الوسطاء يوسّعون دائرة التنسيق لسد الثغرات بمبادرات الحل في السودان

المجتمع الدولي بات مقتنعا بأن الارتكان إلى توافق السودانيين لن يتحقق دون وجود ضغوط تساهم في تخفيف الأزمة الإنسانية.
الأحد 2024/07/28
تعدد الوسطاء، لكن من دون نتائج

الخرطوم- وجه وسطاء دوليون في أزمة السودان رسالة إلى قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) في ختام اجتماعاتهم بجيبوتي، لاغتنام فرصة المفاوضات التي أعلنت عنها الولايات المتحدة بجنيف في منتصف أغسطس المقبل.

وثمّن الوسطاء في أكبر تجمع لمناقشة الأزمة أهمية الحراك الدولي والإقليمي الساعي لوقف الحرب، والذي أخذ طريقَا جديّا للضغط على الطرفين المتصارعين، في ظل محاولات لسد بعض الثغرات لإنهاء التلكؤ في الالتزام بما خرجت به مبادرات سابقة من توصيات، ما يبرهن على وجود رؤية واضحة لحل الأزمة السودانية.

واستضافت جيبوتي، يومي الخميس والجمعة، اجتماعات شارك فيها ممثلون عن أكثر من 20 دولة، إلى جانب الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي وهيئة إيغاد، وعدد من المراقبين الدوليين، وركزوا على معالجة الوضع الإنساني والتنسيق لوقف الصراع، ورحبوا بالمبادرة الأميركية لرعاية مفاوضات بين طرفي القتال، ونادوا بحوار سياسي شامل، واستعادة السلام والاستقرار في البلاد.

تأخير جلوس الطرفين لا يعنى عدم الضغط عليهما وأن إمكانية فرض المزيد من العقوبات سيكون أمراً مطروحًا، وفي هذه المرة سيصبح الجانب الحكومي مضطرا لتقديم تنازلات وهو مُرغم عليها

وأشارت مخرجات الاجتماع إلى أن جولة جنيف المقبلة تحظى بإجماع يجعل من الصعب الهروب منها، وهناك قناعة لدى المجتمع الدولي بأن الارتكان إلى توافق السودانيين لن يتحقق دون وجود ضغوط تساهم في تخفيف حدة الأزمة الإنسانية، وتمهد الطريق للوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار.

وعبّر اجتماع جيبوتي عن أن المجتمع الدولي له مصلحة مباشرة لوقف الحرب، لأن تداعياتها باتت وخيمة على الجميع، فمنطقة القرن الأفريقي تعاني من تهديدات أمنية قد تزيد الفوضى بها، ما يشكل خطراً على مصالح دول عديدة.

كما أن حصار الحكومة السودانية في ولايات الجنوب الشرقي من جانب قوات الدعم السريع ترك تأثيراته على الدول المجاورة، في مقدمتها مصر وإثيوبيا وإريتريا، وقد يفتح التوتر الباب لتهديدات جديدة في البحر الأحمر تستفيد منها روسيا وإيران.

وشارك في مؤتمر جيبوتي ممثلون عن دول: الإمارات، قطر، مصر، السعودية، جنوب السودان، موريتانيا، وعدد من مبعوثي بعض الدول الخاصين بالسودان.

وقال عضو تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) محمد الهادي محمود إن الاهتمام الدولي بالأزمة السودانية تضاعف مؤخرا، بما يشير إلى وجود تطورات إيجابية بشأن إرغام طرفي القتال على وقفها مع إصرار كليهما على تحقيق أهدافه العسكرية.

وأشار لـ”العرب” إلى أن دخول الحرب ضمن برنامج عمل الانتخابات الأميركية يفسر جزءا من الاهتمام الدولي الراهن، وأن واشنطن تضع في اعتبارها التطورات التي حدثت خلال محادثات غير مباشرة بين الجيش والدعم السريع في جنيف مؤخرا.

