الوهم الذي يصنع الحقيقة

لو لم يكن هناك عنترة بن شداد العبسي لما كان لعبلة بنت قراد العبسية ذكر في التاريخ. هي ابنة عمه التي تولّه بحبها وعانى المصاعب من أجل أن يتزوجها بسبب أن التقاليد كانت تمنع زواج الرجل الهجين من المرأة الحرة.
كانت هناك نظرة عنصرية طبقية لم يخف عنترة رغبته في قتالها باعتبارها عدوا كما كان يفعل وهو الفارس في ساحات القتال.
يقول في معلقته "ولقد ذكرتك والرماح نواهل/ مني وبيض الهند تقطر من دمي/ فوددت تقبيل السيوف لأنها/ لمعت كبارق ثغرك المتبسم" وهو المعنى الذي تقترب منه هدى سلطان حين تقول "عمري ما شفت الحب غير لما حبيتك/ ولا شفت راحة قلبي إلا وأنا فبيتك" عاشت تلك المغنية والممثلة باسم منتحل.
أما اسمها الحقيقي فهو بهيجة حبس عبدالعال. أما إذا عرفنا أن محمد فوزي "المطرب والملحن والممثل" هو شقيقها فإن الأمر سيزداد تعقيدا لكن بشيء من الخفة. ذلك لأن فوزي هو الذي شجع أخته على إشهار موهبتها الفنية. لو لم يكن هناك محمد فوزي لما كانت هدى سلطان.
كانت هدى سلطان هي الصورة المعاصرة عن عبلة التي عاشت قبل ما يقارب من ألفي سنة وإن لأسباب مختلفة. اشتهر محمد فوزي بأغانيه الموجهة إلى الأطفال ومنها “ماما زمنها جاية/ جاية بعد شوية/ جايبة لعب وحكايات/ جايبة معاها شنطة/ فيها وزة وبطة/ بتقول واك واك واك”. ومن المؤكد أن محمد فوزي هو أفضل مَن غنى للأطفال في العالم العربي. "ذهب الليل طلع الفجر والعصفور صوصو/ شاف القطة قالها بسبس قالتلو نونو" وهي من كلمات حسين السيد الشاعر الذي كتب لصباح "حبيبة أمها/ يا إخواتي بحبها” و"أكلك منين يا بطة" ولفائزة أحمد "ست الحبايب” ولنجاة الصغيرة "ساكن قصادي".
ولكن "حبيبي وعنيا/ ولو وسط ميه/ ميخفاش عليا" تلك جملة قالها محمد فوزي ليؤكد من خلالها أن العاشق يملك حاسة سادسة تؤهله للتعرف على محبوبته من غير أن يستعمل حواسه المباشرة.
حين وقفت ذات يوم تحت شرفة جولييت خُيّل إليّ أنني أصبحت روميو وصرت أردد "واه يا سلام على الهوى يا سلام". كان الهوى يلمع مثل نجمة في عيون كل الشابات والشباب الواقفين من حولي.
لا أحد في إمكانه أن يصدق أن أهل فيرونا الإيطالية كانوا قد اخترعوا تلك الشرفة لأغراض سياحية بعد أن كان شكسبير قد اخترعها لأسباب مسرحية.
علينا أن نصدق شكسبير ومن خلاله نصدق بلدية فيرونا ونتوقع أن تطل علينا جولييت في أيّ لحظة من شرفتها.