الهيئات التعديلية للإعلام تغيب عن مراقبة الانتخابات الرئاسية في تونس

مطالب بالتسريع في تفعيل مجلس الصحافة ليتولى سد الفراغ.
الخميس 2024/06/27
في موعد مختلف

تعبّر أزمة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن عمق الجدل في تونس بشأن الرقابة الإعلامية على الانتخابات الرئاسية، لاسيما بعد تجميد الأولى إضافة إلى أن هيئة النفاذ إلى المعلومة نفسها صارت مشلولة بعد إنهاء مهام رئيسها بالنيابة وعدم تسمية رئيس جديد لها.

تونس - تستعد تونس لخوض انتخابات رئاسية دون مراقبة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (هايكا) لأول مرة منذ 2014، بعد تجميدها فعليا وقيام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بممارسة مهامها، مع عودة النقاش حول مهام كل من الهيئتين اللتين سبق أن دخلتا في معركة قضائية بهذا الخصوص، وماذا بقي من مهام الهايكا.

وتركز النقاشات الصحفية على سبل تفعيل آليات التعديل الذاتي لتمكين المهنيين من مراقبة سلامة الممارسات الصحفية بأنفسهم وللتقليص من حجم الرقابة القضائية والأمنية والإجراءات العملية الكفيلة بتفعيل آليات التعديل الذاتي الموجودة والمنشودة.

ودار نقاش ثري الأسبوع الماضي خلال ندوة “الإعلام والانتخابات: التعديل والتعديل الذاتي”، التي نظمها مركز تطوير الإعلام بتونس شارك فيها ممثلون عن المنظمات المهنية وأكاديميون وخبراء، حيث تناول المشاركون ورقة تطرح إمكانية اعتماد الآليات العاملة حاليا داخل نقابة الصحافيين (وحدة رصد الأخبار الزائفة ووحدة رصد وتوثيق الانتهاكات في حق الصحافيين وحرية الصحافة ولجنة الأخلاقيات) مع دعمها بموارد متخصصة، في انتظار استكمال مجلس الصحافة لمقومات أداء مهام التعديل الذاتي الشامل لقطاع الإعلام بجميع مكوناته.

ولأول مرة منذ اعتماد قانون الحق في النفاذ إلى المعلومة في مارس 2016، تجد هيئة النفاذ إلى المعلومة نفسها “مشلولة” بعد إنهاء مهام رئيسها بالنيابة وعدم تسمية رئيس جديد لها، ما يلغي حق المواطن في الإعلام المضمون في الدستور.

النقاشات الصحفية تركز على سبل تفعيل آليات التعديل الذاتي لتمكين المهنيين من مراقبة سلامة الممارسات الصحفية

وأكد مشاركون في الندوة على ضرورة التسريع في تفعيل مجلس الصحافة ليتولى سد الفراغ الذي أحدثه تجميد الهيئتين.

ورأى البعض أنه بعد استعراض مستجدات الإطار القانوني المنظم للانتخابات والتذكير بمقتضيات المرسوم 116 لسنة 2011 المنظم لحرية الاتصال السمعي البصري والمحدث للهايكا تبيّن أن منظومة الحرية التي وضعت أسسها في 2011 ألغيت فعليا بالمراسيم الرئاسية الصادرة بعد 25 يوليو 2021. فالمرسوم عدد 54 لسنة 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال قد ألغى عمليا المرسوم 115 لسنة 2011 الضامن لحرية التعبير والمنظم لقطاع الصحافة.

وتعتبر أزمة الهايكا مع هيئة الانتخابات في قلب الجدل الصحفي، حيث كانت الهايكا تقوم برصد التغطية الإعلامية وتصدر تقريرا مفصلا حول أداء مختلف المؤسسات، مع فرض عقوبات مالية على وسائل الإعلام السمعية البصرية التي لم تراعِ ضوابط وشروط التغطية، لكن هيئة الانتخابات تعتبر أن هذه المهمة من صلاحياتها في فترة الانتخابات، لتصبح هي المشرفة على التغطية الإعلامية، وهي التي تتولى وضع الشروط والضوابط. بينما اعتبرت الهايكا أن هذا القرار يمثل مصادرة لصلاحياتها وإقصاء لدورها الرقابي على وسائل الإعلام.

