الولايات المتحدة تواصل اهتمامها بالبيشمركة الكردية رغم امتعاضها من عدم توحيدها

انتقادات واشنطن لجيش الإقليم بدافع حرصها على تماسك حلفائها أكراد العراق واستقرار تجربتهم.
السبت 2025/01/18
دور كبير للبيشمركة رغم انقسامها

الملاحظات التي تبديها الولايات المتحدة الأميركية على طريقة تسيير البيشمركة الكردية والمنصبّة غالبا على تعثّر جهود توحيدها لا تخرج عن كونها أقرب إلى "معاتبة" حليف موثوق من باب الحرص على استقراره وتماسكه، الأمر الذي يجعل خروج ذلك الجسم العسكري من دائرة اهتمام واشنطن وتركه لمصيره بقطع المساعدات عنه أمرا  مستبعدا طالما ظلت واشنطن مهتمة بالساحة العراقية وحريصة على عدم إخلائها بالكامل أمام نفوذ إيران وسلطة ميليشياتها.

أربيل (كردستان العراق)- كثيرا ما تبدي الولايات المتحدة الأميركية ملاحظات على طريقة إدارة البيشمركة الكردية وتلوم القائمين عليها على عدم إنهاء انقسامها بين الحزبين الكبيرين في إقليم كردستان العراق الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتّحاد الوطني لكنّها لا تبدو، رغم ذلك، مستعدّة لإنهاء علاقتها بهذا الجسم العسكري وقطع المساعدات المالية والتقنية عنه وتركه لمصيره.

وتمثّل البيشمركة رغم انقسامها أداة فعالة أثبتت جدواها في مواجهة الإرهاب خلال الحرب ضدّ تنظيم داعش الذي تجعل الولايات المتحدة من مواجهته هدفا معلنا لقواتها التي تصرّ على الإبقاء على أعداد محدودة منها على الأراضي السورية والعراقية.

كما تُعتَبر في الوقت نفسه عامل توازن، ولو كان نسبيا، مع الميليشيات التابعة لإيران والتي أظهرت خلال السنوات الأخيرة رغبة في التمدّد إلى مناطق شمال العراق وغربه على غرار سنجار وتلعفر وكركوك.

جبار ياور: تمّ توحيد قرابة سبعين ألفا منها، فيما لا تزال البقية منضوية في وحدتي سبعين وثمانين التابعتين للحزبين الرئيسيين

كما تمثّل بالإضافة إلى ذلك العمود الفقري لتجربة الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق والتي لعبت واشنطن دورا كبيرا في إنشائها وتحرص على استمرارها وتماسكها سياسيا واقتصاديا وأمنيا.

وراجت خلال الفترة الأخيرة أنباء بشأن توجيه التحالف الدولي ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة تهديدات صريحة لحكومة إقليم كردستان وقيادات الحزبين الحاكمين بوقف المساعدات المالية والعسكرية للبيشمركة بسبب عدم تحقيق أيّ تقدّم في توحيدها بناء على طلبات سابقة من التحالف ووعود من قيادتي الحزبين بإنجاز ذلك.

وتتلقّى البيشمركة ما مقداره عشرين مليون دولار شهريا بموجب مذكرة تفاهم موقّعة مع وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تنص أيضا على تقديم الوزارة التدريب والأسلحة والذخيرة والمعدات العسكرية والاستشارات والدعم الطبي لجيش كردستان العراق.

لكن استمرار ذلك الدعم جرى ربطه بشرط توحيد قوات البيشمركة وإجراء عملية الإصلاح تحت مظلة وزارة البيشمركة، وقيام الحزبين الديمقراطي والاتحاد الوطني من خلال الوحدتين سبعين وثمانين التابعتين لهما العمل بشكل مشترك والتنسيق مع القوات العراقية والتحالف الدولي لمحاربة داعش.

وكإجراء تحذيري لقيادات كردستان العراق، بادر الجانب الأميركي، في وقت سابق، إلى تقليص مقدار المساعدات المالية للبيشمركة إلى 15 مليون دولار، وفقا لتقارير أميركية.

وأظهرت دوائر كردية عراقية تخوّفها من جدية الولايات المتحدة في مسعاها لتقليص دعم البيشمركة أو وقفه معتبرة أن عودة دونالد ترامب إلى الحكم ترجّح ذلك الاحتمال باعتبار الرئيس الجمهوري هو صاحب شعار أميركا أولا والذي يعني في بعض وجوهه توجيه الموارد الأميركية بشكل أساسي نحو تحقيق ازدهار الولايات المتحدة ورفاه شعبها وعدم إهدار ثروتها في الإنفاق على جهات أجنبية لا تحقّق للبلد فوائد مباشرة.

لكنّ هذا الشعار كثيرا ما تعرّض للنقد من زاوية كونه سطحيا وتبسيطيا لا يراعي كون تقديم المساعدات الخارجية من قبل الحكومات الأميركية ليس عملا خيريا ولا إنسانيا وإنما هو عمل في صميم البراغماتية ويخدم الإستراتيجيات الشاملة وبعيدة المدى ويصون مصالح حيوية للولايات المتّحدة.

