الواقع الافتراضي المعزز علاج ثوري للأمراض النفسية

استخدام الواقع الافتراضي المعزز بالذكاء الاصطناعي في علاج المشاكل النفسية يظهر نجاحا كبيرا، لاسيما في مواجهة اضطراب ما بعد الصدمة والقلق والرهاب، وهي أمراض آخذة في الانتشار خاصة بعد تفشي كوفيد – 19. واكتسبت الممارسة، التي ظهرت بوادرها في بداية التسعينات من القرن الماضي، زخما بعد أن تطورت التكنولوجيا وأصبحت تكلفة الأجهزة زهيدة.
بالتمور (الولايات المتحدة) – أشارت دراسة أجراها مركز أميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها إلى زيادات كبيرة في ظهور أعراض اضطرابات القلق. وأبلغ عاملون في مجال الرعاية الصحية عن ارتفاع معدلات اضطراب ما بعد الصدمة أثناء الجائحة. وبحسب دراسة أجريت في فبراير على 1000 عامل في الخطوط الأمامية أظهر ما يقارب ربعهم مؤشرات على وجود اضطرابات.
مواجهة المخاوف
يستخدم العديد من الأطباء تقنية الواقع الافتراضي المعزز بالذكاء الاصطناعي، حيث جرى اختبارها من قبل باحثين في جامعة “جونز هوبكنز” للتقليل من الإجهاد والإرهاق لدى عاملين في المجال الطبي.
تشعر بالضغط وتريد الهرب إلى الطبيعة دون مغادرة غرفتك؟ يمكنك ذلك من خلال برامج الواقع الافتراضي المعزز
وفي إحدى التجارب التي شارك فيها 50 عاملا في قسم مخصص لعلاج مرضى كورونا، خضعوا خلالها لجلسات تتيح لهم تأمل حقول وشلالات متحركة، أبلغ المشاركون -باستثناء واحد- عن انخفاض مستويات التوتر لديهم.
وتتيح التقنية للمرضى مواجهة مخاوفهم وذكرياتهم المرتبطة بمنشأ معاناتهم، لتثبت لهم أنهم يستطيعون البقاء على قيد الحياة من خلال عيش تجاربهم القديمة بمحاكاة افتراضية.
ولا تقتصر التجارب على الجامعات الأميركية، ففي روسيا خطا العلماء خطوة ثورية في تجاربهم؛ حيث نجح علماء من جامعة سامارا الطبية في تطوير أول منظومة ثلاثية الأبعاد في العالم لتشخيص الحالة النفسية مع عناصر الذكاء الاصطناعي باستخدام الواقع الافتراضي.
وقد أطلق الخبراء على المنظومة الجديدة اسم “التشخيص النفسي في الواقع الافتراضي”، ويمكنها دون تدخل الإنسان تقييم الحالة النفسية وميزات الشخص ورسم صورة لشخصيته على أساس البيانات التي يتم الحصول عليها.
ولكي تشتغل تحتاج هذه المنظومة إلى كمبيوتر ونظام الواقع الافتراضي، حيث يضع الشخص الذي يخضع للاختبار خوذة على رأسه أو نظارات الواقع الافتراضي، وبعد ثلاث أو أربع دقائق يبدأ الشخص في إدراك الواقع المرئي ويعتبره الواقع الحقيقي. وخلال عرض السيناريو أمام الشخص الذي يخضع للاختبار يقيس النظام مؤشراته الجسدية التي من خلالها يمكن الحكم على صفاته النفسية.
ويأمل الخبراء في تطوير نظام يحل خلال السنوات القليلة القادمة محل الأطباء النفسيين، مستفيدين في ذلك من خبرات متراكمة بدأت منذ عام 1993 من قبل العالم الأميركي ماكس نورث، في المجلة الإلكترونية للثقافة الافتراضية متبوعة بأول كتاب نشر سنة 1996 بعنوان “علاج الواقع الافتراضي، نموذج مبتكر”. وكان نورث قد بدأ عمله في مجال تكنولوجيا الواقع الافتراضي سنة 1992 بكلية أبحاث في جامعة كلارك أتلانتا بدعم من مختبر أبحاث الجيش الأميركي.
محفزات اصطناعية
بالتزامن مع أعمال نورث نشر رالف لامسون من جامعة كاليفورنيا الجنوبية عمله في هذا المجال. وبوصفه طبيبًا نفسيًا كان أكثر اهتمامًا بالجوانب الطبية والعلاجية، أي كيفية علاج الأشخاص باستخدام التكنولوجيا، وذكرت دورية “علم النفس اليوم” سنة 1994 أن هذه العلاجات كانت ناجحة في مداواة نحو 90 في المئة من مرضى لامسون للعلاج النفسي الافتراضي.
وكتب لامسون سنة 1993 كتابًا بعنوان “العلاج الافتراضي” (نُشر سنة 1997) واضعًا شرحًا تفصيليًا لأسس نجاح علاج الواقع الافتراضي، حيث قام بمعالجة رهابه الخاص باستخدام اختبار لمحاكاة الواقع الافتراضي وتضمن الكتاب اختبارًا لـ40 مريضًا.
