الهزائم السياسية تدفع أردوغان للتشفي من معارضيه بمحاكمات "هزلية"

سيليفري (تركيا) - تبدأ الاثنين محاكمة شخصيات عديدة من المجتمع المدني التركي، من بينهم رجل الأعمال عثمان كافالا، لاتهامهم بمحاولة "الإطاحة بحكومة" رجب طيب أردوغان خلال الاحتجاجات الواسعة في عام 2013.
وتاتي المحاكمة على إثر تقدم مرشح تحالف الأمة (الشعب الجمهوري/ إيي) أكرم إمام أوغلو، على منافسه، مرشح تحالف الشعب (العدالة والتنمية/ الحركة القومية) بن علي يلدريم، في انتخابات الإعادة لرئاسة بلدية اسطنبول. فقد حصل إمام أوغلو على 54.21 بالمئة من الأصوات، فيما نال يلدريم تأييد 44.99 بالمئة من الناخبين.
ويواجه المتهمون الستة عشر السجن مدى الحياة في هذه القضية التي تثير تخوف المدافعين عن حقوق الإنسان. ويندد هؤلاء بـ"مطاردة شعواء" ويؤكدون أن لا وجود "لذرة دليل" تدعم التهم.
ومن بين المحاكمين، رجل الأعمال عثمان كافالا الذي بات احتجازه لأكثر من 600 يوم رمزاً للقمع الذي يتعرض له الفاعلون في المجتمع المدني في تركيا، خصوصاً منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016.
وكافالا شخصية معروفة وتحظى بالاحترام في الأوساط الثقافية في أوروبا. وهو متهم بتمويل التظاهرات الكبرى ضد أردوغان في عام 2013، التي عرفت باسم "حراك جيزي".
بدأ الحراك باعتصام لناشطين بيئيين للمطالبة بحماية حديقة جيزي إحدى المساحات الخضراء القليلة في قلب اسطنبول. وبعد القمع الوحشي، تحوّل الاعتصام إلى حراك أكثر شمولية ضد إردوغان الذي كان حينها رئيساً للوزراء.
وبعد خمس سنوات من الحراك، عاد الاهتمام بمسألة قمع مؤيديه إلى الواجهة من جديد في خريف عام 2018 مع توقيف العديد من شخصيات المجتمع المدني التركي وأكاديميين مقربين من كافالا.
وتنتقد منظمات للدفاع عن حقوق الإنسان مراراً تركيا في هذا الإطار لقلقها من تدهور سيادة القانون في البلاد خلال السنوات الأخيرة.
فقد وجهت المفوضية الأوروبية في تقريرها الخاص بتركيا لعام 2019 انتقادات شديدة اللهجة للنظام التركي نتيجة إصراره على قمع الحريات ولاعتقاله أكاديميين وصحافيين، ولوجود عشرات الآلاف من الأتراك وراء القضبان، فضلاً عن أنها أبدت ردود فعل قوية تجاه جهاز القضاء الذي فُرضت عليه وصاية سياسية، واعتبر الاتحاد أن تركيا بممارساتها القمعية تواصل النأي بنفسها عن الاتحاد الأوروبي وقيمه، ما يجعل الحلم التركي في الانضمام للكتلة الأوروبية بعيد المنال.
ويقدّم المدعي العام في قراره الاتهامي المؤلف من 657 صفحة حراك جيزي على أنه عملية مسيّرة من الخارج لإلحاق الضرر بتركيا.
ويرد في الوثيقة التي صيغت بلهجة تنم عن وجود مؤامرة "لم يجر أي من ذلك بالصدفة...كان هناك دعم خارجي في إطار عملية هادفة إلى إركاع الجمهورية التركية".
وفي إدانة لتجاوزات أردوغان بشأن معارضيه، يرى أندرو غارنر الباحث من منظمة العفو الدولية في تركيا أن القرار الاتهامي "لا يتضمن ذرة دليل تثبت أن (المتهمين) كانوا متورطين في أي نشاط إجرامي، ناهيك عن تآمرهم للإطاحة بالحكومة".
ويضيف غاردنر "بدلاً من ذلك، يجهد (القرار) بطريقة سخيفة لتصوير أنشطة اجتماعية عادية على أنها جرائم"، مندداً بـ"مطاردة شعواء".
وفي العناصر الاتهامية ترد خريطة توزيع النحل على الأراضي التركية، عثر عليها في هاتف كافلا، يقدمها الادعاء على أنها دليل على أن رجل الأعمال كان يعتزم إعادة رسم حدود البلاد.
وتعقد أول جلسة استماع في هذه المحاكمة في سجن سيليفري الذي يقع في منطقة قريبة من اسطنبول.
ويحاكم ستة متهمين غيابياً لأنهم فروا إلى الخارج، مثل الممثل محمد علي ألابورا والصحافي المعارض جان دوندار.
ويتهم الادعاء ألابورا بأنه شارك في مسرحية تجسد قيام ثورة ضدّ زعيم بلد وهمي.
لكن الشخصية المركزية في هذه القضية التي يركز أردوغان هجماته عليها هي عثمان كافالا.
ويتهمه إردوغان بـ"تمويل الإرهابيين"، مشبهاً إياه أكثر من مرة برجل الأعمال والملياردير الأميركي المجري الأصل جورج سوروس الذي يثير تنديداً واسعاً بين قادة الدول السلطويين.
ووصف أردوغان العام الماضي كافالا بأنه "ممثل اليهودي المجري الشهير سوروس" في تركيا.
ورأت مؤسسة سوروس "أوبن سوساييتي"، التي أوقفت كل أنشطتها في تركيا العام الماضي، أن المحاكمة "مهزلة سياسية" هدفها "إسكات كل الأصوات المعارضة في تركيا".
وأعلن رئيس المؤسسة باتريك غاسبار في بيان أن "مجرد إخضاعهم للمحاكمة حيث يواجهون حكماً بالسجن مدى الحياة، هو بحدّ ذاته مأساة".
ويرى مراقبون أن تركيا تشهد تراجعًا خطيرًا في سيادة القانون والحقوق الأساسية، مرجعا سبب ذلك إلى تعرض مبدأ الفصل بين السلطات للضعف، وزيادة الوصاية السياسية المفروضة على جهاز القضاء، بالتزامن مع دخول التعديلات الدستورية الجديدة حيز التنفيذ.