الوساطة لا تحمي قطر ومصر من غضب إسرائيل بعد الحرب

نتنياهو يريد من الدوحة والقاهرة الضغط على حماس لإطلاق سراح المحتجزين وليس الحياد.
السبت 2024/05/25
الولايات المتحدة دائما تربط دور مصر بأنها بوابة غزة

القاهرة - من حين إلى آخر ترسل إسرائيل رسائل مبطنة تلمّح إلى غضبها على الوسيطين قطر ومصر بسبب عجزهما عن الضغط على حركة حماس وإلزامها بتسليم المحتجزين الإسرائيليين، وهو ما يزيد التكهنات بأن مرحلة ما بعد الحرب ستدفع حكومة بنيامين نتنياهو إلى مراجعة العلاقة مع الدوحة والقاهرة.

وتعاملت قطر ومصر مع الوساطة على أنها وقوفٌ على الحياد بين إسرائيل وحماس ومساواةٌ بين الطرفين، وهو ما يُغضب الإسرائيليين الذين لا يرون داعيًا إلى مساواة “الأصدقاء” بينها هي كدولة وبين حركة مصنفة “جماعة إرهابية” في إسرائيل والولايات المتحدة وفي عدد من دول الإقليم، ومن بينها مصر نفسها قبل أن تراجع موقفها لاحقا.

وتريد إسرائيل من الوسيطين اللذين تربطهما بها علاقات وطيدة أن يمارسا الضغوط على حماس وليس فتح الباب أمامها للمناورة وربح الوقت وتنويع الشروط، ما يجعل حياد قطر ومصر تجاه حماس أقرب إلى دعم الحركة وتسهيل تنقل قياداتها والالتقاء بينهم تحت مظلة الوساطة، وفسح المجال لإطلاق التصريحات الدعائية، وتقديم الحركة في موقف قوة وإظهارها صاحبة مبادرة؛ مثلما حصل قبل ثلاثة أسابيع حين أعلنت من جانب واحد أنها قبلت ما قُدّم لها من تعديلات على مبادرة التهدئة، واحتفت لذلك إعلاميّا وشعبيّا.

واتهمت دوائر إسرائيلية مصر بأنها قدمت إلى حماس تعديلا غير متفق عليه على نص المبادرة لتلتقطه الحركة وتعلن عن تحقيق نصر من بوابة المفاوضات، ما أثار غضب الإسرائيليين الذين اتهموها بـ"تغيير شروط صفقة وقف إطلاق النار"، مثلما أشار إلى ذلك موقع "سي إن إن".

وتراجعت مصر بسرعة عن تلويحها بوقف الوساطة بعد أول تعليق من الإسرائيليين عبروا فيه عن أنهم يريدونها أن تبقى وسيطا، في حين يقول مراقبون إن الغضب المصري المعلن من الاتهامات الإسرائيلية، وقبلها من عدم الأخذ بمحاذيرها الأمنية عند السيطرة على معبر رفح وعلى محور فيلادلفيا، هو أقرب إلى العتاب واللوم.

◙ ما إن ينتهي دورها كوسيط ستتحول قطر إلى هدف لإسرائيل فيما تخسر مصر مزايا دورها كشريك للسلام

وتُظهر الاستجابة المصرية السريعة لطلب إسرائيل أن تعود القاهرة إلى الاضطلاع بدور الوساطة حقيقة أن مصر لا ترى نفسها خارج معادلة السلام مع إسرائيل، وقد بنت مقاربتها الأمنية الداخلية ودورها الإقليمي على هذا الأساس.

ومن الصعب على القاهرة أن تخسر مزايا هذا الوضع من ناحية الاهتمام الأميركي وما يتبعه من مساعدات عسكرية واقتصادية وكذلك المقبولية التي تحصل عليها في أوساط اللوبي الداعم لإسرائيل في الولايات المتحدة، وما يجلبه إليها خيار السلام من مساعدات وتسهيلات مالية دولية وإقليمية كانت مهمة وضرورية لإخراجها من أزمة اقتصادية حادة.

وسعت الولايات المتحدة إلى ربط دور مصر بكونها بوابة لغزة ولم تذهب بعيدا في الحديث عن دور مصري مع الفلسطينيين، وهو ما لا يتماشى مع الدور الذي تريده القاهرة لنفسها كوسيط رئيسي.

