"الوطن" الجزائرية.. الطاعة مقابل الإعلانات

الصحيفة تعود إلى الصدور بعد اتفاق مع وكالة الإعلانات الحكومية وتغيير خطها التحريري.
الأربعاء 2023/01/04
العودة لها ثمن

تمكنت صحيفة “الوطن” الجزائرية الناطقة بالفرنسية من العودة إلى الصدور بعد اتفاق مع وكالة الإشهار (الإعلانات) الحكومية التي حرمتها من الإعلانات طيلة سنوات، لكن هذه العودة حملت معها عبئا ثقيلا يتمثل في مهادنة الحكومة والانصياع لأوامرها.

الجزائر - أثارت عودة صحيفة “الوطن” الجزائرية إلى الصدور جدلا واسعا في البلاد بعد أشهر من التوقف انتهت بتوقيعها اتفاقا مع الوكالة الوطنية للنشر والإشهار للحصول على الإعلانات، الأمر الذي فسره القراء بالدخول إلى بيت الطاعة الحكومية.

ويتيح الاتفاق للصحيفة ضبط حساباتها (الاستفادة من إعلانات)، في انتظار رفع الحظر عن حساباتها البنكية، المجمّدة بأمر من القضاء منذ شهر مارس الماضي بعد عملية تصحيح ضريبي، عقب عجز الصحيفة عن دفع ما تخلّد بذمتها من مستحقات.

وأعلنت الصحيفة أنها مرت بمصاعب عديدة نتيجة مشاكل مالية، وارتفاع سعر الورق وبلوغه ألف دولار للطن الواحد في الأسواق العالمية. واضطرت إلى التوقف عن الصدور كما توقف تحديث موقعها الإلكتروني منذ ديسمبر 2021، وأوشكت على إغلاق أبوابها بسبب “التضييق الممارس عليها من السلطات فيما يخص الإعلانات، بعدما اختارت صف المعارضة”.

وتواجه الصحافة الجزائرية المستقلة أزمة وجودية؛ حيث أجبرت الكثير من العناوين، التي تم إنشاؤها عندما انفتح المشهد الإعلامي على القطاع الخاص في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، على التوقف عن النشر في العقود الأخيرة.

الصحافة الفرنكوفونية تقلّص حجمها لتمثل اليوم أقل من ثلث منشورات البلاد بعدما كانت تحتل نصف الساحة الإعلامية

ووجدت صحيفة “الوطن” اليومية المرموقة، والتي ظهرت في الجزائر عام 1990، نفسها في مواجهة صعوبات كبيرة؛ فقد انخفض دخلها المالي بشكل كبير منذ أن أنهت الوكالة الوطنية للنشر والإشهار، الموزع الإعلاني الحكومي، عقدها من جانب واحد زمن رئاسة عبدالعزيز بوتفليقة. في الوقت نفسه قررت الصحيفة عدم دعم ولاية رابعة للرئيس آنذاك.

ثم مارست السلطات ضغوطا على الشركات العامة والخاصة -الجزائرية أو الأجنبية- من أجل عدم شراء مساحات إعلانية في صفحات الصحيفة اليومية الناطقة بالفرنسية بسبب خطها التحريري “المستقل”، إلى حد التحرك شيئًا فشيئًا نحو إغلاق “الوطن”.

وفي يوليو الماضي نشرت “الوطن” مقالا بعنوان “إلى قرائنا الأوفياء.. لا صدقة لا امتيازات، فقط الاحترام”، قالت فيه إن حصيلتها السنوية للعام الثاني على التوالي “جاءت سلبية”، وقالت إنها “على حافة الإفلاس”.

وذكرت أنها “اضطرت إلى وقف العديد من المتعاونين معها وإلى بيع بعض مقراتها المحلية بالإضافة إلى فرض اقتطاعات مؤلمة من أجور العمال، بسبب الوضع الذي تعانيه”، كما قالت نقابة العاملين في الصحيفة ضمن بيان سابق إن إغلاق الصحيفة بات ضروريا لأنه “لم يتم تقديم أي خطة لتسوية الأزمة”.

ودخلت إدارة الصحيفة في صراع مع العاملين بسبب الإضرابات.

وقاومت الصحيفة وقف النشر والمضايقات القضائية والإدارية لمدة ثلاثين عاما، وبعد أن حاولت تنمية استقلالها المالي بمطبعة ثم بمقر للشركة لم تتمكن من استخدامه بسبب “عدم الامتثال لمعايير البناء”.