ومنذ ذلك الوقت لا يزال الحديث مستمرا عن صلاحيات الهايكا ووجود مشروع لعزلها بين مؤيد ومعارض، خصوصا أنها تعرضت لانتقادات بسبب قرار إغلاق وسائل إعلام من بينها قناة نسمة، الأمر الذي اعتبر مبالغة في العقوبة التي لا يجب أن تصل إلى الإغلاق. ويعتبر عاملون في الشأن الإعلامي أن هذا الوضع انعكاس لحالة الفوضى والتخبط التي تعيشها البلاد.

وسبق أن صرح ممثل النقابة الوطنية للصحافيين عبدالرؤوف بالي ومسؤول قسم الرصد بالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري نجيل الهاني بأن مشروع عزل الهايكا ليس جديدا كما أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تعمل على ذلك منذ الاستفتاء.

وأكد بالي خلال ندوة وطنية الثقة في أن التجربة التي راكمها الصحافيون بتغطيتهم للاستحقاقات الانتخابية الكبرى منذ 2011 تمكنهم من العمل في إطار احترام القانون والمعايير الدولية ولا تحتاج إلى أي قرار توجيهي من أي جهة كانت، لافتا إلى أن نقابة الصحافيين لا يمكن لها إلا أن تكون إلى جانب الهايكا، وبالرغم من التحفظ على تركيبتها الحالية فإن النقابة ستعمل على الدفع نحو جعلها دستورية، معربا عن الأسف لأن تتحول علاقة التعاون بين الهيئتين من علاقة تعاون إلى علاقة صراع وصلت إلى القضاء.

وتابع “للأسف، الآلية التي أوجدناها لخلق الحياد في العملية الانتخابية لم يعد لها الحق في التدخل في أي مرحلة من مراحل العملية الانتخابية، كما لا يمكن لأي جهة كانت الحق في التدخل في تغطية الحملة إعلاميا في وسائل الإعلام السمعية البصرية باستثناء الهايكا”، محملا من جهة أخرى التركيبة الحالية للهايكا جزءا من مسؤولية ما وصلت إليه أمام ما وصفه بـ”التراخي في مواجهة تجاوزات الهيئة وعدم تقديم قضية في التجاوزات وفي الاستيلاء على اختصاصاتها منذ الانتخابات الماضية”.

غير أن متابعين يرون أن موقف النقابة يعود إلى صداماتها المتواصلة مع الحكومة بشأن العديد من القضايا.

ومن جهته لفت نجيل الهاني إلى أن بوادر القطيعة بين الهيئتين كانت منذ الاستفتاء، بعد أن اتخذت الهايكا قرارا يقضي بإفساح المجال أمام المقاطعين للاستفتاء.

لأول مرة منذ اعتماد قانون الحق في النفاذ إلى المعلومة في مارس 2016، تجد هيئة النفاذ إلى المعلومة نفسها “مشلولة” بعد إنهاء مهام رئيسها بالنيابة وعدم تسمية رئيس جديد لها

وسبق أن طالبت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بـ”استرجاع السلطة الكاملة في مجال مراقبة وسائل الإعلام بمختلف أصنافها بما فيها الرقابة على الشبكات الاجتماعية”.

واعتبر هشام السنوسي، عضو مجلس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، أن سعي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى إلغاء دور الهايكا وعدم التنسيق معها بخصوص تغطية الانتخابات المحلية يأتي على خلفية انتقاد الهايكا للهيئة في الانتخابات التشريعية الماضية بسبب تجاوزها لصلاحياتها.

وأضاف أن ما تقوم به الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حاليا من تدخل مباشر في الإعلام هو تجاوز لصلاحياتها ومس من استقلالية العمل الصحفي. ونبه إلى أن ما يحدث في هذا الخصوص هو مس من شفافية الانتخابات وضرب للمقاربة التشاركية في عمل الهيئات.

وفي الواحد والعشرين من أغسطس 2019 صدر قرار مشترك بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهايكا يتعلق بضبط القواعد الخاصة بتغطية الحملة الانتخابية الرئاسية والتشريعية بوسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري وإجراءاتها.

لكن لاحقا تم إلغاء القرار المشترك ومنح الولاية الكاملة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات من أجل الإشراف على العملية الانتخابية كاملة، وهو ما سحب من الهايكا صلاحيات كبيرة.

ولن تكون مراقبة الانتخابات مثل سابقاتها باعتبار أن المرسوم عدد 8 لسنة 2023 سحب من الهايكا مسألة القرار المشترك مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الذي ينظم مراقبة وسائل الإعلام والتنسيق بشكل عام بينهما.

5