ولئن لم تعلن إسرائيل بشكل صريح عن غضبها على مصر، واكتفت بالإشارات التي التقطها المصريون سريعا، فإن وضْع قطر مختلف؛ فقد اتهمها نتنياهو علنًا بدعم حماس وعدم الضغط عليها لإطلاق سراح المحتجزين، وأن دورها في صفقة التبادل مع حماس “يمثل إشكالية”.

ورغم أن القطريين وصفوا كلام نتنياهو بالمهاترات ودعوه إلى التركيز على المفاوضات، إلا أنهم يعرفون أن نتائج اتهامات رئيس الوزراء الإسرائيلي لن تمر دون عواقب، وأنها ستثير ضدها ردود فعل سلبية في الولايات المتحدة خاصة عقب نهاية الحرب حين ينتهي دورها كوسيط وتتحول إلى هدف لإسرائيل ومن يدعم الإسرائيليين في الولايات المتحدة.

والخطأ الذي وقعت فيه الدوحة هو أنها كانت تعتقد أن دور الوسيط سيحميها من غضب إسرائيل، وأن الولايات المتحدة يمكن أن تختار الوقوف إلى جانبها في هذه المعركة.

وتلوّح قطر بأنها يمكن أن تتخلى عن الوساطة، لكنها تحرص أن تكون حاضرة عندما يكون الطرف الإسرائيلي حاضرا في الاجتماع مثلما هو الشأن بالنسبة إلى لقاء باريس الذي ينتظر أن يجمع السبت رئيس وزراء قطر وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز، ورئيس الموساد ديفيد برنيا في مسعى لإحياء المفاوضات.

◙ الاستجابة المصرية السريعة لطلب إسرائيل أن تعود القاهرة إلى الاضطلاع بدور الوساطة تُظهر حقيقة أن مصر لا ترى نفسها خارج معادلة السلام مع إسرائيل

ولاقى انتقادُ نتنياهو قطر على عدم الضغط على حماس لتسهيل إطلاق سراح المحتجزين صدى في دوائر صنع القرار بالولايات المتحدة، وظهرت أصوات تطالب الدوحة بقطع التمويل عن حماس وطرد قادتها خارج قطر، محذرة من أن الأميركيين سيعيدون تقييم علاقتهم معها، ما قد ينتهي إلى مراجعة تصنيف قطر كدولة صديقة. وهدد عضو الكونغرس ستيني هوير بإعادة تقييم العلاقات الأميركية – القطرية إذا لم تضغط الدوحة على حماس لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين.

وفي مسعى لتبرئة الذات قالت السفارة القطرية في واشنطن ضمن منشور على منصة إكس إن “قطر لا تدفع لحماس”، وإن “نتنياهو شجع لسنوات الدعم المالي القطري للقطاع”، لافتة إلى أنه “بالتنسيق الكامل مع حكومة إسرائيل، ساهمت قطر بالمساعدات الإنسانية في غزة منذ عام 2018”.

وأشارت إلى شراء الوقود من إسرائيل بهدف تزويد محطة كهرباء غزة لتوليد الكهرباء في القطاع، تحت إشراف مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، إذ أن الحكومة الإسرائيلية توافق على جميع عمليات نقل الوقود على حدود غزة.

وتريد الدوحة من وراء الزج بنتنياهو في مسألة تسهيل التمويلات لغزة، وبشكل غير مباشر لحماس، وربط إيوائها قادةَ حماس بطلب واشنطن، أن تتجنب التصعيد ضدها من قبَل أنصار إسرائيل. ويتخوف القطريون من أن تطلق عليهم إسرائيل، التي لديها تأثير كبير في الداخل الأميركي، اللوبيات المؤيدة لها في واشنطن، ما يهدد مصالحهم الاقتصادية والمالية.

وكان منتدى الشرق الأوسط الذي يُحسب على اللوبي اليهودي الأميركي قد وجه رسائل إلى 12 شركة وصندوق تحوط، يحثها فيها على قطع علاقاتها الاستثمارية مع جهاز قطر للاستثمار. وأطلق المنتدى حملة رقمية على موقعه الإلكتروني يحث من خلالها “شركات الاستثمار الأميركية والشركات الخاصة على قطع علاقاتها الاستثمارية مع قطر ردا على دعمها مذبحةَ حماس في إسرائيل”.

اقرأ أيضا: 

غزو رفح.. والحرب الباردة بين مصر وإسرائيل

كيف ردت إسرائيل على الاعتراف بالدولة الفلسطينية

غزة.. قراءة في متغيرات الأزمة

1