وجاء الاتفاق الحالي بين الصحيفة والوكالة الوطنية للنشر والإشهار ليحل أزمة الصحيفة لكنه لم يأت دون مقابل، فبحسب ناشطين لم يستسيغوا هذا الاتفاق، يعتبر بمثابة إعلان طاعة للحكومة، خصوصا أن الصحيفة اشتكت سابقا من عدم حصولها على صفحات إشهارية من الوكالة.

وقالت قناة المغاربية في تغريدة:

فرد عليها أحد الناشطين:

Algeria19621@

اتركوني أصحح لكم الخبر. إنهم جددوا العقد مع المخابرات والمافيا العسكرية التي تدير الوكالة الوطنية المخابراتية للإشهار…، الوطن أو الحركي بالأحرى كان دائما في خدمة الجنرالات والمافيا العسكرية لكن ابتزوه مجددا وهذه هي النتيجة. من جهة يغلقون راديو “م” ويعطون فلوسا لمن يخدم.

واعتبر مدون على فيسبوك:

وتعاني أغلب الصحف الورقية في الجزائر من أزمة مالية كبيرة بسبب تراجع إيرادات الإشهار التي تعد الوكالة الوطنية للنشر والإشهار مصدرها الأساسي بالنسبة إلى أغلب المؤسسات الإعلامية في البلاد.

وظهرت الأزمة جلية على الصحافة الفرنكوفونية التي تقلّص حجمها لتمثل اليوم أقل من ثلث منشورات البلاد بعدما كانت تحتل نصف الساحة الإعلامية متساوية مع الصحافة الناطقة بالعربية.

واليوم توجد فقط أربع أو خمس صحف يومية تصل إلى طبع 100 ألف نسخة حالياً، بينما كان العدد أكثر من عشرين صحيفة في 2017.

وذكر موقع “سلات” في طبعته الفرنسية أن أكثر من أربعين مطبوعة ناطقة بالفرنسية اختفت تدريجياً من الساحة الإعلامية منذ 1990 -بعضها كان يتمتع برواج كبير مثل “ألجيري أكتواليتيه” و”لو ماتان” و”لوكوتيديان دالجيري” و”ناسيون” و”لا تربون”- بسبب نقصٍ عائدات الإعلانات أو انخفاض المبيعات.

أما آخر صحيفة فرنكوفونية اختفت من الأكشاك فهي يومية “ليبيرتيه” التي توقفت عن الصدور خلال أبريل الماضي بقرار من مالكها رجل الأعمال الجزائري يسعد ربراب، لأسباب مالية كما قال في بيان، وسط ذهول عام بعد ثلاثين سنة من النشاط.

أغلب الصحف الورقية في الجزائر تعاني من أزمة مالية كبيرة بسبب تراجع إيرادات الإشهار

واضطرت صحف “الوطن” و”لوسوار دالجيري” و”لوكوتيديان دوران” إلى تقليص عدد صفحاتها بسبب ارتفاع سعر الورق (قلصت “الوطن” صفحاتها إلى 20 صفحة و”لوسوار دالجيري” إلى 24 صفحة و”لوكوتيديان دوران” إلى 16 صفحة).

وأمام هذا الوضع المتأزم والمستمر، يتساءل كثيرون في الجزائر: هل هناك مخاوف من أن تتوقف صحف مستقلة عن الصدور نهائيا؟ إذ أن وضع الصحف الناطقة بالعربية ليس أفضل حالا، وبالأخص في ظل مشكلة الديون التي باتت تثقل كاهل الصحافة المستقلّة في الجزائر؛ فصحيفة “الخبر” -وهي الصحيفة الأكثر قراءة في البلاد بعد  “الوطن”- أعلنت هي الأخرى حسب الموقع الإخباري “توالا إنفو” عن وجود خطّة لإعادة هيكلتها بغرض مواجهة مصاعبها المادية، وهو ما يعني تسريح العشرات من الموظفين والصحافيين.

ودأبت عدة منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان وحرية الصحافة، مثل “مراسلون بلا حدود”، على دق ناقوس الخطر بشأن وضع الإعلام في الجزائر، حيث “لم يتدهور الإعلام على هذا النحو من قبل”.

وكتبت “مراسلون بلا حدود” أن “القطاع الإعلامي الخاص يعاني منذ عام 2019، واضطر عدد من القنوات الإعلامية والتلفزيونية إلى الإغلاق، لاسيما بسبب حرمان الأجهزة الصحافية من الإعلانات”. بالإضافة إلى ذلك تُمنح الإعانات الحكومية لوسائل الإعلام الحكومية أو وسائل الإعلام الخاصة المقربة من النظام.

وأضافت أن “حرية الصحافة تواجه الخطوط الحمراء لأن مجرد إثارة مواضيع تتعلق بالفساد وقمع التظاهرات يمكن أن يؤدي إلى تهديد الصحافيين واعتقالهم”.

5