وأضاف أن أهمية اجتماع جيبوتي نبعت من أنه شكّل أداة فاعلة لمنع تشتيت المبادرات وأهدافها، والتوافق على مسار تكون مرجعيته مفاوضات منبر جدة، وأكد حضور أطراف مؤثرة في الحرب الراهنة وجود هدف موحد يتمثل في وقف الحرب، وأن الوسطاء ستكون أدوارهم متمثلة في الضغط على طرفي الصراع لضمان عدم وجود شروط تعجيزية قبل التقاء الطرفين بشكل مباشر في جنيف.

pp

وشدد محمد الهادي محمود في حديثه لـ”العرب” على أن الجيش لم يعلن موافقته النهائية نحو الاستجابة للمبادرة الأميركية، لكن تصريحات لوزارة الخارجية تشي بقبولها ضمنيا، لكنه قد يضع بعض الشروط، ممثلة في طلبه تنفيذ اتفاق حسن النوايا الأول في جدة بشأن انسحاب الدعم السريع من المدن، في حين ثمة بند سيكون على الجيش تنفيذه بشأن إلقاء القبض على أعضاء النظام السابق ممن تورّطوا في أعمال عنف.

وقالت وزارة الخارجية السودانية إنها تلقت دعوة من الولايات المتحدة للمشاركة في محادثات لوقف إطلاق النار ستُعقد في مدينة جنيف، وستقوم بإجراء مشاورات لاتخاذ قرار بشأن كيفية الرد على هذه الدعوة من حيث الشكل والمضمون.

وأكد المحلل السياسي السوداني علي الدالي أن المجتمع الدولي لديه إصرار على إدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة الطرفين، لأن التقارير الصادرة عن المبادرات الأممية والدولية وغرف الطوارئ المنتشرة في جميع المناطق تشير إلى معاناة السودان مما يشبه المجاعة، ووجود ندرة غذائية في العديد من المناطق، ما جعل أولوية المجتمعين في جيبوتي وقف الحرب ولو بشكل مؤقت لدخول المساعدات.

مخاوف من قيام وزارة الخارجية بوضع عراقيل للجلوس إلى طاولة مفاوضات واحدة مع الدعم السريع، ما يمكن أن يؤخر انطلاق المفاوضات في موعدها المحدد

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الولايات المتحدة ومن خلفها المؤثرون الإقليميون يتجهون نحو حل الأزمة السودانية عبر حلول مجربة في السابق، وتحديداً أثناء الحرب مع جنوب السودان (قبل انفصاله)، وأن منح أولوية للمساعدات ووقف إطلاق النار فتح الباب لاتفاق دائم ما بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان عام 2002 عبر اتفاق “ماشاكوس”، وهناك مساع الآن لإعادة هذا السيناريو.

وذكر أن الآمال تنعقد في الشارع السوداني على الاتجاه نحو سلام أضحى صوته مرتفعًا، بالتزامن مع ضغوط دولية قوية لوقف إطلاق النار، ما يجعل الأزمة في طريقها إلى حل يسير وفق رؤية أميركية تستخدم سياسة العصا لدفع الطرفين نحو المفاوضات وفرض رؤية دولية متفق عليها يصعب التهرب منها، الأمر الذي ترجمته اجتماعات جيبوتي التي أيدت المبادرة الأميركية.

ويتخوف متابعون من قيام وزارة الخارجية بوضع عراقيل للجلوس إلى طاولة مفاوضات واحدة مع الدعم السريع، ما يمكن أن يؤخر انطلاق المفاوضات في موعدها المحدد في الرابع عشر من أغسطس. لكنّ هؤلاء المتابعين يرون أن تأخير جلوس الطرفين لا يعنى عدم الضغط عليهما وأن إمكانية فرض المزيد من العقوبات سيكون أمراً مطروحًا، وفي هذه المرة سيصبح الجانب الحكومي مضطرا لتقديم تنازلات وهو مُرغم عليها.

ومنذ اندلاع الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع منتصف أبريل 2023، طرحت أطراف دولية وإقليمية نحو تسع مبادرات لوقف الحرب، أخفقت جميعها في حل الأزمة، مع أنها عرضت حلولا وخطوات عدة لوقف الحرب وتوصلت إلى مقررات شملت عقد لقاء مباشر بين قائدي الجيش والدعم السريع، لم يتم تنفيذه.

وتضمنت المخرجات السابقة الالتزام بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية، وانسحاب القوات المسلحة من المستشفيات، والسماح بدفن الموتى باحترام، ووقف إطلاق النار الدائم وإخراج قوات طرفي القتال إلى مراكز تجميع تبعد 50 كيلومترا عن المدن ونشر قوات لحراسة المؤسسات الإستراتيجية، والبدء في عملية سياسية لتسوية الأزمة بشكل نهائي، والقبض على الفارين من السجون بعد الحرب، وتسليم المطلوبين لدى الجنائية للعدالة الدولية.

4