اليأس يغالب تونسيات فقدن أبناءهن في رحلات خطرة صوب أوروبا

تونس - مرت قرابة أربعة أشهر منذ اختفاء ابني التونسية حسنة شتيوي بعد خوض رحلة محفوفة بالمخاطر لعبور البحر المتوسط سعيا للوصول إلى أوروبا. ومنذ ذلك الحين، تعيش الأم البالغة من العمر 46 عاما معاناة تغلب عليها مشاعر الخوف والحزن.
يخاطر الآلاف من الشباب التونسي بركوب قوارب صغيرة ومتهالكة في معظمها، على أمل بلوغ الضفة الأخرى، يحفزهم في ذلك حلم بالحصول على حياة أفضل في أوروبا، لكن العديد منهم لم يحالفه الحظ، إما لتعطل القارب أو اكتشاف أمرهم من قبل السلطات الأمنية، وهناك من وجد نفسه ضحية عوامل مناخية.
وتقول حسنة “لم أعد أستطيع العمل الآن إلا لما أسمع صوت محمود وآدم، ابني اللذين كانا سيواسيانني ويقومان بحملي، لكن الآن عكاكيزي تكسرت لم تعد عندي قوة لحمل نفسي”.
وتقضي حسنة وقتها في غرفة ابنيها المفقودين، وهي تطوي ملابسهما وتنظر إلى صورهما، بينما تعانق أصغر أبنائها إياد البالغ من العمر 14 عاما، وتقول إنها لا تزال تأمل في أن يكونا على قيد الحياة.
وتضيف “لقد كانا دائما يقولان لي سوف ترين يا أمي سنقوم بتعويضك في تعبك لكن الآن لن يستطيعا فعل ذلك، كنت آمل أن يذهبا إلى أوروبا بطريقة عادية لأنهما أرادا ذلك، لكن الآن لم يذهبا إلى أي مكان، الله أعلم إذا أكل السمك ابنيّ، إذا كانا ميتين ائتوني بهما، وإذا مازالا على قيد الحياة ائتوني بهما”.
600
عدد المهاجرين الذين انطلقوا من السواحل التونسية وفقدوا خلال عام 2022
ويقدر عدد المهاجرين المفقودين، الذين انطلقوا من السواحل التونسية وحدها عام 2022، بنحو 600 مهاجر من جنسيات مختلفة، في حين وصل أكثر من 18 ألف تونسي إلى السواحل الإيطالية، بحسب بيانات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وفي شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة التونسية، نظمت العشرات من الأمهات مثل حسنة وقفة لمطالبة السلطات بالبحث عن أحبائهن المفقودين.
وقالت نعيمة سلام وهي والدة أحد المفقودين في البحر “لم أعد أستطيع النوم لا ليل ولا نهار، أصبحت مريضة عقليا، كل مكان أنظر إليه أرى ابني، البارحة كنت جالسة في المقعد أحكي معه وأنا أتخيل وجوده بجانبي، أنا أطلب أن يأتوني بابني فقط، إذا كان ميتا أو حيا أريد ابني فقط لا شيء آخر”.
وعزت أخرى اسمها ليلى صالح اضطرار ابنها لخوض تلك الرحلة الخطرة إلى الأحوال المعيشية الصعبة قائلة “الظروف السيئة حكمت عليه ليذهب عن طريق البحر ليحسن وضع أمه، لأنني مريضة ولا أشتغل وأبوه متقاعد ومرتبه 300 دينار لا تغطي حاجياتنا”.
وتتحدث حياة مزلاني عن حجم معاناتها بعد أن أصبح ابنها في عداد المفقودين، قائلة “لقد تركت العمل، كل يوم أحمل هاتفي على أمل أن يكلمني ابني لكن دون جدوى كل يوم يأتي أقول إن هناك أملا، لم أترك مكانا لم أذهب إليه لأسأل عن ابني وأنا الآن فقدت الأمل ولم تعد عندي ثقة لا في بلادنا ولا في أي شيء”.
ساحل صفاقس أصبح نقطة انطلاق رئيسية للفارين من الفقر في أفريقيا والشرق الأوسط من أجل فرصة لحياة أفضل في أوروبا
وأصبح ساحل صفاقس نقطة انطلاق رئيسية للفارين من الفقر في أفريقيا والشرق الأوسط من أجل فرصة لحياة أفضل في أوروبا.
وقال رمضان بن عمر المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية “اليوم لدينا تخوفات كبيرة خاصة هذه السنة باعتبار أن في شهر يناير سجلنا أكثر من 35 ضحية مفقود أي أن هذه السنة ستكون أكثر مأساوية، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الصعبة في تونس وأيضا في ظل تركيز السلطات التونسية على تطمين الجانب الأوروبي من خلال التركيز على عمليات المنع والصد فقط دون الإنقاذ”.
وفي الأشهر الماضية غرق المئات من الأشخاص قبالة السواحل التونسية، مع زيادة وتيرة محاولات العبور من تونس وليبيا باتجاه إيطاليا.
ومن بين أشهر حوادث الغرق فاجعة جرجيس، حينما غرق قارب يحمل أكثر من 18 شخصا قبالة المدينة الساحلية في أكتوبر الماضي، ليؤكد الرئيس التونسي قيس سعيد لاحقا أن عملية الغرق كانت متعمدة، وأن أطرافا وقفت خلفها بغية تأجيج الأوضاع.
ويرى خبراء اجتماع أنه بالرغم من مآسي الغرق، فإن محاولات العبور نحو الضفة الأخرى لن تنتهي، وأن هناك حاجة لمقاربة شاملة تشارك فيها جميع الدول المعنية وليس فقط دول العبور.
وتناجي حسنة البحر قائلة “يا بحر هل قتلت ابنيّ، شعوري يخبرني أنهما مازالا على قيد الحياة”.