ومن أشهرها موسيقى المارياتشي المكسيكية والساونا الفنلندية وفن صنع البيتزا في نابولي أو حتى التدليك التايلاندي.