الوجه الآخر لأزمة المياه المستفحلة في العراق: استقرار النظام السياسي في خطر

التبعات الاقتصادية والاجتماعية لأزمة المياه المتفاقمة في العراق باتت متجسدة على الأرض وماثلة في الواقع المعيشي اليومي للسكان، لكن الخطر الخفي الداهم يطال استقرار البلد نفسه وتماسك نظامه السياسي بسبب مخاوف من أن يؤدي اشتداد الأزمة إلى قدح شرارة ثورة شعبية يمكن أن تبلغ مدى أعنف من انتفاضة تشرين التي كادت قبل سنوات قليلة تعصف بأركان النظام.
بغداد- أصبح تشخيص قضية المياه في العراق يتجاوز مجرّد الحديث عن أزمة ذات تأثيرات بيئية واقتصادية واجتماعية إلى التحذير من كارثة وشيكة تهدّد استقرار البلد ونظامه السياسي بسبب وصول محاولات معالجة هذه المعضلة إلى طريق مسدود، بعد أن وجهت السلطات جهودها صوب تركيا أملا في التوصل إلى تفاهمات معها بشأن تقاسم مياه نهري دجلة والفرات وهو ما لم يحدث عمليا، حيث اصطدمت المطالب العراقية بالتسويف من قبل الحكومة التركية التي تقيم جانبا كبيرا من برامجها التنموية على احتجاز المزيد من مياه النهرين في سدود ضخمة واستغلالها في مشاريع فلاحية وصناعية شديدة النهم للمياه.
وتطال ظاهرة شح المياه مختلف مناطق العراق لكنها بدأت تتركّز على نحو استثنائي في مناطق الجنوب ذات المناخ الأكثر جفافا وحرارة لتنسف بذلك أسس دورة زراعية ذات تقاليد راسخة تأسست على مدى العصور والأزمنة حول شبكة من الروافد النهرية والبرك الكبرى التي تتواتر في الوقت الحالي تقارير مقلقة بشأن قرب جفافها واندثارها بشكل كامل.
وما يضاعف الخطر على النظام القائم في البلاد أن تلك المناطق ذاتها التي مثّلت على مدى العشريتين الماضيتين الخزان الجماهيري والسند الشعبي لأبرز الأحزاب الحاكمة، تحولت بالتدريج إلى معقل رئيسي للاحتجاجات الشعبية بدفع من الأزمات المعيشية والخدمية المتلاحقة بما في ذلك خدمتا الكهرباء والماء، والتي كثيرا ما يرجعها المحتجون لفساد النظام وفشله التنموي المزمن.
وغير بعيد عن هذا السياق حذّر مركز حقوقي عراقي من جفاف تسعة أنهار في البلاد قال إنّها تلفظ أنفساها الأخيرة حاليا وستترك تداعيات خطرة على حياة السكان المستفيدين من مياهها.
وإلى جانب نهري دجلة والفرات القادمين من تركيا تخترق الأراضي العراقية العشرات من الروافد الفرعية التي تمر بالعديد من محافظات وسط البلاد وجنوبها.
وقال مركز العراق لحقوق الإنسان إن “الجفاف الذي يضرب محافظات الجنوب، وأبرزها البصرة، لم يعد ظرفا مؤقتا، بل يشهد ارتدادات سلبية متصاعدة يوما بعد آخر، خاصة مع جفاف سبعة إلى تسعة أنهار تتفرع عن دجلة والفرات”.
وأوضح رئيس المركز علي العبادي، في بيان، أن تلك الفروع “بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة وهناك العشرات من الصور التي توثّق ذلك المشهد المأساوي”، محذرا من “انفجار شعبي مرتقب قد يطال سبع محافظات جنوبية بسبب تفاقم أزمة الجفاف.”
وأضاف العبادي أن “جنوب العراق بات مهددا بتسونامي جفاف واسع يُنذر بغضب شعبي عارم في ظل انعدام الخطط العاجلة واستمرار الإهمال الحكومي.”
وكشف عن لقاء جمعه قبل عطلة عيد الأضحى بوزير الموارد المائية قام خلاله بلفت نظر الحكومة إلى خطورة الموقف وضرورة البحث عن معالجات فورية.
وشدّد الناشط الحقوقي على أنّ أزمة الجفاف لا تُحلّ بمسكنات مؤقتة بل تحتاج إلى تبني مشاريع إستراتيجية لتحلية مياه البحر وتأمين بدائل دائمة وخلق شريان حياة جديد بعيدا عن الأطر التقليدية على الأقل لتوفير مياه الشرب للمناطق والقرى الجنوبية.
وتطرح مشكلة المياه التي تنامت خلال سنوات قليلة بشكل سريع فاجأ السلطات العراقية جرّاء ظاهرة التغير المناخي وإفراط الجارتين إيران وتركيا في استغلال مياه الروافد المائية المتجهة من أراضيهما صوب الأراضي العراقية، على البلد تحديات كبيرة مؤثرة بشكل مباشر على حياة سكانه وأنماط عيشهم فضلا عن تأثيراتها الخطرة على مسار التنمية الضعيف والمتعثّر أصلا في البلاد.

علي العبادي: انفجار شعبي مرتقب في سبع محافظات بسبب ندرة المياه
ويهدّد شح المياه الأمن الغذائي للعراقيين بتأثيره على الإنتاج الزراعي، كما يهدد استقرار بعض المجتمعات المحلية المعتمدة على الرعي والزراعة ويدفع أعدادا من أبنائها إلى النزوح نحو مناطق أخرى وخصوصا باتجاه المدن الكبرى التي تواجه بدورها مشاكل الاكتظاظ والبطالة وسوء الخدمات.
وعلّقت الحكومة العراقية آمالا كبيرة على تقاربها مع السلطات التركية في مجالات أمنية واقتصادية لتكون أساسا لتليين الموقف التركي من قضية تقاسم مياه نهري دجلة والفرات. وقد تكثّف التواصل بين الجانبين لحلحلة القضية دون أن يكون لذلك أثر ملموس على أرض الواقع حيث لا تزال أزمة المياه قائمة وتتفاقم مع مرور الزمن، ذلك أن حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا تزال متوقفة عمليا عند إصدارها وعودا لنظيرتها العراقية بإيجاد حلول للمشكلة دون أن تمكّنها من أي إنجازات ملموسة عدا مقترحاتها بأن تشاركها تقنيات ونظم التحكم في المياه وترشيد استهلاكها والحد من هدرها.
وبدأت مشاكل مستجدّة وغير تقليدية تنشأ على هامش أزمة المياه المتفاقة مثل الصراع الداخلي على توزيع الحصص المائية والذي لاح مؤخرا نموذج أولي عنه بين محافظة ذي قار ومحافظة واسط المجاورة لها واللتين يدور منذ زمن جدل بين المسؤولين في حكومتيهما المحليتين بشأن تقاسم تلك الحصص.
ويعتبر الخلاف بين المحافظتين مقدّمة لصراعات متوقّعة على الماء بين المناطق والمحافظات وحتى بين العشائر والعوائل لتكون بذلك لأزمة المياه تبعاتها على الوضع الأمني الهش في العراق في ظلّ ما يتميّز به البلد من انتشار واسع لظاهرة حمل السلاح واستخدامه خارج نطاق الدولة.