الورقة المالية وسيلة ضغط فعالة بيد بغداد للتدخل في شؤون سلطات كردستان العراق

المال والاقتصاد اللذان لطالما استخدما كوسيلة ضغط من قبل أحزاب وفصائل حاكمة في العراق على سلطات إقليم كردستان العراق على خلفية سياساتها وتوجّهاتها غير الملائمة في الكثير من الأحيان لتوجهات تلك الأحزاب والفصائل، تبرز مجدّدا كجسر للتدخل في عملية إعادة تشكيل حكومة جديدة للإقليم ومحاولة تفصيلها على مقاس القوى الشيعية وحلفائها المحليين داخل الإقليم ذاته.
أربيل (العراق) - عادت الورقة الاقتصادية والمالية لتبرز كوسيلة ضغط ممكنة وشديدة التأثير على أوضاع إقليم كردستان العراق في فترة حساسة يدخل خلالها مسار إعادة تشكيل سلطاته في ضوء ما أسفرت عنه نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت مؤخّرا.
وحذّرت جهات اقتصادية كردية عراقية الخميس من شلّ الحركة التجارية في كردستان جرّاء قيود وضعتها الحكومة العراقية على حركة البضائع عبر منافذه الحدودية، وذلك في وقت أظهرت فيه سلطات الإقليم مرونة وتفاعلا مع القرارات التي اتخذتها بغداد بشأن عملية تصدير النفط المنتج محليا آملة في أن يخفف ذلك من ضائقتها المالية.
وتساور دوائر سياسية في الإقليم مخاوف من استخدام تلك الورقة من قبل الأحزاب والفصائل النافذة في السلطة الاتحادية العراقية كوسيلة للتدخل في عملية تشكيل الحكومة الجديدة لكردستان العراق بما يزيد من تعقيد العملية وإطالة أمد التفاوض بشأنها ويضع الإقليم أمام محذور الفراغ في فترة حساسة ومتوتّرة محليا وإقليميا.
وتقيم أحزاب وفصائل شيعية عراقية ذات نفوذ كبير في حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تحالفا مع الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني ولا تخفي دعمه في تنافسه مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني.
رجال أعمال وصناعيين أكراد يحذرون من شلل قد يصيب الوضع التجاري في إقليم كردستان بسبب قرارات صادرة من حكومة بغداد الاتحادية
ويريد الاتحاد تعظيم دوره في قيادة الإقليم على حساب غريمه الديمقراطي، وسبق له أن أظهر بشكل عملي اعتماده على حلفائه العراقيين في تحقيق ذلك الهدف.
وعلى هذه الخلفية لا يستبعد متابعون للشأن العراقي أن يلجأ هؤلاء الحلفاء بشكل مكثّف لاستخدام العوامل المالية والاقتصادية خلال الفترة القادمة للضغط على الحزب الديمقراطي باعتباره القائد الرئيسي لسلطات الإقليم، خصوصا وأن حزب طالباني سبق له أن أظهر قدرا كبيرا من التوافق بشأن مسائل تتعلق بالمال والاقتصاد مع أبرز الفصائل والأحزاب المتحكمة في قرار الحكومة الاتحادية.
وتجسّد ذلك في قضية رواتب موظفي الإقليم التي انحاز فيها الاتحاد لرواية بغداد المشككة في سلامة عملية توزيعها من قبل حكومة مسرور بارزاني على مستحقيها وأيّد بقوة عملية “توطينها” التي تعني دفعها عن طريق بنوك ومصارف اتّحادية، كما انحاز لمطالبة بغداد بتحويل الموارد المالية التي تتأتى ذاتيا للإقليم من المنافذ الحدودية وغيرها إلى السلطات الاتحادية لاحتسابها ضمن أموال الموازنة التي يحصل إقليم كردستان على حصة منها لم تنقطع بعض الأطراف السياسية العراقية عن إثارة المشاكل بشأنها من خلال الدعوة إلى تقليصها على اعتبار أنّ الإقليم يحصل على أكثر مما يستحق على حساب محافظات عراقية منتجة للنفط وتقول تلك الأطراف إنّها أولى بعائداته.
وحذّرت غرفة تجارة وصناعة أربيل ومجموعة من رجال الأعمال والصناعيين الأكراد، الخميس، من شلل يصيب الوضع التجاري في إقليم كردستان بسبب قرارات صادرة من حكومة بغداد الاتحادية. جاء ذلك تعليقا على صدور قرار اتّحادي بمنع دخول بضائع إقليم كردستان إلى وسط العراق وجنوبه.
