الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس.. تراقب وسائل الإعلام أم الانتخابات

الهايكا تخسر معركتها القضائية مع هيئة الانتخابات ما ينذر بتحويلها إلى هيئة دون صلاحيات.
الجمعة 2022/12/16
مرحلة جديدة

يثير تعامل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مع وسائل الإعلام والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري جدلا إعلاميا في تونس، كما تُتهم باحتكار كل الصلاحيات.

تونس - تواجه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس اتهامات مفادها أنها “تحاول الانفراد بتنظيم عمل وسائل الإعلام وحصرها ضمن صلاحياتها”. ويأتي ذلك على خلفية تنبيهات وجهتها هيئة الانتخابات لمواقع إخبارية وإذاعات بسبب تغطيتها الإعلامية لعمل الهيئة.

وقالت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين إن “محاولات التضييق على الأصوات الناقدة للمسار الانتخابي وللهيئة وعملها تواترت”.

ووجهت الهيئة “تنبيها” لموقع “بيزنس نيوز” لنشره مقالا ينتقد الولاية الكاملة لهيئة الانتخابات و”السطو على صلاحيات الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا، هيئة دستورية)”، بحسب البيان. وهذا المقال اعتبرته هيئة الانتخابات “بثا للأخبار الزائفة”.

وسبق أن أثار التحقيق مع مدير الموقع الإلكتروني بموجب المرسوم رقم 54 الصادر في السادس عشر من سبتمبر الماضي المتعلق بالأخبار الكاذبة على خلفية مقال تحليلي نقدي باللغة الفرنسية للحصيلة السلبية لحكومة نجلاء بودن بعنوان “نجلاء بودن، المرأة اللطيفة”، جدلا إعلاميا واسعا.

فاروق بوعسكر: مواكبة الصحافيين للانتخابات تمثل دلالة على الشفافية
فاروق بوعسكر: مواكبة الصحافيين للانتخابات تمثل دلالة على الشفافية 

كما وجهت الهيئة، وفق النقابة، لفت نظر (تنبيه) إلى إذاعة “صون أف.أم” التابعة للمنظمة الرقابية “أنا يقظ” بشأن محتوى برنامج حواري يعتبر أن للهيئة “تأثيرا سلبيا في المسار الديمقراطي”.

ولوحت هيئة الانتخابات بالملاحقة الجزائية للموقع والإذاعة بموجب الفصل 24 من المرسوم 54 في حال العود.

وقالت نائبة نقيب الصحافيين أميرة محمد إن “هيئة الانتخابات تهرسل الصحافيين ووسائل الإعلام”.

من جانبه قال متحدث باسم هيئة الانتخابات إن “المراسلات الموجهة لوسيلتي إعلام ليست تهديدا، بل هي لفت نظر من صميم دورها”.

وفي الآونة الأخيرة انضم صحافيون إلى منتقدي الهيئة قائلين إنها في خدمة السلطة، وتسعى إلى إسكات أفواه المنتقدين لها ولمسار الانتخابات وتهديد الصحافيين بالملاحقة القضائية، بعد أن أصبحت تراقب الإعلام لأول مرة خلال الحملة الانتخابية.

وقالت نقابة الصحافيين إن “الانحراف الخطير لدور الهيئة في اتجاه تركيز جهاز رقابة على الآراء والأفكار بدعوى مراقبة التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية، ومحاولة تحصين نفسها من كل نقد قد يطال إشرافها على الانتخابات في توجه لتحميل أي فشل قد يطال مهامها لوسائل الإعلام”.

واعتبرت النقابة أن “ممارسات الهيئة تدخل ضمن خانة الضغط بهدف توجيه التغطية الإعلامية والحد من موضوعية وسائل الإعلام”، مهددةً بملاحقة الهيئة قضائيا. وشددت النقابة على أنه “لا يجوز مساءلة أي صحافي على رأي أو معلومة ينشرها طبق أعراف المهنة وأخلاقياتها”. وجددت رفضها لانفراد هيئة الانتخابات بمراقبة عمل وسائل الإعلام في التغطية الانتخابية.

وفي الثامن من ديسمبر الجاري، تقدمت “الهايكا” بدعوى قضائية لدى المحكمة الإدارية ضد هيئة الانتخابات، متهمةً إياها بالاستيلاء على صلاحياتها.

وأصدرت هيئة الانتخابات في الثامن عشر من نوفمبر الماضي قرارا يتعلق بضبط القواعد والشروط التي يتعين على وسائل الإعلام التقيد بها خلال الحملة الانتخابية، وهو ما اعتبرته “الهايكا” تعديا على صلاحياتها التّي يكفلها القانون والمرسوم رقم 116 في الفصل 46. وهذا الفصل ينص على أن تتولى “الهايكا” بجميع الوسائل الملائمة مراقبة أداء المرشحين ومنشآت الإعلام والاتصال السمعي والبصري خلال الحملة الانتخابية.

