الوجوه المشوهة للنساء طريقة لنقد الواقع

دمشق - تستخدم الفنانة السورية ليزا علي غازي كل الألوان في التعبير عن مكنوناتها التي تؤديها موهبتها الفنية بشكل عفوي وفق الأسس الفنية والألوان الملائمة للموضوع، وهي في هذا لا تشذ عن غيرها من الفنانات العربيات اللواتي تميزت أعمالهن بطرق خاصة في التعامل مع اللون مختلفة جذريا عن طرق الفنانين الرجال.
الفن التشكيلي النسائي في الوطن العربي فن متطور وله مسيرة طويلة ورائدات استطعن أن يؤسسن لذلك الفن قاعدة متينة، على الرغم من أن الواقع العربي على مدى التاريخ مر بظروف سياسية واجتماعية صعبة وكانت المرأة أولى ضحاياها، لكن هذه الظروف لم تكن عائقا أمام إبداع الفنانات العربيات، بل كانت بمثابة رافد يجدد التجارب الفنية.

ليزا غازي: الفن تجربة ذاتية ولكل لون خصوصيته؛ فالأزرق للطمأنينة والأحمر للمحبة والأخضر للراحة والهدوء
فعندما لحقت المرأة بركب الإبداع جعلت لنفسها ركنا خاصا تميّزت به عن الفن الذكوري، ركنا تميز بالرقة والعفوية الأنثوية والأمومة. ومن خلال الملاحظة والاطلاع على المنجز الفني للمرأة سنلاحظ أيضا لمسة خاصة وروحا مختلفة تميل إلى شيء من الحزن، وإن كانت اللوحة ملتهبة بألوان الفرح، وهو انعكاس لواقع المرأة العربية الذي ما زال يعاني من حصار النزعة الأبوية والذكورية.
ولئن كانت النساء في أغلب الأحيان مواضيع فنية، بدلا من أن يكنّ فنانات، فقد صار للمرأة حضور مختلف في الفن التشكيلي كمنتج، فيما تقدم الفنانات على غرار غازي صورا أخرى للمرأة من منظور المرأة نفسها وبأساليب مبتكرة وألوان تمثل بصمة الفنانة نفسها.
تقول غازي “أنا أستخدم الألوان الزيتية والمائية والأكريليك؛ فالزيتي يمنح اللوحة القوة والحياة والاستمرار والأكريليك يخدمني في المساحات الواسعة والتعامل معه أكثر سهولة، ولا بد من التعاطي مع أغلب الألوان بما يتناسب مع الحالة النفسية ومتطلبات البناء الفني، وأنا أرتاح للأزرق كلون شكلي أراه للطمأنينة والأحمر للمحبة والأخضر للراحة والهدوء، فلكل لون خصوصيته”.
وتبين غازي أن “الحالة التعبيرية إغراق في الذاتية، فهي تغوص في نفس الفنان وشعوره الباطني وتبتعد عن نسخ الواقع كما هو، بل تقوم بتصوير الواقع من خلال الأثر الذي يحدثه في النفس، لذلك قد يبدو الواقع مشوها فتفسح المجال أمام التأويل، لذلك أعتقد أنها أقرب إلى الحداثة وأنا أميل إليها أكثر”.
وتتابع الفنانة غازي “أنا لا أملك رأيا محددا وحاسما في الفن التشكيلي في الوقت الحاضر، فأنا في موضع من يتساءل ويبحث. وأنا أصغي إلى نفسي، إلى الجانب الخفي من نفسي، ولا أنطلق من نظرية أقررها مسبقا”.
وفي اعتقادها أن الفن في حد ذاته هو المعيار الأول والأهم للمستوى الحضاري والإنساني الذي نعيشه، ولا شك أن الإبداع لا يمكن أن يصدر إلا من موهبة فذة. لكن الموهبة دون رعاية تتوقف عن النمو وبالتالي تضمحل وتموت، فهي لا تتطور إلا بالعطاء والتنمية والتثقيف، وهي لا تعتمد على المؤسسة التعليمية كليا وتتأطر داخلها، فالصحيح أن يعمل الإنسان على ما يخصه في تجربته الفنية ويحاول تقوية حضوره.
يذكر أن الفنانة ليزا غازي خريجة المعهد التقاني للفنون التطبيقية وشاركت في العديد من المعارض. بدأت الفنانة طريقها من مدينة طرطوس، حيث أدركت منذ طفولتها أثناء ذهابها إلى المدرسة أن لكل من تلك الرسومات التي كانت تصادفها على الجدران معنى، لكن دائما تحرفه عوامل الطبيعة، وكان اختيارها أن تكون جزءا مما أدركته.
تلقت أنواع الدعم كافة من والدتها التي لطالما كانت تدرك اختلافها، وهذا ما جعلها تشعر بالتميز. ولكنها اعتمدت على نفسها في الاكتشاف ومن ثم في التعلم، وتابعت الرسم والتخطيط لطريقها، ولاسيما بتلوينه عبر ارتيادها لمعهد الفنون التطبيقية في دمشق، وكان وصولها إليه اجتهادا وتألقا شخصيا منها.
تخرجها من المعهد في عام 2004 كان بداية لطريق آخر تسلكه. لكنها لم تتخل مطلقا عن تلك الصور التي شوهتها الرطوبة على الجدران، واتخذتها ثيمة لجل أعمالها.
تتعمد الفنانة تشويه وجوه النساء وغيرهن من شخصياتها، والهدف من ذلك الخروج من فكرة الكمال إلى فكرة التأثر، فنحن كبشر نتأثر بالزمن وتتبدل ملامحنا، لكن الأكثر تأثيرا هو الواقع الذي نعيشه، والذي قد يشوه أغلبنا إلى أن تتفسخ الملامح، وربما لا يمكن رصد التشوه بالعين المجردة حيث هو في الداخل غالبا ما يكون أكثر خرابا مما نشاهده، وهذا ما التقطته الفنانة.