اليوم التالي للتغيير في سوريا يشغل الميليشيات العراقية

تسارع الأحداث في سوريا أفقد ميليشيات العراق زمام المبادرة ولم يترك لها فرصة التدخل باستخدام بعض الذرائع المعهودة مثل حماية المقدسات الشيعية.
الاثنين 2024/12/09
نُذر شؤم وراء الحدود

بغداد- مثّل السقوط المدوي لنظام الرئيس السوري بشّار الأسد ضربة كبيرة للميليشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران تجاوزت الجانب المعنوي إلى إثارة المخاوف لدى قادتها من اليوم التالي للتغيير الكبير الذي حدث في سوريا وما يمكن أن يحمله من تأثير على مكانتها وأدوارها في تجربة الحكم في العراق أمنيا وسياسيا.

وغلبت نبرة الإحباط على خطاب الإعلام المرتبط بالميليشيات وتصريحات السياسيين العراقيين المقربين منها جرّاء مراقبتها لما حدث لحليفها السوري دون أن تمتلك القدرة على عكس مسار الأحداث على غرار ما حدث في سنوات سابقة عندما قاتلت إلى جانبه وساعدته بالتعاون مع حزب الله اللبناني على الصمود في وجه الفصائل المسلّحة المعارضة له والدول الداعمة لها بقيادة تركيا.

قاسم مصلح: الحدود العراقية – السورية مؤمنة بالكامل
قاسم مصلح: الحدود العراقية – السورية مؤمنة بالكامل

وأفقد تسارع الأحداث تلك الميليشيات زمام المبادرة ولم يترك لها فرصة التدخل باستخدام بعض الذرائع المعهودة مثل حماية المقدسات الشيعية وأبناء الطائفة.

وترتبط الميليشيات الشيعية العراقية المنضوي أغلبها ضمن الحشد الشعبي بإيران التي مثل سقوط نظام الأسد وقبل ذلك الضربات القاصمة التي تلقتها ذراعها اللبنانية حزب الله، على يد إسرائيل أكبر ضربة لنفوذها، وبالتالي لهيبتها وهيبة محورها “المقاوم”.

وعلى صعيد واقعي خسرت إيران والميليشيات بفقدها السيطرة على الجغرفيا السورية طريقا طويلا للتحرك والإمداد بالأسلحة والمقاتلين كانت قد بذلت على مدى سنوات جهودا لتأمينه وإبقائه مفتوحا رغم الرقابة الأميركية الجوية عليه.

وكان التحرّك في سوريا ومساندة نظامها والتعاون مع حزب الله اللبناني والتنسيق مع حركة حماس الفلسطينية، إلى جانب دورها في “محاربة إرهاب تنظيم داعش” عوامل توفّر مجتمعة للميليشيات الشيعية مادّة ثرية للدعاية من جهة برفع شعارات المقاومة والدفاع عن المقدّسات، كما تتيح لها من جهة أخرى بابا للمزيد من التسلّح ومبرّرا للحصول على التمويلات بما في ذلك من موازنة الدولة العراقية.

وظهر مدى حرج قادة الميليشيات وغالبية السياسيين العراقيين الشيعة إزاء الأحداث في سوريا في تجنّبهم التعليق المباشر على مغادرة الرئيس السوري لبلاده وانصرافهم نحو التعليق على التأثيرات الأمنية المحتملة لذلك على العراق وتضخيمها في بعض الأحيان.

وحذر رئيس مجلس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبدالمهدي من تداعيات “خطرة” جراء الأحداث في سوريا.

وقال في منشور له على منصة إكس إن “بعد النصر اللبناني حقق الهجوم المضاد في سوريا أولى نجاحاته، وسيحقق نجاحات موجعة أخرى.”

وأضاف “ابتهج الإسرائيليون وسارعوا لدخول القنيطرة، وستحصل تداعيات خطيرة”، مستدركا بالقول “ولكن للهجوم نهاية وعلى الباغي تدور الدوائر.”

ويعني تركيز الميليشيات على الوظيفة الأمنية في الداخل العراقي استدامة دورها والحفاظ على وظيفتها التي فرضتها على الدولة وقواتها النظامية.

