الواقع يعاند تصورات بايدن بتجاوز سياسة الضغوط القصوى على إيران

واشنطن - لا تخفى الاختلافات الجوهرية بين المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية جو بايدن مع منافسه والمرشح الجمهوري الرئيس الحالي دونالد ترامب فيما يخص دبلوماسية واشنطن حيال عدة قضايا دولية وعلى رأسها الملف الإيراني.
ويعتزم بايدن التخلص مما يصفه "بالفشل الخطير" لسياسة الضغوط القصوى التي يتبعها خصمه ترامب مع إيران إذا فاز في الانتخابات الأميركية، وتبني نهج "الدبلوماسية أولا" تجاه خصم واشنطن التاريخي في الشرق الأوسط الأمر الذي يمثل تحديا هائلا.
ومع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة في 3 نوفمبر المقبل وتقدم المرشح الديمقراطي جو بادين في استطلاعات الرأي، تترقب طهران تغير ملامح السياسة الخارجية الأميركية تجاهها.
وكان موقف بايدن واضحاً تجاه سياسات ترامب المتعلقة بطهران، حيث اتهمه بالفشل في استخدام الدبلوماسية لتعزيز المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. وانتقد هذه الإدارة لانسحابها من جانب واحد من "خطة العمل الشاملة المشتركة" -التي يشار إليها باسم الاتفاقية النووية الإيرانية- وفرض عقوبات صارمة على طهران.
وتعهد بايدن، الذي كان نائبا للرئيس باراك أوباما عند إبرام اتفاق إيران النووي مع ست قوى عالمية في 2015، بالعودة إلى الاتفاق، الذي انسحب منه ترامب عام 2018 وعاود فرض العقوبات، وذلك إذا عادت طهران إلى الالتزام به.
وتعتقد طهران أن من مصلحتها فوز بايدن في الانتخابات الأميركية، حيث أكد عدد من المسؤولين الإيرانين أن مصير الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع القوى الكبرى في 2015 معلق بنتيجة الانتخابات الأميركية رغم أن التيار المحافظ في إيران يجاهر بعدم ثقته في الساسة الأميركيين على اختلاف توجهاتهم.
ويقول مراقبون أن من بين العقبات التي تواجه بايدن في مسعاه لمعاودة فتح مسار للتهدئة مع إيران افتقادها الثقة في واشنطن، وهو ما كرسه ترامب بانسحابه من الاتفاق.
وقال مسؤول متشدد مقرب من مكتب الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي "لماذا ينبغي لنا أن نثق في بايدن؟ إنه مثل أوباما. لا يمكن الوثوق في الديمقراطيين"، وأضاف أن ترامب قد يعرض في نهاية المطاف اتفاقا أفضل من الذي انسحب منه.
ومؤخرا فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات في إطار مكافحة الإرهاب على أطراف رئيسية في قطاع النفط الإيراني لدعمهم فيلق القدس التابع للحرس الثوري.
وقال ترامب إنه يريد إبرام اتفاق جديد مع طهران يتصدى لبرنامج إيراني الصاروخي ودعمها لجماعات تعمل لحسابها في سوريا ولبنان واليمن.
أما بايدن فتتمثل فكرته على ما يبدو في العودة لاتفاق عام 2015 كمقدمة لمحادثات أوسع وأشمل بشأن نشاط إيران النووي وصواريخها الباليستية وأنشطتها الإقليمية، غير أن العودة للاتفاق الأصلي ليست بالمهمة السهلة.
ويتوقع خبراء بأن تطالب إيران بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بها منذ أن عاود ترامب فرض العقوبات.
كما من المرجح أن تطالب بتعويض عن الوقت والمال اللذين ستنفقهما من أجل فك وتخزين أجهزة الطرد المركزي التي عاودت تركيبها بما فيها الموجودة في مجمع فوردو النووي الذي يحظر الاتفاق النووي تخصيب اليورانيوم فيه.
وقال علي ربيعي المتحدث باسم الحكومة الإيرانية "يتعين على الإدارة الأميركية التالية، إلى جانب العودة إلى الاتفاق، تعويض إيران عن الأضرار التي ألحقت بها خلال فترة الانسحاب... وبالطبع التعهد بضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات".
واستبعدت الإدارة الإيرانية وقف برنامجها الصاروخي أو تغيير سياساتها الإقليمية لكنها قالت العام الماضي إنها لا تنوي زيادة مدى صواريخها.
وتأكد إيران أنها لن تدخل في مفاوضات ما لم ترفع الولايات المتحدة العقوبات.
ويقول مسؤولون إيرانيون إن إيران لن تجري أي محادثات قبل الانتخابات الرئاسية المقررة منتصف 2021 والمتوقع أن يفوز بها المحافظون المناهضون للولايات المتحدة.
وقال مسؤول بالحكومة الإيرانية "إذا فاز بايدن ستبدأ المفاوضات بعد انتخابات الرئاسة الإيرانية، وسيوفر ذلك للمحافظين فسحة من الوقت لتأمين فوزهم في الانتخابات".
ويعتبر مسؤولون أمنيون أنه يجب عدم توقع الكثير من التنازلات من الجانب الإيراني في حال فاز بايدن.
وأحجم المسؤولون الإيرانيون عن إعلان تأييدهم لأي من المرشحين الأمريكيين لكن بعضا منهم أشاروا إلى أن المحافظين الموالين لخامنئي قد يفضلون التعامل مع ترامب وليس بايدن.
ولا يرجع ذلك فحسب إلى شعور إيران أن بإمكانها التعامل مع نهج ترامب في الدبلوماسية المتأثر بعقلية الصفقات والأعمال، بل أيضا إلى أن العداء الذي يكنه له الإيرانيون يمكن للمحافظين توظيفه في الانتخابات لتكريس وضعهم السياسي باعتبارهم "المدافعين الشجعان عن الأمة".
وقال مصدر أمني "طهران تريد رفع العقوبات والأميركيون يريدون التهدئة في الشرق الأوسط، يمكن التوصل لوضع يضمن تحقيق مكاسب للطرفين. عندما توجد الإرادة تتوفر الوسيلة".
وأضاف "لكن الأمر سيكون أسهل مع ترامب، فهو رجل أعمال ولا يريد مشكلات في فترة ولايته الثانية".