"الوالدين" و"صليحة" فيلمان جزائريان ينتصران للمرأة الأم والمجاهدة

فيلما يتناولان مواضيع حساسة حيث يتعرض "الوالدين" لظاهرة عقوق الأبناء فيما يقدم فيلم "صليحة" أحداثا تاريخية تتعلق بالمسار النضالي للشهيدة الجزائرية.
الاثنين 2021/04/12
"صليحة" أول عمل سينمائي جزائري يتناول بطولة مناضلة شهيدة

الجزائر- حول المسار النضالي للشهيدة الجزائرية زبيدة ولد قابلية عُرض مساء السبت بقاعة ابن زيدون بالجزائر العاصمة الفيلم الروائي الطويل “صليحة” لمخرجه محمد صحراوي، والفيلم الروائي القصير “الوالدين” للمخرج معوشي خلاف.

ويتناول الفيلم الروائي الطويل “صليحة” لمحمد صحراوي (90 دقيقة) أحداثا تاريخية واقعية تتعلق بالمسار النضالي للشهيدة زبيدة ولد قابلية واسمها الثوري صليحة.

وكانت هذه الطبيبة الشابة قد غادرت مقاعد كلية الجراحة والتحقت بصفوف المجاهدين بمدينة معسكر، وجعلت حياتها وخبرتها في العلاج في خدمة المجاهدين وفداء لوطنها الجزائر الذي قدّمت حياتها في سبيل حريته وسيادته.

وقد اقتبس سيناريو الفيلم الكاتب والسيناريست رابح ظريف عن كتاب ألفه المجاهد علي عمران، أحد الفاعلين في مجريات الأحداث الذي ترك مقاعد الدراسة بالثانوي والتحق بجيش التحرير الجزائري لمحاربة المستعمر الفرنسي، وكان ضمن المجاهدين الذين عملت معهم الشهيدة. كما قام المجاهد ورجل الدولة دحّو ولد قابلية أخ البطلة بالمعالجة والتدقيق التاريخي لأحداث الفيلم.

"الوالدين" تناول موضوعا اجتماعيا إنسانيا من خلال قصة امرأة عجوز يطردها ابنها وزوجته من البيت ليثأر لها أحفادها

وينقل الفيلم شغف الفتاة بالثورة منذ كانت في عمر الزهور كطالبة في جراحة الأسنان بجامعة الجزائر بين سنوات 1954 و1956، وكذلك اختيارها ضمن الشبكة السرية لنقل القنابل بعد إضراب الطلبة سنة 1956، ثم التحاقها بالعمل المسلح بالمنطقة السادسة مسقط رأسها بمعسكر أين تولّت مسؤولية مصلحة الصحة بجيش التحرير الجزائري، إضافة إلى نشاطها السياسي الذي شكل خطرا على النظام العام آنذاك، بسبب تأثيرها القوي على أهالي منطقة معسكر وبني شقران وفق المعلومات التي جمعتها المخابرات الاستعمارية عن الشهيدة قبل صدور قرار البحث والمتابعة في حقها بتهمة مساندة “الإرهابيين”.

وهي معلومات أكّدها ضابط جيش التحرير الجزائري الراحل بوعلام بسايح في شهادة موثقة عن الشهيدة قال فيها إن “زبيدة تعدّ الجامعية الجزائرية الأولى والوحيدة التي تسقط شهيدة في ميدان الشرف والسلاح بيدها، بعد أن كانت وهي على قيد الحياة مثالا يحتذى في الشجاعة والذكاء وقوة الشخصية”.

واختار المخرج صحراوي صاحب السلسلة الكوميدية “الفهامة” وفيلم “سركاجي” سرد أحداث فيلمه بواقعية من خلال نقل الوقائع التي جرت في شهرين من الزمن، وسايرت مهمة الشهيدة في معالجة الجرحى من المجاهدين والسكان، وأيضا عملية نقلها مادة طبية هامة خاصة بالتخدير إلى أحد المستشفيات التابعة للمجاهدين في الجبل.

وبعد سفر شاق ومتعب في مسالك وعرة وتحت خطر مداهمة جنود المستعمر لمكان تواجدها والفريق المرافق لها، تقع صليحة الطالبة التي تركت مقاعد كلية جراحة الأسنان في سنتها الثالثة للالتحاق بصفوف جيش التحرير في كمين لجنود المستعمر وتقاوم إلى جانب رفاقها. ولكنها تصاب بوابل من الرصاص وتسقط شهيدة لتلتحق بأخيها نورالدين الذي استشهد قبلها بأشهر.

