الهيب هوب العربي مزج النهج الغربي بثقافة تواقة إلى كل ما هو جديد

فن الشارع الشبابي وسيلة الشباب للتعبير عن أنفسهم ومساحة تسمح بالارتجال ولا تشترط أي قيود فنية على اللحن والكلمة.
الأحد 2018/04/01
فن التمرد

لندن – صرخة شبابية متمردة انطلقت في نيويورك في سبعينات القرن الماضي من أحياء وتجمعات الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية، وهي اليوم حاضرة بقوة في الشارع العربي والخليجي على شكل فن يصفه الشباب بأنه فن الشارع بل أكثر من ذلك هو حياة وتعبير.

ويعتبر فن الراب العربي “الهيب هوب” فنا جديدا في الساحة وقد لا يعترف به الكثيرون خاصة من الجيل الأكبر سنا، ولكنه ينتشر بصورة كبيرة في أوساط الشباب، حيث وجدوا فيه وسيلة للتعبير عن أنفسهم ومساحة تسمح بالارتجال ولا تشترط أي قيود فنية على اللحن والكلمة.

تطويع الفن مع الثقافة

يوصف الهيب هوب بأنه يقع في منطقة رمادية بين الكلام والشعر والغناء والنثر، وليس مهما صوت المؤدي، فهو يقوم على ركيزة واحدة وهي ترديد الأغنية بقافية معينة، وأحيانا يتم التلاعب بالألفاظ حتى تتماشى مع قافيه الأغنية، من دون الالتزام بلحن معين. وتعتمد على موضوع يتعلق بسلوكيات معينة أو انتقاد لطريقة أو منهج العيش في مجتمع ما.

نجاح قصي خضر في هذا اللون الغنائي، ناتج عن تقديمه خلطته الخاصة في عالم الهيب هوب، مضيفا لمسته المتميزة إلى هذا اللون الغنائي
نجاح قصي خضر في هذا اللون الغنائي، ناتج عن تقديمه خلطته الخاصة في عالم الهيب هوب، مضيفا لمسته المتميزة إلى هذا اللون الغنائي

وبدأت تجربة الهيب هوب تأخذ شكلا جديدا أقرب إلى الثقافة السعودية المنتجة، حيث خلق مغنو هذا النوع الموسيقي معادلة تربط الموسيقى مع هوية المكان، من خلال إدخال مقاطع موسيقية خليجية، فضلا عن كلمات باللهجة المحلية، وهو ما جلب انتباه الشباب، وأصبح رواج هذا اللون من الغناء لم يعد شكلا مقبولا فحسب، بل بدأ في مزاحمة الأغنية الخليجية في ظل ثورة تكنولوجية.

وأدرج مدير جمعية الثقافة والفنون في جدة الدكتور عمر الجاسر فن الهيب هوب ضمن ما تقدمه وتدعمه الجمعية للمرة الأولى على مستوى السعودية، شريطة أن يكون المضمون في سياق اللباقة والاحترام ولا يمس أو يضر المجتمع بأي شكل كان.

وأصدر الجاسر بطاقة عضوية في الجمعية لفن الهيب هوب للنجم قصي كأول عضوية من هذه الفئة، وقال “قصي نجم في المملكة وفي العالم العربي كفنان سعودي في الهيب هوب ولديه فلسفة ورؤية خاصتان بالتوجه لأغان وطنية تربوية تساهم في تعزيز هذا الفن، وشريحة كبيرة من شبابنا تهتم له وتمارسه”.

وفتحت الخطوة التي قامت بها جمعية الثقافة والفنون الباب على مصراعيه أمام مناقشة تاريخ وجود فن الهيب هوب في السعودية، وما إذا كان فنا مؤهلا من حيث المضمون والثقافة لأن يدرج ضمن الفنون السعودية الأخرى.

وعلق المنتج الفني أنور إدريس بالقول “إن التاريخ الفني في السعودية يعيش أحداثا مثيرة بإدراج هذا الفن رسميا، كونه يعبر عن فكر ومواضيع تخاطب الأجيال بمختلف أعمارها”.

ويعود فن الهيب هوب في السعودية إلى التسعينات، لكنه لم يشهد تفاعلا كبيرا إلا بعد تطور تقنيات الاتصال الحديثة، وانتشار المنتديات والإنترنت التي أسهمت في انتشاره بصورة واسعة، فمغنو الهيب هوب كانوا من الهواة وكانت تجاربهم فردية لكن كان لديهم جمهور عريض.

