الولادة المؤلمة تصيب الزوجين باضطراب ما بعد الصدمة

تتشوق المرأة لتجربة الولادة والتمتع بمشاعر الأمومة لكن بمجرد انتهاء عملية الولادة تنتاب بعضهن حالة من الهلع والخوف الشديدين. وقد لا تعترف النساء بالحجم الحقيقي لهذه المشاعر، خشية نظرة الآخرين لهن، وهن لا يدركن أن تجاهل ما يختلج بداخلهن له عواقب وخيمة عليهن وعلى مواليدهن.
لندن - تواجه بعض النساء الحوامل خوفا أكبر من غيرهن قد يصل إلى درجة الهستيريا والاضطراب النفسي اللذين تصعب السيطرة عليهما. وقد يواجهن ما يطلق عليه اسم “اضطراب ما بعد الصدمة” لما عايشنه طوال ساعات الولادة من آلام ومخاوف.
واضطراب ما بعد الصدمة هو اضطراب قلق ناجم عن أحداث مرهقة للغاية أو مخيفة أو مؤلمة وغالبا ما تتم استعادتها (الأحداث) من خلال ذكريات الماضي والكوابيس. وكان أول ظهور لهذه الحالة مرتبطا بعودة الرجال من خنادق الحرب العالمية الأولى بعد أن شهدوا أهوالا لا يمكن تصورها. وبعد مرور أكثر من 100 عام على صمت بنادق ذلك الصراع، لا يزال اضطراب ما بعد الصدمة مرتبطا في الغالب بالحرب وباعتباره شيئا يعاني منه الرجال إلى حد كبير، وفق ما جاء في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية.
ويرسم الكفاح من أجل الولادة بدوره في أذهان النساء أهوالا تظل عالقة لفترة طويلة من الزمن. وتكون أعراض هذا الاضطراب متشابهة بين الناس بغض النظر عن الصدمة التي يتعرضون لها.
ويقول باتريك أوبراين، خبير الصحة العقلية للأمهات في مستشفى الكلية الجامعية والمتحدث باسم الكلية الملكية لأطباء التوليد وأمراض النساء في المملكة المتحدة، “قد تشعر النساء المصابات بالصدمة بالخوف أو العجز أو الرعب حيال تجربتهن ويعانين من ذكريات متكررة وأفكار وكوابيس عن الولادة. وتظل مشاعر الأسى أو القلق أو الذعر تلاحقهن عند التعرض لأشياء تذكّرهن بالحدث”.
ورغم الآثار المحتملة للولادة المؤلمة إلا أنه لم يتم الاعتراف باضطراب ما بعد الصدمة إلا خلال التسعينات، عندما غيرت جمعية الطب النفسي الأميركية وصفها لما يشكل حدثا مؤلما.
رغم الآثار المحتملة للولادة المؤلمة، إلا أنه لم يتم الاعتراف باضطراب ما بعد الصدمة إلا خلال التسعينات
وتعتبر الجمعية في الأصل أن اضطراب ما بعد الصدمة “شيء خارج عن نطاق التجربة الإنسانية المعتادة”. ولكن بعد ذلك غيرت التعريف وأصبح يشمل كل شخص “شاهد أو واجه تهديدا جسديا خطيرا أو أذى لنفسه أو للآخرين واستجاب له بمشاعر الخوف أو العجز أو الرعب”.
وتفسر كاتبة التقرير، سارة غريفثس، أن تعديل التعريف لاضطراب ما بعد الصدمة يعني أن العالم صار واعيا بخطورة ما تواجهه الحامل من مخاوف، أثناء الولادة. وهذا يعني ضمنيا أنه قبل هذا التغيير، كانت الولادة شائعة جدا لدرجة يصعب معها أن تكون مؤلمة للغاية، رغم المضاعفات والتي قد تتسبب في الوفاة.