وركّز المخرج أيضا في هذا العمل على إظهار الجانب الإنساني طيلة أحداث الفيلم، خاصة في بعض المواقف التي أظهرت قوة شخصيتها التي بقدر ما كانت قوية وشرسة في مواجهة العدو إلا أنها كانت أيضا مثالا للطيبة في التعامل مع الجميع، واستطاعت بفضل شجاعتها أن تفرض نفسها وسط رفاقها وتكسب احترامهم وتقديرهم لها.

وجالت كاميرا صحراوي في جبال وأرياف المنطقة مبرزة جمال وعظمة التضاريس التي احتضنت الوقائع وكانت حصنا للثوار، كما حطت الكاميرا للحظات ببيت البطلة لتنقل الجو العائلي المفعم بروح النضال والتضحية وأيضا مدى افتخار الوالدين بها وبإخوانها رغم إدراكهما لخطورة الوضع.

وتمكّن المخرج من تقديم عمل جدي أظهر فيه اختلافات الآراء بشأن بعض المسائل الطفيفة بين الثوار، والذي لا يمس من قناعتهم وتوافقهم بشأن الأمور المصيرية.

وقد اختار صحراوي أسماء فنية معروفة أثبتت قدراتها على غرار الممثلة الشابة سهى ولهى التي جسّدت بإقناع دور صليحة وكذلك الفنان مبروك فروجي في دور المجاهد باموح، كما نجح المخرج أيضا في إدارة الممثلين الذين اندمجوا فعلا مع الأحداث على غرار مناد مبارك وقرادي ندير وحليم زريبيع ومحمد فريمهدي إلى جانب الممثلة المخضرمة فضيلة حشماوي التي أدت دور أم البطلة، وتمكن الممثلون إلى جانب الأداء من التحكم في لهجة المنطقة.

ويقول المخرج محمد صحراوي “الفيلم تكريم لكل الشهيدات والمجاهدات لما قدّمنه من تضحيات من أجل استقلال الجزائر”. وهو يعدّ أول عمل سينمائي يتناول بطولة امرأة شهيدة في ثورة التحرير الجزائرية.

الفيلم ينقل شغف الفتاة بالثورة منذ كانت في عمر الزهور كطالبة في جراحة الأسنان
الفيلم ينقل شغف الفتاة بالثورة منذ كانت في عمر الزهور كطالبة في جراحة الأسنان

أما الفيلم الروائي القصير “الوالدين” (37 دقيقة) للمخرج معوشي خلاف فتناول موضوعا اجتماعيا إنسانيا من خلال قصة العجوز “نانا فاطمة” التي يطردها ابنها وزوجته من البيت، لتعيش لسنوات متسولة في النهار وتعود في المساء إلى بيت قديم سمح لها أحد المحسنين بالإقامة فيه.

ويكبر الأحفاد وهم يعتقدون أن الجدة متوفية إلى أن يكتشف أحد أحفادها أنها على قيد الحياة ويدخل وأخته في خلاف كبير مع والديهما، ولكن في النهاية يقتنع والداهما بفظاعة عملهما ويعتذران وتعود العجوز إلى أهلها.

والعمل الذي صوّر في منطقة أدكار ببجاية أنجز بميزانية بسيطة، وقدّم موضوعا حساسا يتعلق بعقوق الأبناء وما له من تأثير سلبي على المجتمع، حيث حاول المخرج توظيف دور الراوي كمدخل للموضوع، ويتمثل في شخص حكيم يقوم دوريا بسرد قصص على مجموعة من الشباب لتحسيسهم برسالتهم نحو المجتمع ومساهمتهم في إصلاحه. ويعاب على الفيلم إفراطه في الموعظة على حساب الجانب السردي الدرامي.

وكتب سيناريو الفيلم عماري كمال، وقد اشتكى فريق الفيلم من مخرج ومنتج من صعوبة الحصول على التمويل، خاصة من قبل الخواص وكذلك صعوبة التوزيع. وأثير أيضا موضوع التوزيع من قبل مريم مراغني مديرة إنتاج فيلم “صليحة” التي تأسّفت لعدم توفير التكوين في مجال التوزيع، ممّا يؤثرا سلبا على عملية توزيع الأفلام في الجزائر وخارجها.

17