اليوتيوب المغربي يبرز صناع المحتوى الإبداعي وسط السباق المحموم وراء المشاهدات

يعتبر يوتيوب مصدر رزق للكثير من صناع المحتوى في المغرب باعتباره المنصة الأكثر شعبية. وإذا كان بعض المؤثرين يختارون أي محتوى مهما كان نوعه في سعيهم المحموم وراء الشهرة أو الضجة، لا يهم، فإن أسماء بارزة قررت الاجتهاد وتبليغ رسالة إيجابية أو نقل معلومة مفيدة ونجحت في جمع الشهرة والتميز في محتوى واحد.
الرباط - تحول يوتيوب في المغرب في السنوات الأخيرة إلى ساحة لسباق محموم نحو حشد المشاهدات و”الإعجابات”، إذ لم تعد قيمة صانع المحتوى على هذه المنصة تقاس بجودة “المحتوى” الذي يقدمه، بل بعدد النقرات التي يجلبها، بشكل يثير الجدل بين المغاربة فهناك من يعتبر أنها حرية تعبير في قنوات خاصة، بينما يرى آخرون أنها عنوان الرداءة مع مطالب بتقنين هذا المحتوى، فيما اختار البعض تسليط الضوء على الجانب الإيجابي بانتقاء المؤثرين أصحاب المحتوى الجيد.
وبينما يسلك البعض الطريق السهل عبر تفضيل الفيديوهات المثيرة أو التي اشتهرت بما يسمى “روتيني اليومى”، فإن البعض الآخر، يأخذ الأمور على محمل الجد ويواصل الابتكار للحفاظ على جمهوره. ويلخص مصطفى فكاك، الملقب بسوينغا، والذي تضم قناته “آجي تفهم” على اليوتيوب 816 ألف مشترك ومشاهدات تفوق 30 مليون مشاهدة، مفاتيح الاستمرارية على شبكات التواصل الاجتماعي بأنها “العمل بمثابرة وامتلاك رؤية بعيدة المدى وتنويع المحتوى”.
وأكد لوكالة المغرب العربي للأنباء بشأن مصادر إلهامه، أنه يحاول “البقاء في استماع الناس لمعرفة اهتماماتهم وانشغالاتهم والمتابعة الحثيثة للأخبار السياسية والاقتصادية التي تشكل مواضيعه”.
سوينغا يحصد النجاح بكبسولات نشر المعرفة التي تتضمن مواضيع تتراوح من السياسة إلى الاقتصاد والتاريخ
واليوتيوبر الشاب اشتهر بكبسولاته التي تهدف إلى نشر المعرفة على نطاق أوسع حول مجموعة من المواضيع التي تتراوح من السياسة إلى الاقتصاد والتاريخ، وأصر سوينغا وهو أحد الشخصيات المغربية الأكثر متابعة على شبكات التواصل الاجتماعي وفقا لاستطلاعات رأي حديثة، على أنه يجب أيضا عدم التقشف في المال للحصول على إعجاب الجمهور، موضحا أن بعض الإنتاجات مثل سلسلة الويب التي أنتجها حول تاريخ المغرب، قد كلفته كثيرا. وأكد أن الإنتاج الواحد يكلف من 60 ألف إلى 100 ألف درهم على الأقل (الدولار الأميركي= 10 درهم مغربي)
وينظر إلى “مهنة” المؤثر بشكل عام أنها “سهلة واقتصادية ومربحة” ولكن ليس كل شيء ورديا في حياة المؤثر على ما يبدو. ففي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أكدت صوفيا بلكامل، صانعة المحتوى المغربية، أن الأمر يستهلك الكثير من الوقت والجهد، مضيفة أن “الناس غالبا ما يرون قمة الجبل الجليدي فقط دون أن يدركوا كل ما هو تحته”.
ووفقا للمؤثرة الأم لطفلين التي تشارك نصائحها حول الموضة وأسلوب الحياة واللياقة البدنية مع متابعيها البالغ عددهم 543 ألفا على منصة إنستغرام، فإن صانع المحتوى الجيد “يجب أن يكون قادرا على إثارة أفكار متابعيه وعلى الإبداع والتصوير والأداء والعمل على توسيع قاعدة جمهوره والحفاظ عليها، بالموازاة مع حضوره الدائم على المنصة وإعداد الفواتير والتنقل الكثير وأخذ المواعيد مع الوكالات أو الزبائن”.
وأبرزت صانعة المحتوى على إنستغرام التي تشتغل ممثلة من حين إلى آخر، أنها أنشأت شركتها الخاصة “للاشتغال بشكل قانوني”، وأن “الأمر يتعلق حتما بمهنة، هي مهنة جديدة بالتأكيد وغير معروفة على نطاق واسع”، مؤكدة أن المعرفة والموهبة هما كلمة سر النجاح في هذا المجال.