وتجدر الإشارة إلى وجود أرقام رسمية قليلة حول عدد النساء اللائي يعانين من اضطراب ما بعد الصدمة بعد الولادة. وبسبب الافتقار المستمر للاعتراف بالحالة لدى الأمهات، من الصعب تحديد مدى شيوع هذه الحالة فعليا. ومع ذلك، تقدر بعض الدراسات التي حاولت تقدير المشكلة أن 4 بالمئة من الولادات تؤدي إلى الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة. كما وجدت إحدى الدراسات التي أجريت عام 2003 أن حوالي ثلث الأمهات اللاتي يعانين من “الولادة المؤلمة”، والتي تُعرف بأنها تنطوي على مضاعفات واستخدام الأدوات للمساعدة في الولادة أو مواجهة خطر الموت، يواصلن علاجهن من اضطراب ما بعد الصدمة.
ومع وجود 130 مليون طفل يولدون في جميع أنحاء العالم كل عام، فإن هذا يعني أن عددا مذهلا من النساء ربما يحاولن التغلب على هذا الاضطراب دون أي اعتراف.
وقد لا تكون اضطرابات ما بعد الولادة مشكلة للأمهات فقط، فقد وجدت بعض الأبحاث أدلة على أن الآباء يمكن أن يعانوا من ذلك أيضا بعد مشاهدة شريكة حياتهم أثناء الولادة ويمكن أن يكون هناك تأثير طويل الأمد على حياتهم.
وتقول ليوني داونز، وهي أم من لانكشاير بالمملكة المتحدة، تتلقى علاجا لاضطراب ما بعد الصدمة بعد خوفها من أن تموت عندما تصاب بالإنتان أثناء المخاض “أرى بانتظام صورا حية للولادة في رأسي. أنا في وعي شديد”.
وتقول لوسي ويبر، امرأة أخرى واجهت اضطراب ما بعد الصدمة بعد ولادة ابنها في عام 2016، إنها صارت مهووسة وقلقة للغاية. وأضافت “لا أستطيع ترك طفلي بعيدا عن عيني أو السماح لأي شخص بلمسه”. وتضيف “لقد فكرت في إمكانية حدوث أشياء سيئة جدا لكل الذين أحبهم”.
اضطرابات ما بعد الولادة لا تكون مشكلة للأمهات فقط، فقد وجدت بعض الأبحاث أدلة على أن الآباء يمكن أن يعانوا من ذلك أيضا بعد مشاهدة شريكة حياتهم أثناء الولادة
وترى إليزابيث فورد من جامعة كوين ماري بلندن وسوزان آيرز من جامعة ساسكس، أن النساء اللائي تعرضن لولادة صعبة لن يصاب جميعهن باضطراب ما بعد الولادة. وأكدتا أن الأمر يتعلق كثيرا بتصور المرأة لما مرت به.
وأوضح الباحثون أن “النساء اللائي يشعرن بنقص السيطرة أثناء الولادة أو اللائي لديهن رعاية ودعم سيئان هن أكثر عرضة لخطر الإصابة بالاضطرابات النفسية العصبية”. ويبدو أن قصص النساء المصابات باضطراب ما بعد الصدمة بعد الولادة تعكس هذا.
وتقول ستيفاني، التي تم تغيير اسمها لحماية هويتها، إنها كانت تتلقى رعاية سيئة أثناء المخاض وأظهرت القابلات عدم التعاطف والرحمة. وشهدت عملية شاقة من قبل الموظفين كما تم تسليم ابنها وهو “باللون الأزرق تماما ونُقل بعيدا عن إنعاشه” ولم يتم إعطاؤها أي “معلومات عن حالته لساعات”.
وكشفت إيما سفانبرغ، عالمة نفس سريرية تشارك في حملة “جعل المواليد أفضل”، أن هذا موضوع شائع من النساء اللواتي تستمع إليهن. وتقول “العامل الذي نسمعه مرارا وتكرارا هو قلة اللطف والرحمة من الموظفين”.
وبينت ريبيكا مور، طبيبة نفسية في الفترة المحيطة بالولادة تعمل في دائرة الصحة الوطنية في شرق لندن، “بالنسبة إلى النساء اللائي لديهن تاريخ من الصدمة السابقة – ربما ضحايا الاعتداء الجنسي في مرحلة الطفولة، أو أولئك اللائي سبق أن أصبن باضطراب ما بعد الصدمة أو الاكتئاب أو القلق- فإن خطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة أعلى بكثير، إنها أكثر احتمالا بخمسة أضعاف”.