وقال قائد عمليات الأنبار للحشد الشعبي قاسم مصلح إن الحدود العراقية – السورية مؤمنة بالكامل، وذكر في بيان أنّ “هناك استعدادات كاملة لتأمين الحدود تنفيذا لتوجيهات القائد العام للقوات المسلحة خصوصا بالجبهة الغربية المحاذية لسوريا”، مبينا أن “هناك تنسيقا كبيرا بين الحشد والجيش وحرس الحدود.”

كما كشف عن تنفيذ ميليشيات الحشد لـ”عمليات واسعة في عمق الصحراء لاستهداف كل المضافات ومطاردة فلول الإرهاب.”

باسم العوادي: العراق يؤكد ضرورة احترام الإرادة الحرّة لجميع السوريين
باسم العوادي: العراق يؤكد ضرورة احترام الإرادة الحرّة لجميع السوريين

وتضع نهاية اللعبة في سوريا ولبنان الميليشيات الشيعية في العراق بشكل رئيسي تحت مجهر ملاحظة الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب الذي يُتوقّع أن يكون أكثر حزما إزاء إيران وأذرعها في المنطقة، وهو ما أثبته خلال ولايته الأولى عندما أمر بقتل القائد الكبير في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ومعاونه العراقي أبومهدي المهندس بضربة جوية قرب مطار بغداد الدولي.

كما من شأنها أن تضعها في مواجهة أكبر مع الشارع الشيعي العراقي الذي سبق أن حاول التمرّد على حكمها وحكم الأحزاب الدينية في انتفاضة أكتوبر التي اندلعت قبل خمس سنوات وقامت الميليشيات ذاتها بقمعها بشدّة وعنف.

ويظهر سقوط حلفاء إيران مثل أحجار الدومينو للعراقيين الناقمين على حكم الأحزاب والفصائل الشيعية نقاط ضعف هؤلاء الحلفاء ويعني بالنسبة إليهم أنّ الخضوع لسلطتهم ليس قدرا.

ويعمّق إحباط الميليشيات المزاج العام السائد في العراق والميال إلى الانكفاء والعناية بالشأن المحلي بدل التورّط في الصراعات الخارجية خدمة للسياسات الإقليمية لإيران.

ويستجيب الموقف الرسمي للعراق لهذا المزاج وذلك بإعلان حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني حيادها إزاء التغيير الذي حدث في سوريا.

وأعلنت بغداد الأحد “ضرورة احترام الإرادة الحرّة” للسوريين والحفاظ على وحدة أراضي بلادهم. وقال المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي “يؤكد العراق ضرورة احترام الإرادة الحرّة لجميع السوريين، ويشدد على أنّ أمن سوريا ووحدة أراضيها وصيانة استقلالها أمر بالغ الأهمية، ليس للعراق فقط إنما لصلته بأمن واستقرار المنطقة.” وجدّد تأكيد “أهمية عدم التدخل في الشأن الداخلي السوري، أو دعم جهة لصالح أخرى.”

◄ ضربة لهيبة الحليفة إيران وتناثر حلقات "محور المقاومة" وفقد جزء من مبررات التسلح والاستيلاء على أموال الدولة

كما ذكّر العوادي بأن بغداد “تدعم كل الجهود الدولية والإقليمية الساعية إلى فتح حوار يشمل الساحة السورية بكلّ أطيافها واتجاهاتها ووفق ما تقتضيه مصلحة الشعب السوري وصولا إلى إقرار دستور تعددي يحفظ الحقوق الإنسانية والمدنية للسوريين.”

وخالف رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي من جهته رأي الميليشيات وعبّر عن احترامه لـ”إرادة الشعب السوري في إجراء التغيير وبناء دولته بعملية تشترك فيها كل مكوناته دون تهميش وإقصاء.”

وكانت السلطات العراقية قد سمحت بدخول نحو ألفي جندي سوري فارّين من الجبهة إلى أراضيها عن طريق معبر القائم الحدودي، حسبما أفاد مصدر أمني لوكالة فرانس. ومن بين هؤلاء جرحى يتلقون العلاج في مستشفى القائم، بحسب مصدر أمني آخر.

وانتقل طاقم السفارة العراقية في دمشق إلى لبنان عن طريق البرّ الأحد حسبما أفاد مصدر دبلوماسي. وتزامنا مع ذلك أكد المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية اللواء يحيى رسول تعزيز الحدود مع سوريا “بقطعات إضافية في حال الحاجة إلى تدخّلها.

3