ويستخدم الواقع الافتراضي بيئات مصطنعة لمنح تجربة محاكاة يمكن استخدامها لتشخيص وعلاج الحالات النفسية التي تسبب صعوبات للمرضى، ويُعد وسيلةً لتوفير محفزات اصطناعية خاضعة للرقابة في سياق العلاج، مع وجود معالج قادر على مراقبة رد فعل المريض.
وعلى عكس العلاج السلوكي المعرفي التقليدي قد يشمل العلاج القائم على الواقع الافتراضي تعديل البيئة الافتراضية، مثل إضافة روائح محددة أو إضافة اهتزازات وتعديلها، والسماح للطبيب بتحديد المحفزات ومستويات التحفيز لكل تفاعل للمريض. وتسمح أنظمة العلاج المستندة إلى الواقع الافتراضي بإعادة عرض المشاهد الافتراضية، مع أو دون تعديل، ليعتاد المريض مثل هذه البيئات.
اليوم، إن كنت تشعر بالضغط النفسي وتريد الهروب إلى الطبيعة دون مغادرة غرفتك الخاصة فيمكنك ذلك من خلال برامج الواقع الافتراضي التي ستوفر العديد من المزايا الصحية الرائعة، خاصة علاج مشاكل الصحة النفسية، حيث عرض على المرضى “أفاتار” من العالم الافتراضي يكرر حركات أجسادهم، ومن ثم شاهد المرضى “أفاتار” لطفل صغير يبكي، وطُلب منهم تهدئة الطفل باستخدام عبارات وجدانية لمواساته.
وخففت كلمات الحب والطمأنة التي استخدمها المرضى من مستوى الاكتئاب لديهم.
ويقدم برنامج العالم الافتراضي “إيغنس” ميزة مساعدة الأشخاص الذين يعانون من رُهاب العناكب. ويتضمن العلاج إدخال المريض تدريجيا إلى عالم يحوي الكائنات التي يخشاها، وعلى سبيل المثال يتم إخراج عنكبوت ما من قفصه ضمن الواقع الافتراضي الذي دخل إليه المريض.
وأظهرت الدراسة الأميركية التي أجراها المؤسس المشارك في التطبيق والتي شارك فيها 23 شخصا فوائد العالم الافتراضي وقدرته على إحداث تحسن كبير لدى 83 في المئة من المرضى من خلال تمكنهم من تخطي مخاوفهم والاقتراب تدريجيا من العناكب.
وفي مجال الأنشطة الرياضية واللياقة البدنية ابتكرت شركة “إيكاروس” مدربا افتراضيا، حيث يتمدد المستخدم على آلة اللياقة البدنية المدعمة بنظام يحاكي مبدأ الطيران ليشعر الشخص كأنه “سوبر مان”. وقالت الشركة إن النظام يتضمن برامج مختلفة، بما في ذلك تجربة محاكاة الطيران والغوص تحت الماء وقيادة الدراجة النارية والسقوط المظلي.
وقد يُدرج الجهاز الجديد للاستخدام ضمن الصالات الرياضية في المستقبل.
تجربة تأمل افتراضية
من أغرب الابتكارات تطبيق قد يساعد الآباء على رؤية نموذج ثلاثي الأبعاد لطفلهم الذي لم يولد بعد. وقد أُجري بحث في البرازيل اعتمد عملية الجمع بين الصور عبر الموجات فوق الصوتية مع تصوير الرنين المغناطيسي، حيث يبين نموذجا ثلاثي الأبعاد للطفل من داخل رحم الأم.
ومن التطبيقات الكلاسيكية ممارسة التأمل، فجميعنا يحلم بالهروب إلى جزيرة ما للحصول على السلام الداخلي لبعض الوقت، ومن الممكن تحقيق هذا الحلم من خلال استخدام ميزة الواقع الافتراضي التي تقدمها شركة “أوكولوس”.
ويقدم البرنامج تطبيقات تأمل الطبيعة في ظل وجود شاطئ مثالي مع إمكانية التجول بنطاق 360 درجة وإضفاء القليل من الموسيقى للاسترخاء ضمن عالم افتراضي بحت.
وتوصلت الدراسة، التي نُشرت في المكتبة الوطنية الأميركية لمعاهد الصحة الوطنية، إلى نتائج مبهرة من خلال علاج الحالات النفسية السيئة عبر تجربة التأمل الافتراضية.
وأظهر العلاج بالتعرض الافتراضي في معهد التكنولوجيا الإبداعية جنوب كاليفورنيا (ICT) -والذي شمل 60 موقعا، بما في ذلك المستشفيات والقواعد العسكرية ومراكز الجامعة- وجود انخفاض ملموس في أعراض اضطراب ما بعد الصدمة لدى المرضى.
ويقوم الطبيب المعالج بتدريب المرضى على مواجهة ذكريات الصدمة من خلال تجسيد سيناريوهات مماثلة لتلك التي تعرضوا لها، ولكن ضمن ظروف آمنة وخاضعة للرقابة.
هل تخطط لزيارة عيادة نفسية في القريب العاجل؟ جهز نفسك لمفاجأة، فحسب دائرة الصحة الوطنية الأميركية نحن نعيش اليوم في عالم الواقع الافتراضي.