اليوم العربي لمحو الأمية.. برامج محو الأمية تسير نحو الأمية

لا بد للحكومات والهيئات العربية المختصة من أن تقف وقفة مصارحة مع الذات في اليوم العربي لمحو الأمية الذي يقع إحياؤه في 8 يناير من كل عام. وينبغي في هذا الشأن ألا نكتفي بمجرد النظر في الأرقام والمؤشرات حول ارتفاع أو انخفاض نسب الأمية في دولة ما، دون التأمل في طبيعة وفاعلية تلك البرامج المعتمدة، بل ومن الأجدر أن نعيد النظر في تعريف الأميّة نفسها، ذلك أن هذا المصطلح يتغيّر باستمرار وفقا للمتطلبات المعرفية لكل مرحلة وتطور مستوى التعليم وفق المعايير الدولية الحديثة.
من ظل يعتقد أن محو الأمية هو مجرد إتقان الكتابة والقراءة في قضايا عامة داخل اللغة الواحدة، وبواسطة قلم ودفتر، فلقد فاته أن هذا التعريف قد أكل عليه الدهر وشرب في عصر الرقميات الحديثة والتخصصات الدقيقة، والتعليم المتجدد ضمن تنامي منظومة الذكاء الاصطناعي.
ليس من باب المبالغة والتهويل أن نقول بأن مؤسسات تربوية كثيرة في بلدان عربية قد تحولت في وقت من الأوقات إلى “مدارس لتعليم الأمية” بسبب سياسات تنتهج زرع الولاءات الأيديولوجية والقبلية والطائفية عبر جهاز تعليمي تنقصه الكفاءة، وهو أمر أخطر من الإبقاء على الحالة الأمية في طورها البدائي، ذلك أن حشو الأدمغة بأباطيل وأوهام بغرض البروباغندا السياسية، لهو فعل أكثر إجراما وقسوة من إبقاء الأمور على حالها.
ما هو أكثر كارثية من حالة الأمية التي تشي بها الأرقام المرعبة في العالم العربي، هو طرق التعليم ومناهج “محو الأمية”، فكأنما أصبحت العلة في وصفات الأدوية المعطاة، وليس في الأمراض بعينها. وفي هذا الصدد كشف تقرير “رصد التعليم للجميع” الذي أصدرته منظمة اليونسكو حديثا، أن نحو نصف الأطفال في الدول العربية لا يتلقون تعليما ابتدائيا أو لا يتلقون أساسيات التعليم حتى عندما يلتحقون بالمدارس.
الأكثر كارثية من الأمية المرعبة في العالم العربي، هو طرق التعليم ومناهج {محو الأمية}، فكأنما أصبحت العلة في وصفات الأدوية وليس في الأمراض بعينها
وذكر التقرير أن 57 مليون طفل لا يذهبون إلى المدارس وأن ثلث الأطفال البالغين سن التعليم الابتدائي لا يتعلمون الأساسيات، سواء التحقوا بالمدارس أو لم يلتحقوا بها بسبب تدني مستوى التعليم. إن بلدا عربيا مثل مصر الذي كان يعدّ رائدا في مجال نشر التعليم المجاني للجميع كما كان يصوره الإعلام الرسمي في ستينات القرن الماضي، قد ظهر في التقارير الأخيرة للمنظمات المختصة، ضمن الـ10 بلدان التي فيها 72 بالمئة من العدد الإجمالي للكبار الذين يعانون الأمية في العالم علما وأن ثلثيهم من النساء.
تكشف هذه الإحصائيات “المؤسفة” أمرا جليّا يتمثل في أن بعض السياسات العربية في المنتصف الثاني من القرن الماضي، قد عملت على استخدام فكرة نشر التعليم ومجانيته ضمن نطاق تعبوي في نوع من البروباغندا السياسية التي تهتم بالكم وليس بالنوع كما هو الحال، وبدرجات متفاوتة مع بلدان مثل العراق وسوريا، وذلك بسبب سيطرة أيديولوجيا حزب البعث.
هذه النزعة الشعبوية في نشر التعليم بمواصفات ومعالجات شبه متخلّفة أدت إلى ظهور مشاكل كثيرة. وفي هذا الصدد قال الباحث كمال مغيث، من المركز القومي للبحوث التربوية في مصر، إن “التعليم في الدول العربية فشل إلى حد كبير بالنظر إلى التقارير الدولية وخروج الجامعات العربية من قوائم الدول المحترمة الخاصة بتصنيف الجامعات”. وأضاف مغيث أن “الدول ذات الطبيعة الاستبدادية أنشأت التعليم الخاص المُكلِف الذي لا يمكن لغير أبناء السلطة والطبقة البرجوازية فيها ولوجه، ولا تتجاوز الفئة التي تستفيد من هذا التعليم نسبة 5 إلى 7 بالمئة من مجموع التلاميذ. وهي تهدف بذلك إلى تحضير أبنائها كي يحلوا محلها في المؤسسات ومجال الاستثمارات، بينما أُهمل تعليم بقية أبناء الشعب”.
وبالمقابل فإن هناك تجارب عربية عقلانية قد سارت على خطى صحيحة رغم التعثر، وفي هذا المجال يقول سمير بودينار، رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية في المغرب، “إن خصوصية المغرب العربي تكمن في طرح مشاكل التعليم للنقاش العام وإن كانت ثمة تجربة يمكن النظر إليها في المنطقة فهي التجربة التونسية التي ربطت التعليم بالسوق”.
وذكر بودينار أن المستوى العلمي بين دول مجلس التعاون الخليجي متقارب وقد استثمرت دول مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة في البحث العلمي بشكل جدي وصحيح وحققت المساواة في الولوج إلى التعليم الجامعي بين الذكور والإناث.