الوضع الأمني في الساحل يلقي بأولى تداعياته على الجزائر

فرار عمال إلى الجزائر تحت وقع توسع رقعة الحرب المالية ضد الأزواديين.
الأحد 2024/08/04
تهديدات أمنية متزايدة

تتصاعد مخاوف السلطات الجزائرية من انعكاسات توافد المئات من العمال المنجميين القادمين من تشاد والنيجر على أراضيها، وذلك بعد فرارهم من القصف الجوي الذي نفذه الجيش المالي لملاحقة من يصفهم بـ"الانفصاليين" الأزواديين، فضلا عن إمكانية توسع التهديدات الأمنية وشمولها كامل المنطقة.

الجزائر - اضطر مئات العمال المنجميين من تشاد والنيجر إلى الفرار نحو الأراضي الجزائرية، هروبا من القصف الجوي الذي نفذه الجيش المالي مدعوما من الطيران البوركينابي، في إطار الحرب التي يقودها الجيش النظامي ضد الفصائل الأزوادية، الأمر الذي يضع الجزائر في قلب الرمال المتحركة في المنطقة، خاصة بعد المعارك الأخيرة التي اتُّهمت فيها بدعم الفصائل المذكورة.

ودخل مئات العمال من جنسيات نيجيرية وتشادية إلى بلدة تينزاوتين الجزائرية، فرارا من القصف الجوي الذي نفذه الجيش المالي لملاحقة من يصفهم بـ”الانفصاليين” الأزواديين، بينما ذكر هؤلاء في تسجيلات على شبكات التواصل الاجتماعي أنه عمل انتقامي من الهزيمة التي مني بها خلال الأيام الأخيرة.

وذكرت شهادات من الفارين أن الطيران المالي المدعوم من طرف الجيش البوركينابي استهدف عمالا منجميين وبعض الأفراد المنقبين على الذهب، وهم كلهم مدنيون، حيث قتل منهم نحو 50 عاملا ومنقبا، وأصيب العشرات بجراح متفاوتة الخطورة.

وأفاد هؤلاء بأن الملاحقة العسكرية للماليين تتخذ منحى عنصريا، فالقتل يتم على اللون، وأن دم العنصر الأبيض والناطق باللغة العربية مباح من طرف عناصر الجيش المالي والقوى الداعمة له، كما لم يتوانوا في التعبير عن تضامنهم وتعاطفهم مع السكان الأزواديين.

تقارير مالية تحدثت عن دعم عسكري جزائري للفصائل الأزوادية، ما مكنها من تحقيق انتصار ميداني على الجيش المحلي

وتتوزع بلدة وسكان تينزاوتين على مالي والجزائر، وفي الغالب سكانها من عائلات واحدة، ولذلك كان الفرار إلى الجزائر بمثابة الاحتماء لدى الأهل والدولة التي تحتضنهم، لكن ذلك يشي بنذر تدهور خطير في المنطقة، ستكون الجزائر أول من يتحمل عواقبه نظير استقبالها للمزيد من الفارين من الحرب، خاصة في ظل إصرار الجيش المالي على ملاحقة الفصائل المسلحة والسكان المدنيين، وعدم احترامه لأي شريط عازل يوفر الأمن للمدنيين وللسيادة الجزائرية.

وكانت تقارير مالية قد تحدثت عن دعم عسكري ولوجستي جزائري للعناصر الأزوادية، وهو ما مكنهم من تحقيق انتصار ميداني على الجيش المحلي المدعوم من طرف عناصر فاغنر الروسية، حيث وقع العشرات من هؤلاء بين قتيل وجريح وحتى أسير، فضلا عن تدمير آليات ومعدات برية، وهو ما لم تعلق عليه الجزائر إلى حد الآن.

وأفادت تقارير محلية بأن “طائرات مسيرة تابعة للجيش المالي وجهت 3 ضربات جوية نحو شاحنة كانت تقل أعدادا كبيرة من المواطنين شمالي البلاد متجهين نحو سمقا وهي مدينة حدودية بين الجزائر والنيجر”.

وكشف الناشط أغ شمد عن أن “شهود عيان أكدوا مقتل أكثر من 50 شخصا في الحال، فضلا عن عدد كبير من الجرحى بينهم إصابات خطيرة، ومع غياب المستشفيات والمراكز الصحية في هذه المنطقة الحدودية النائية، تبقى الحصيلة مرشحة للارتفاع بسبب غياب الرعاية الصحية اللازمة، كما أن أغلب الضحايا من قومية الهوسا من النيجر وجنسيات أفريقية أخرى”.

ولا يستبعد أن يكون هؤلاء من مجموعات الهجرة السرية التي تقصد الأراضي الجزائرية، خاصة وأن السلطات الجزائرية يظهر أنها أبدت ليونة تجاه هؤلاء في الآونة الأخيرة، حيث لوحظ ارتفاع عدد الأفراد السمر في ساحات وشوارع مدن جزائرية ساحلية عكس الأشهر الماضية.

كما تؤكد الأحداث على تغلغل النفوذ التركي في المنطقة، ودعمه للسلطات العسكرية الحاكمة في مالي والنيجر، بمعدات وتجهيزات عسكرية، خاصة الطائرات المسيرة، وهو ما يمثل تناقضا صارخا بين الخطاب التركي الداعم للتواجد الإسلامي في عموم العالم، وبين اتفاقيات التسليح والدعم التي أبرمتها أنقرة مع القيادات الجديدة في حكومات الساحل، فضلا عن تناقضها مع ما يعرف بـ”التقارب” مع الجزائر.

الأحداث تؤكد على تغلغل النفوذ التركي في المنطقة، ودعمه للسلطات العسكرية الحاكمة في مالي والنيجر

وكان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف قد عبر في ندوة صحفية عن رفض بلاده لأي حل عسكري للنزاع في مالي، وعاد إلى التأكيد على حتمية وثيقة المصالحة الوطنية التي رعتها الجزائر منذ العام 2015، قبل أن يقرر حكام مالي التخلي عنها من جانب واحد.

وشدد الوزير الجزائري على أن “اتفاق المصالحة في مالي حقق منافع للبلاد، تتمثل في الحفاظ على الوحدة والسيادة وعلى الحل السياسي للأزمة بعيدا عن مخاطر الحرب الأهلية، كما كرس انتماء المكون الأزوادي كواحد من مكونات مالي في إطار السيادة والوحدة الوطنية”.  

ولفت إلى أن ما كانت تخشاه الجزائر وما كانت تحذر منه بات ماثلا الآن أمام الجميع، وهو عودة الصراع المسلح وإمكانية تفكيك وتقسيم البلاد، وأشار إلى أن بلاده تتابع التطورات عن كثب، على أمل انتهاز فرصة أي حل سياسي يسكت صوت الرصاص ويعيد الكل إلى طاولة الحل السياسي.

ولا تزال التأويلات متضاربة بشأن الأسباب الحقيقية وراء النصر الميداني الذي حققته الفصائل الأزوادية على حساب الجيش المالي ومجموعة فاغنر، وإن كانت تتمحور حول وجود قوة خفية وفرت الدعم اللوجستي والعسكري، حيث تحدثت التقارير عن مجموعة من الفرضيات.

2