وأشار إدريس إلى أن الهيب هوب بدأ بشكله الاحترافي مع قصي خضر الذي يعد أول مغني راب هيب هوب سعودي، حيث أنتج خضر في عام 1994 أول ألبوم هيب هوب، وكان يحتوي على أغنيات عربية تتحدث عن معالم جدة وحياة الشباب اليومية فيها، ومن ثم قام في عام 2002 بإنتاج ألبوم آخر، وتوالت الألبومات ومن ثم الكليبات، ليدخل فن الهيب هوب إلى مرحلة جديدة.

فن الهيب هوب في السعودية يعود إلى التسعينات، لكنه لم يشهد تفاعلا كبيرا إلا بعد تطور تقنيات الاتصال الحديثة، التي أسهمت في انتشاره بصورة واسعة بين الشباب

وتطرق قصي خضر إلى قضايا الزواج والعلاقة الأسرية ثم تناول في ألبومه الثاني مجموعة رسائل إنسانية واجتماعية. ومن بينها رسالة تخاطب الشباب العربي والسعودي خاصة، حول العديد من المشاكل والقضايا التي تهمه، في أغنية “ذا جوب”، مناشدا إياهم عدم الاستسلام إلى البطالة، ومتابعة البحث عن وظيفة.

وفسر خضر إقبال الشباب على ألبوماته “ثقافتنا العربية جائعة إلى كل ما هو جديد”. ويرى العديد من المعنيين أن نجاح قصي في هذا اللون الغنائي، ناتج عن تقديمه خلطته الخاصة في عالم الهيب هوب، مضيفا لمسته المتميزة إلى هذا اللون الغنائي.

ويبدو تأثير خضر واضحا في الساحة السعودية، حيث أعلنت جمعية “الإرادة” للموهوبين والموهوبات من ذوي الاحتياجات الخاصة في السعودية، تعيين قصي خضر سفيرا لها.

وشهد عام 2008 قيام أول حفل رسمي في السعودية لأغاني الهيب هوب حينما قررت اللجنة المنظمة لمهرجان “جدة غير 29” إدراجها ضمن حفلات جدة الغنائية، فيما تنتشر منذ سنوات كليبات وأغانٍ في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يقوم المغنون بترويج منتجاتهم في هذه المنصات باعتبارها الأكثر استعمالا لدى الشباب في السعودية.

ظهرت أسماء كثيرة في دول الخليج أتقنت هذا الفن وبرعت فيه، ومنها الشاب يوسف عادل الفاتح الذي أسس فرقة للراب أطلق عليها “973” تضم أيضا الشاب نواف عبدالرزاق العثمان وعنصرا نسائيا ثالثا، والفرقة تحصل على الدعم من فريق البحرين التطوعي.

موضة تجتاح السوق

ظهرت موضة الهيب هوب في الملابس الفوضوية والسترات الجلدية الضخمة والجينز الممزق والسلاسل الذهبية والسراويل الواسعة وقبعات البيسبول، بعد انتشار فن الهيب هوب في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. واحتلت هذه الملابس عالم الأزياء، مما جعل كبرى شركات الأزياء العالمية مثل “شانيل” تدرجها في تصاميمها وضمن خطوط إنتاجها وتطويرها، لا سيما بعد أن لاحظت تأثير النجوم العالميين الذين ذاعت شهرتهم وشعبيتهم إلى حد أن صورهم انتشرت في كل مكان على أغلفة المجلات في الشوارع والنوادي وتحولوا إلى مثل أعلى للكثير من الشباب الذين يقلدونهم في مظهرهم من ملابس وتسريحات شعر وحركات وأسلوب غناء. ويعتبر سنوب دوغ الشهير بسنوبي أول من بدأ موضة الغناء بالملابس الرياضية عندما حضر حلقة برنامج شهير وهو يرتدي ملابس رياضة الركبي الواسعة، مما رفع مبيعات الملابس والأحذية الرياضية كثيرا في السنوات التالية. كما ظهرت ملابس الهيب هوب في مجموعة Resort 2018، التي انتقاها المدير الإبداعي التنفيذي لعلامة فالينتينو، وتحديدا الأسلوب الذي يتميّز بالحيويّة، من خلال السراويل الرياضية والسترات الرياضية إلى جانب التصاميم المزيّنة بالسحابات. وتنتشر بين الشباب منذ فترة موضة ارتداء قبعات “الهيب هوب”.

ويشير مؤسس الفرقة إلى أنهم اتجهوا إلى هذا النوع الفني، رغبة في التعبير عن أنفسهم من خلال الأغاني الهادفة التي تلامس أحاسيس المستمع والواقع الذي يعيشه، لا سيما مع وجود الظروف المواتية لانتشار الفيديوهات والتطور في الإنتاج السمعي والمرئي.

ويرى أن هناك نظرتين متناقضتين لدى الشارع العربي تجاه الهيب هوب؛ النظرة الأولى سلبية بسبب ما تم تقديمه في السابق من أغان تحمل ألفاظا بذيئة ودون معنى، والنظرة الثانية إيجابية ترى في هذا الفن رسالة هادفة تحمل في طياتها أمورا إيجابية وهادفة وقصصا واقعية تفيد الشباب.