وقال رئيس الغرفة كيلان حاجي سعيد في مؤتمر صحفي عقده مع عدد من رجال الأعمال والصناعيين في أربيل إن “العوائق الموضوعة أمام البضائع في المنافذ الحدودية ستكون لها أضرار كبيرة على التجار وأصحاب العمل في إقليم كردستان وستؤدي إلى شل الوضع التجاري”. وأضاف أن “هذه العوائق وضعت بقرار من رئيس الوزراء الاتحادي محمد شياع السوداني ولذلك نطالبه بالاستماع لمطالب التجار وإلغاء القرارات التي تؤثر على انسيابية التجارة والمبادلات”.
وتقود حكومة بارزاني جهودا مستمرة لحلّ المشاكل الاقتصادية والمالية العالقة مع الحكومة الاتحادية سواء تعلّق الأمر بموضوع الرواتب أو باستئناف تصدير نفط الإقليم المتوقف منذ السنة الماضية.
وكان الإقليم يصدّر يوميا 450 ألف برميل من النفط عبر ميناء جيهان التركي لكن دون موافقة الحكومة الاتحادية العراقية. وقد توقّفت هذه الصادرات في مارس 2023 بعدما أصدرت هيئة تحكيم دولية قرارا لصالح بغداد منعت بموجبه أيّ تصدير لنفط الإقليم إلا من خلال شركة النفط التابعة للحكومة الاتحادية سومو.
وقال المتحدث باسم حكومة الإقليم بيشوا هوراماني إنّ الحكومة لم تضع أيّ قيود على استئناف صادرات النفط من الإقليم. وذكر أن رئيس الحكومة مسرور بارزاني كان على تواصل مستمر مع رئيس الحكومة الاتحادية محمد شياع السوداني وقد أسفر ذلك عن نتائج إيجابية.
الاتحاد يريد تعظيم دوره في قيادة الإقليم على حساب غريمه الديمقراطي، وسبق له أن أظهر بشكل عملي اعتماده على حلفائه العراقيين في تحقيق ذلك الهدف
ووافقت الحكومة العراقية في وقت سابق من الأسبوع الجاري على أن تشكّل بالاشتراك مع حكومة الإقليم جهة استشارية فنية دولية متخصصة تُعهد إليها مسؤولية تحديد تكاليف الإنتاج والنقل التي يفترض أن تُدفع لشركات النفط في الإقليم.
وبموجب قرار مجلس الوزراء العراقي فإنّ تحديد تلك التكاليف يجب أن يتمّ في غضون شهرين. وفي الانتظار، قرّرت بغداد أن يتمّ خلال مدة الشهرين اعتماد سعر 16 دولارا للبرميل كـ”تعويض لحكومة إقليم كردستان العراق من النفقات السيادية عن كلف الإنتاج والنقل، وعن كميات النفط المنتجة في الإقليم”.
ويُنظر إلى حرص حكومة بغداد على السيطرة على حركة تصدير نفط كردستان العراق بأنّه عامل محدّد في حرمان الإقليم من السيطرة على موارده وتقييد قدرته على تمويل ذاته واستدامة ارتهانه للسلطات الاتحادية وإبقائه تحت الضغوط بهدف التحكّم في سياساته وخصوصا منها الإقليمية والدولية.
وفي موضوع ذي صلة بالمسائل المالية عرض المتحدث باسم حكومة الإقليم لقضية رواتب الموظّفين معلنا أن فريقا من وزارة المالية والاقتصاد في حكومة كردستان موجود في بغداد لمناقشة ملاحظات وزارة المالية الاتحادية حول هذا الملف.
وأشار إلى أنّ فريق الوزارة شرع في إجراء مفاوضات مع السلطات الاتحادية بهدف تأمين صرف رواتب شهر أكتوبر خلال الأيام القليلة القادمة. وتتخذ قيادة الاتحاد الوطني من ملف الرواتب ورقة ضغط رئيسية لتحقيق مكاسب سياسية بعد تحقيق حزبها المرتبة الثانية في الانتخابات.
واستخدم الاتحاد نفوذه لمنع الموظفين في مناطقه من استخدام نظام يعرف بـ”حسابي” أنشأته حكومة الإقليم لتسهيل صرف الرواتب، ويتمسّك بأن يتم الصرف عبر فروع بنوك اتحادية رغم عدم توفّرها بالعدد الكافي في تلك المناطق. ويحظى الاتحاد في معركة الرواتب تلك بدعم أحزاب وفصائل شيعية عراقية كانت قد وقفت أصلا وراء استصدار قرار قضائي بشأن التوطين.
وأكد هوراماني أن مشروع “حسابي” بصدد التنفيذ وأنّه “تم تسجيل نحو 700 ألف موظف ضمنه ومن المقرر أن يتلقى 200 ألف موظف رواتبهم عبر هذا الحساب خلال الشهر الحالي”، مؤكدا أنّ خطة الحكومة تهدف إلى تسجيل جميع الموظفين في المشروع بحلول نهاية العام الجاري.