وعن نفسها، قالت صوفيا بلكامل أنها “حاصلة دبلوم البكالوريا + 5 في مجال الترفيه وإدارة وسائل الإعلام” مبرزة أنها لم تلجأ يوما لاستخدام المهارات التي اكتسبتها في دراستها العليا مثلما تفعل اليوم كصانعة محتوى. وأكدت أن “صانع المحتوى الناجح يجب أن يمتلك الموهبة في الكثير من المجالات كالصورة والفيديو والإبداع والتسويق والتواصل والتجارة…”.
وبالإضافة إلى امتلاكه الموهبة، يجب على صانع المحتوى أن يظل “مواكبا لآخر التطورات” حتى يتمكن من البقاء في بيئة الشبكات الاجتماعية شديدة التنافسية، لأن التحدي لا يكمن في الوصول إلى القمة، بل في القدرة على البقاء فيها.
ويعتبر يوتيوب المنصة الأكثر استخداما في المغرب (21.4 مليون مستخدم نشط مع بداية عام 2022)، وبحسب دراسة أنجزتها شركة “ديجيترندزد” سنة 2022، فإن 75 في المئة من المغاربة يتابعون مؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، بمعدل 15 للشخص الواحد. وتتعلق المواضيع الرئيسية المثيرة للاهتمام بالفكاهة والطبخ، والتكنولوجيا والموضة.
وبحسب الدراسة فقد ارتفع عدد “المؤثرين” في المغرب بشكل كبير خلال أربع سنوات، مرورا من 1400 في 2018 إلى 60 ألف في 2022. ويخوض كل هؤلاء حربا ضروسا للحصول على نصيبهم من كعكة المشاهدات والإعجابات والاشتراكات والعقود التجارية المدرة للأموال.
وليرفع أصحاب القنوات التي تعج بها منصة يوتيوب من عدد هذه المشاهدات، تبدو كل الطرق سالكة وهو ما تشهد عليه عناوين المقاطع التي تبثها وباتت تتصدر يوتيوب المغربي من قبيل “كوكو لبنات! أجيو تشوفو الفيلا الجديدة ديالي”، “درت مقلب لمراتي، ردة فعلها كانت رهيبة!” “حفلة كشف جنس الجنين”، “تدوينة فيديو (فلوك) الولادة”.
بينما يسلك البعض الطريق السهل عبر تفضيل الفيديوهات المثيرة أو التي اشتهرت بما يسمى “روتيني اليومى”، فإن البعض الآخر، يأخذ الأمور على محمل الجد ويواصل الابتكار للحفاظ على جمهوره
وفي سعيهم وراء الشهرة والمال السهل، لا يتردد بعض “صناع المحتوى” في تقاسم لحظات من حياتهم، التي من المفترض أن تكون خاصة، على الملأ في الفضاء الافتراضي. وتحقق هذه الفيديوهات نجاحا كبيرا تدل عليه عشرات الآلاف من المشاهدات التي تحصدها، والتي تضمن “لأصحابها” التموقع ضمن 10 فيديوهات الأكثر مشاهدة في اليوتيوب المغربي وتحقيق أرباح مالية كبيرة بالإضافة إلى الحصول على عقود رعاية إشهارية، مهما كانت نوعية المحتوى.
ويستحضر عالم الاجتماع أحمد متمسك مسألة “سلطة الصورة التي تسهل عملية التقاسم بشكل كبير”. ويضيف أن “هذا المحتوى، الذي يكون غالبا باللهجة الدارجة، يستهدف الأشخاص الأميين أو ذوي المستوى التعليمي المتدني”، مشيرا إلى أن “الوصفة بسيطة بقدر ما هي فعالة: الاشتغال على الشكل، واللعب على الصورة والجسد والغرائز.. باختصار، يتم استخدام جميع العناصر ذات الرمزية لجذب الأنظار وزيادة الجمهور”.
ويضيف عالم الاجتماع أنه من الناحية المالية، فإن “إنتاج المحتوى على اليوتيوب لا يكلف الكثير، كل ما تحتاجه هو هاتف مزود بكاميرا لتصوير فيديو، والحد الأدنى من المعرفة لمعالجته، وأن تكون لديك قناة على يوتيوب للنشر”، مؤكدا أن شخصا واحدا يستطيع إدارة العملية برمتها من الألف إلى الياء.
لا شك أن اليوتيوب المغربي مصدر رزق حقيقي. وإذا كان بعض المؤثرين يسقطون في المحظور (تشهير أو نشر أخبار زائفة أو مساس بالحياء العام…) في سعيهم المحموم وراء الشهرة أو إحداث الضجة، لا يهم، فإن آخرين قد قرروا بذل وقتهم ومالهم من أجل تبليغ رسالة إيجابية أو نقل معلومة مفيدة. ويبقى الأمر رهين القدرة على تمييز الخبيث من الطيب.