ويرفض الفاتح فكرة أن فن الراب هو تمرد على الواقع والعادات والتقاليد، ويقول “أنا كمغني راب أنتقد الواقع بشكل إيجابي وأدعو إلى التمسك بالعادات والتقاليد وأشير إلى قضايا اجتماعية الجميع يعلم بها وتحدث أمام عينه”.

ويطمح إلى أن يصل الراب العربي إلى أكبر عدد ممكن، وأن يجد الدعم من الإعلام وأن تتحسن صورة هذا الفن عند الناس وتتبدل النظرة السلبية له.

وتتعدد الأسباب التي تدفع الشباب إلى الاتجاه لهذا النوع الموسيقي، وقد تكون أسبابا شخصية بالدرجة الأولى، إذ كشف فنان الراب البحريني حسام أسيم أنه دخل مجال الهيب هوب بسبب الضغوط التي كان يتلقاها من عائلته ومطالبتها له بالدراسة.

واعترف أنه لا يملك المقدرة الصوتية لأداء الأغاني الدارجة، ولهذا اختار هذا النوع من الفن، وهو يقدم من خلال الراب رسائله الخاصة التي يريد إيصالها إلى الناس حيث يقوم بكتابتها وتلحينها بنفسه، ويتميز المجال بحريته في التعبير.

رسائل للغرب

في الإمارات لم تكن الساحة الفنية بعيدة عن رياح التغيير والتحديث الفنية، فظهرت العديد من المحاولات الفردية على شكل “مغني سولو” أو الجماعية في صورة فرق غنائية انتشرت في الإمارات منذ سنوات.

وبرز اسم الشابين سالم وعبدالله دهمان اللذين أسسا فرقة راب إماراتية حملت اسم “حرارة الصحراء” قدمت أغانيها بالإنكليزية

وظهرا بسراويل الجينز الفضفاضة والسلاسل الفضية والخواتم، في مجموعة من أغاني الراب. ويقول الأخ الأكبر سالم إن الأمر بالنسبة إليهما كان بمثابة التحدي، حيث قدما في البداية أغاني تتحدث عن القضية الفلسطينية، ثم تناولا قضية 11 سبتمبر والإرهاب والإسلام والطريقة التي شوهته بها وسائل الإعلام الغربي.

ويمزج الشقيقان في أغانيهما مفردات من اللغة الإنكليزية والعربية كأغنية “هل كنتم تعلمون” التي تتحدث مع الشباب الغربيين عن أمجاد العرب الماضية في إسبانيا وغيرها، بينما تتحدث أغنية “إنذار إرهابي” عما يدور في نفسية وعقل انتحاري قبل إقدامه على ارتكاب فعله، وتدعو إحدى أغانيهما بعنوان “العدل” حكومات الدول الغربية إلى التعامل بعدالة مع قضايا العرب والمسلمين، ويقول الشقيقان دهمان، اللذان يعمل أحدهما بمطار دبي والآخر في أحد البنوك المحلية، إن العديد من الجنود الأميركان تركوا الخدمة في العراق بعد سماعهم ألبومهما الذي أصدراه في وقت سابق بعنوان “حين تتكلم الصحراء".

ومن جهته يرى مغني الراب الإماراتي سعيد جمعة النعيمي، أن الراب العربي وصف في بداياته بـ”المصيبة”، ويقول إن معظم المغنين الذين يقدمونه اتجهوا لتقليد الراب الغربي بما يتضمنه من أفكار غريبة وكلمات جريئة وشتائم وسباب، وهو ما خلق حالة من الرفض لدى المجتمع العربي للراب وأغنياته.

وأضاف أن “الراب العربي بدأ يتطور في الفترة الأخيرة بعد أن اتجه لطرح أفكار ومواقف تعبر عن الواقع والمجتمع بأسلوب يتماشى مع عادات المجتمع وتقاليده”، مشيرا إلى أن الراب ارتبط منذ ظهوره في الغرب بالتعبير عن معاناة الشباب من قضايا مختلفة مثل البطالة والعنف والتمييز وغيرها، وهي قضايا لا توجد في مجتمع الإمارات، وبالتالي يجب أن تكون الأغاني التي نقدمها معبرة عن مجتمعنا وقضاياه.

وأرجع الفنان الإماراتي الشاب غناءه باللغة الإنكليزية إلى سهولة التعبير من خلالها بالنسبة إليه، مشيرا إلى أنه بدأ في إدخال عبارات باللغة العربية في أغنياته بالألبوم الجديد، كما لم يستبعد تقديم أغنيات باللغة العربية في المستقبل.

19