أميرة محمد: هيئة الانتخابات تهرسل الصحافيين ووسائل الإعلام
أميرة محمد: هيئة الانتخابات تهرسل الصحافيين ووسائل الإعلام

وانتخابات السبت أحدث حلقة في سلسلة إجراءات استثنائية بدأ رئيس البلاد قيس سعيد في فرضها في الخامس والعشرين يوليو 2021 وسبقها حلّ مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقرار دستور جديد باستفتاء أجري في الخامس والعشرين يوليو الماضي.

وقد أعلنت هيئة الانتخابات في بلاغ لها الأربعاء أنّ المحكمة الإدارية أصدرت يوم الثاني عشر ديسمبر الجاري حُكمها القاضي برفض طلب وقف التنفيذ المرفوع من قبل “الهايكا” والمتعلّق بقرارها الخاص بضبط القواعد والشروط التي يتعيّن على وسائل الإعلام التقيّد بها خلال الحملة الانتخابية.

وذكّرت الهيئة جميع وسائل الإعلام، خاصة منها السمعية البصريّة، بضرورة “التقيّد بمقتضيات القرار المذكور المنشور بالرائد الرسمي للجمهورية التونسيّة (الجريدة الرسمية) دون سواه واحترام ما جاء به من قواعد ومبادئ منظّمة لتغطية الحملات الانتخابيّة وعدم اعتبار ما يصدر عن غير هيئة الانتخابات في هذا الإطار”.

واعتبرت النقابة في بيان لها الأربعاء أن ممارسات الهيئة تدخل ضمن خانة “الضغط” بهدف توجيه التغطية الإعلامية والحد من موضوعية وسائل الإعلام، وهي ممارسات “مجرّمة” بمقتضى الفصل 11 من المرسوم 115 الخاص بحرية الصحافة والطباعة والنشر، مذكّرة إياها بأن مثل هذه الممارسات “تمكّن الصحافيين من ملاحقة الهيئة جزائيا على خلفية التضييقيات التي تمارسها عليهم”.

ونبّهت نقابة الصحافيين من أن هذه الممارسات “تهدف إلى التغطية على جملة من التجاوزات والإخفاقات التي رافقت عمل هيئة الانتخابات، خاصة من خلال التهديد بالمرسوم عدد 54 في مساع من رئيس الهيئة لوضعها في مكانة فوق النقد”.

كما حذّرت النقابة هيئة الانتخابات من “استمرارها في تهديد الصحافيين ووسائل الإعلام، باعتبار أن حرية الصحافة والتعبير مكسب حققته الثورة”، مشيرة إلى أنها “لن تسمح لهيئة الانتخابات ولا لغيرها بتهديد هذا المكسب”.

وجددت النقابة رفضها “لانفراد هيئة الانتخابات بمراقبة عمل وسائل الإعلام في التغطية الانتخابية”، مؤكدة تمسكها بشرعية دور “الهايكا” في التعديل في مجال عمل الإعلام في تغطية الانتخابات التشريعية التي ستقام في السابع عشر ديسمبر الجاري.

من جانبه قال رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر الثلاثاء خلال لقاء مع وفد من قادة مركز كارتر قدموا إلى تونس من الولايات المتحدة بمناسبة انتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب، إن مجلس الهيئة “منفتح” على كل مكونات المجتمع المدني والمنظمات المحلية والدولية، معتبرا أن مواكبة الصحافيين والملاحظين المحليين والدوليين للانتخابات التشريعية المقبلة “يمثل ضمانة إضافية ودلالة على شفافية هذا الموعد الانتخابي الهام ونزاهته، وعلى حيادية الهيئة وتعاملها مع كل الأطراف على قدم المساواة”، حسب ما نقل عنه بلاغ للهيئة.

من جهته أفاد رئيس الوفد الزائر أن مركز كارتر قرر إيفاد بعثة تتكون من 60 ملاحظا نظرا إلى الأهمية التي تحظى بها تونس وتجربتها في الانتقال الديمقراطي مشددا على أن المركز “حريص على أن تكون تقارير البعثة في إطار النزاهة والموضوعية واحترام استقلالية المؤسسة”.

وسيصوت التونسيون في الداخل يوم السبت السابع عشر من ديسمبر الجاري في حين بدأ تصويت الناخبين في الخارج يوم الخامس عشر من الشهر نفسه ويستمر 3 أيام.

الهيئة تعبد الطريق لنفسها وتحتكر كل الصلاحيات
الهيئة تعبد الطريق لنفسها وتحتكر كل الصلاحيات

16