الوساطة تتحول إلى مصدر إحراج لمصر وقطر في ظل تشكيك حماس في النوايا الأميركية من المفاوضات

صعّدت حركة حماس من لهجتها تجاه الإدارة الأميركية، مشككة في نوايا واشنطن حيال المفاوضات الجارية، لاسيما بعد التعديلات التي أدخلت مؤخرا على بنود التسوية، يأتي ذلك في ظل تحضيرات لاستئناف المفاوضات التي من المرتقب أن يشارك فيها وزير الخارجية أنتوني بلينكن في القاهرة.
القاهرة - تحولت الوساطة في الصراع الدائر في غزة إلى مصدر إحراج بالنسبة إلى مصر وقطر، في ظل إشارات لحركة حماس تفيد بأن المفاوضات الجارية تخدم مصالح إسرائيل واستمرار حربها على غزة.
ومنذ اندلاع الحرب في القطاع في أكتوبر الماضي، انخرطت القاهرة والدوحة إلى جانب واشنطن في وساطة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين حماس وإسرائيل، وإنهاء معاناة سكان القطاع، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
ولم تحرز تلك المحادثات أيّ تقدم، وسط مخاوف دولية من اتساع نطاق الحرب، لاسيما في ظل التصعيد القائم على الجهة المقابلة بين إسرائيل ومحور إيران.
وشنت حركة حماس الثلاثاء هجوما على الرئيس الأميركي جو بايدن، متهمة إياه بالتضليل، حينما صرح بأن الحركة “تتراجع” عن خطة التسوية في غزة.
يأتي ذلك في ما وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى مصر، وأجرى محادثات مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على أن يشارك لاحقا في جولة مفاوضات جديدة بشأن غزة، سيحضرها الطرف الإسرائيلي وأيضا الوسيط القطري.
حماس تتمسّك بالخطة التي أعلنها بايدن في مايو، داعية الوسطاء إلى إلزام إسرائيل بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه
وكان بايدن صرّح للصحافيين في مطار شيكاغو بعد إلقائه كلمة خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي بأن التسوية المقترحة من أجل إحلال هدنة في قطاع غزة “ما زالت مطروحة، لكن لا يمكن التكهن بأيّ شيء”، مضيفاً أن “إسرائيل تقول إن بإمكانها التوصل إلى نتيجة.. وحماس تتراجع الآن”.
وقالت حماس في بيان “تابعنا.. باستغرابٍ واستهجان شديدين، التصريحات الصادرة عن الرئيس الأميركي والتي ادعى فيها أن الحركة تتراجع عن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك بعد ساعات من دعوة وزير خارجيته (أنتوني) بلينكن للحركة للقبول بالمقترح الأخير”.
واعتبرت الحركة في بيانها أن “تصريحات بايدن وبلينكن هي ادعاءات مضلّلة، ولا تعكس حقيقة موقف الحركة الحريص على الوصول إلى وقفٍ للعدوان”.
وأضافت حماس “هذه التصريحات تأتي في إطار الانحياز الأميركي الكامل للاحتلال الصهيوني، والشراكة الكاملة في العدوان وحرب الإبادة على المدنيين العزل في قطاع غزة، ومحاولات تصفية قضيتنا الوطنية”، معتبرة التصريحات “ضوءا أخضرَ أميركياً متجدّداً لحكومة المتطرفين الصهاينة لارتكاب المزيد من الجرائم بحقّ المدنيين العزّل، وسعياً وراء أهداف إبادة وتهجير شعبنا”.
وبعد جولة مفاوضات أقيمت في العاصمة القطرية الدوحة الأسبوع الماضي، تتمسّك الحركة الفلسطينية بتنفيذ الخطة التي أعلنها بايدن نهاية مايو، داعية الوسطاء بما يشمل مصر وقطر إلى “إلزام الاحتلال بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه”.
المحادثات لم تحرز أيّ تقدم وسط مخاوف دولية من اتساع نطاق الحرب
وفي هذا السياق، قالت حماس إن “ما تم عرْضه مؤخراً على الحركة، يشكل انقلاباً على ما وصلت إليه الأطراف في الثاني من يوليو الماضي، والمرتكز على إعلان بايدن نفسه في 31 مايو، وقرار مجلس الأمن رقم 2735 (11 يونيو)، وهو ما يُعَدّ استجابة ورضوخاً أميركياً لشروط الإرهابي نتنياهو الجديدة”.