وعلى هذا الأساس تستبعد دوائر سياسية وأمنية تأثر مساعدات واشنطن للبيشمركة الكردية بسياسات ترامب كون الملف تقنيا بالأساس وبأيدي العسكريين الذين يعتبرونه جزءا من عملهم في العراق وجواره وما يقتضيه ذلك العمل من الحفاظ على شركاء موثوقين هناك، وعدم إخلاء الساحة أمام إيران وحلفائها المحلّيين.

◄ انقسام البيشمركة يوفر ذريعة لرافضي حل الميليشيات على أساس أن تلك القوة حزبية وتستحق الحل أيضا

وتجلّى اهتمام الولايات المتحدة بقوات البيشمركة وحرصها على مواصلة جهودها لأجل توحيدها، مجدّدا، في زيارة قام بها وفد أميركي إلى إقليم كردستان العراق حيث ناقش مع مسؤولين في الإقليم ملف إصلاح تلك القوات وتنظيمها.

وأعلنت وزارة البيشمركة في وقت سابق من هذا الأسبوع أن “اجتماعا عقد في مقّر رئاسة إقليم كردستان بين وفد عسكري ودبلوماسي أميركي والشيخ جعفر الشيخ مصطفى نائب رئيس الإقليم، وشورش إسماعيل وزير البيشمركة وعبدالخالق بابيري وكيل الوزارة والفريق الركن عيسى عُزير رئيس الأركان وبختيار محمد أمين الأمين العام، والجنرال كيفن ليهي قائد قوات التحالف في العراق وسوريا وعدد من كبار ضباط قوات البيشمركة”.

وأوضحت في بيان أنه “جرى خلال اللقاء بحث التنسيق والعمل المشترك بين الجانبين وعملية الإصلاح وتنظيم قوات البيشمركة خاصة في مجال إصلاح وإعادة تنظيم القوات، بالإضافة إلى عرض آخر خطوات العملية وأهميتها والعمل على تذليل العقبات والمعوقات التي تواجهها”.

وأضافت في ذات البيان أنه “في ما يتعلق بتنفيذ المراحل المقبلة تم التأكيد على التعاون بين الجانبين لإنجاح عملية توحيد البيشمركة.”

وترفع التوتّرات الجارية، لاسيما في سوريا والتي تطال تداعياتها العراق، من قيمة قوات البيشمركة الكردية لدى الأصدقاء الدوليين لإقليم كردستان العراق وخصوصا المشاركين منهم في التحالف الدولي ضدّ تنظيم داعش بقيادة الولايات المتّحدة التي ترغب في جعل جيش إقليم كردستان العراق مؤهّلا لسدّ أيّ فراغ أمني يتيح عودة التنظيم المتشدّد، ويفسح المجال لتمدّد الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني نحو الإقليم.

وتضم تشكيلات وزارة البيشمركة نحو مئة وسبعين ألف مقاتل بحسب الأمين العام السابق لوزارة البيشمركة الفريق جبار ياور تمّ توحيد قرابة سبعين ألفا منها، فيما لا تزال البقية منضوية في وحدتي سبعين وثمانين التابعتين للحزبين الرئيسيين.

◄ البيشمركة تمثّل رغم انقسامها أداة فعالة أثبتت جدواها في مواجهة الإرهاب خلال الحرب ضدّ تنظيم داعش

وقال ياور في تصريحات سابقة لوسائل إعلام محلية إنّ أهم عامل أدى إلى تأخر عملية التوحيد هو العامل السياسي والخلافات بين الحزبين، مؤكّدا وجود مطالب وضغوط من التحالف الدولي وكذلك من الحكومة العراقية لتوحيد قوات البيشمركة حتى تتعامل القوات الأمنية الاتحادية مع قوة واحدة فقط.

ويقول خبراء الشؤون الأمنية والعسكرية إنّ الانقسام يحول دون تطوير أداء الجهاز الأمني ليرتقي إلى مستوى مواجهة التحديات في البيئة المعقّدة وكثيرة هي التهديدات التي يعمل فيها حيث تتواجد فلول تنظيم داعش وتنشط الفصائل الكردية المسلّحة المعارضة للنظامين الإيراني والتركي وتتدخل تركيا عسكريا في الإقليم لمطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني.

وطرأ مؤخّرا على الساحة العراقية عامل جديد رفع من أهمية توحيد البيشمركة الكردية وتمثّل في المطالبات الدولية والأميركية تحديدا، للحكومة العراقية بضبط فوضى السلاح وحصره بيد الدولة وحلّ الميليشيات.

ورغم أنّ البيشمركة مؤسسة دستورية وفقا لنصوص الدستور العراقي الذي يعتبر تلك القوات جزءا من منظومة الدفاع الوطني خاصة بإقليم كردستان العراق، إلاّ أنّ انقسامها بين الحزبين الكبيرين الحاكمين في الإقليم يضفي عليها طابعا حزبيا، وهو ما يستند إليه قادة الميليشيات العراقية وأنصار الحفاظ على الحشد الشعبي المشكّل من عدد من تلك الميليشيات في معارضتهم لحل الحشد حيث لم يتردّد البعض بمجرّد أن راجت الأنباء بشأن المطالبات بحلّه في المطالبة بالبدء بحلّ البيشمركة أولا.

3