ونصّ مقترح بايدن في مرحلة أولى على هدنة مدتها ستة أسابيع يرافقها انسحاب إسرائيلي من المناطق المأهولة في غزة والإفراج عن رهائن، وتتضمن مرحلتها الثانية انسحابا إسرائيليا كاملا من القطاع.
لكن تمت إضافة تعديلات أميركية جديدة على المقترح اعتبرتها الحركة انقلابا في علاقة بانسحاب إسرائيل من القطاع.
وتتمسك إسرائيل بالتواجد في القطاع لاسيما في محور فيلادلفيا الحدودي بين مصر وغزة، وممر نتساريم الذي يقسم القطاع إلى قسمين.
ويرى مراقبون أن قطر ومصر في وضع محرج، نتيجة الموقفين الإسرائيلي والحمساوي، وتخشى الدوحة أو القاهرة أن تظهرا أمام الرأي العام الفلسطيني والعربي في ثوب المؤيد لما يحاول أن يفرضه الجانب الإسرائيلي من خلال الجانب الأميركي، وهو ما تحاول حماس الإيحاء به، بقولها الثلاثاء إن الإخوة الوسطاء في مصر وقطر يعلمون أن “الحركة تعاملت بكل إيجابية ومسؤولية في كل جولات المفاوضات السابقة، وأن نتنياهو كان دائماً من يعرقل الوصول إلى اتفاق، ويضع شروطا وطلبات جديدة”.
وبدا أن هناك عتبا من الحركة الفلسطينية على قطر ومصر، بسبب صمتهما حيال ما يدور في كواليس المفاوضات.
رؤية مصر وجميع دول الإقليم تجاه مستقبل استقرار الشرق الأوسط، تتأسس على إيجاد حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية
وخلال لقائه بنظريه الأميركي في القاهرة أعرب وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي عن “أمله في أن تشهد الجولة القادمة من المفاوضات رغبة سياسية إسرائيلية صادقة لوقف الحرب على القطاع”، معتبرا ذلك “السبيل الوحيد” لوضع حد للمعاناة الإنسانية التي يشهدها قطاع غزة والحيلولة دون خروج الوضع الإقليمي عن السيطرة.
وبحسب بيان للخارجية المصرية فقد أكد عبدالعاطي لبلينكن أن “رؤية مصر وجميع دول الإقليم تجاه مستقبل استقرار الشرق الأوسط، تتأسس على إيجاد حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية، وضمان إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”.
من جانبه، أعرب بلينكن عن “اتفاقه مع رؤية مصر الساعية لسرعة التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وتقديره لجهود الوساطة والمساعي التي تبذلها مصر في هذا الشأن”، وفق المصدر المصري.
وأشار بيان الخارجية المصرية إلى أن عبدالعاطي أحاط بلينكن “بنتائج الاتصالات والزيارات التي قام بها مؤخرا لاحتواء التصعيد الإقليمي والتحذير من مخاطره المحدقة على دول المنطقة وعلى مصالح أطراف دولية عديدة”.
من جهته أكد سامويل وربيرج، المتحدث باسم الخارجية الأميركية، أن اجتماعات بلينكن في القاهرة ركّزت على الجهود المستمرة في خفض التصعيد بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بالتنسيق مع مصر وقطر للوصول إلى اتفاق بين حركة حماس وإسرائيل، متمنيًا الوصول إلى اتفاق بين الطرفين، وهو ما يتوقع حدوثه خلال الأيام المقبلة.
وحول العقبات التي تواجه الخارجية الأميركية في حل الأزمة حتى الآن، وخصوصًا أن إدارة بايدن شريك لإسرائيل من خلال الدعم العسكري واللوجيستي الكامل، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية لـ”القاهرة الإخبارية”، “نحن نبذل ما في وسعنا مع مصر وقطر لإنهاء تلك الحرب”.
وأشار إلى أن العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة لم تبدأ منذ 7 أكتوبر الماضي، بل لدينا علاقات منذ 75 عامًا، ولهذا ترى واشنطن أنه يجب أن نركز على كل الجهود الرامية لإنهاء تلك الحرب.
وأضاف وربيرج أن وزير الخارجية الأميركي أشار إلى أن “هناك فجوات كبيرة بين طرفي النزاع، ولهذا قدمت الولايات المتحدة مقترحًا لسد تلك الفجوات من أجل وقف إطلاق النار، كما أننا نتواصل مع مصر وقطر لتحقيق هذا الهدف، حيث إنه من المتعارف عليه أننا لسنا على تواصل مباشر مع أطراف حركة حماس وبالرغم من عدم وجود هذا التواصل إلا أن لدينا ثقة في الحكومتين المصرية والقطرية”.