الهدنة تفتح باب الاختراق الإسرائيلي النوعي لحماس: تصفية قادة سياسيين وعسكريين بارزين

غزة – أعاد اغتيال قادة نوعيين من حركة حماس على المستويين السياسي والعسكري التساؤلات عن حجم اختراق الحركة إلى الواجهة في تناقض مع ما دأبت الحركة وقادتها على ترويجه بشأن قدرتها على تلافي أي اختراق، في وقت يقول فيه مراقبون إن الهدنة فتحت الباب لاختراق إسرائيلي نوعي لأجهزة حماس وتنظيمها.
وقتلت إسرائيل خلال أيام عددا معتبرا من قادة حماس، بعضهم قُتل خلال الضربة المفاجئة يوم الثلاثاء الماضي، والبعض الآخر قُتل في الأيام التالية، ما يظهر أن الأمر لا يتعلق فقط بعنصر المفاجأة، وأن إسرائيل استفادت من الهدنة لإعادة تحريك شبكة مخبريها في محيط الحركة ما إن أتاحت لهم الهدنة فرصة التواصل.
وأعلنت حماس مقتل عضو مكتبها السياسي إسماعيل برهوم في مستشفى ناصر بخان يونس. وقال الجيش الإسرائيلي إن هجومه جاء بناء على معلومات مخابراتية مكثفة واستخدم ذخائر دقيقة التوجيه لتقليل الأضرار في الموقع.
خطر الانكشاف لا يقف عند القيادات السياسية، التي تتقن بدورها التخفي والسرية، وإنما يطال القيادات العسكرية؛ ما يؤشر على تمدد المخبرين على أكثر من مستوى
وقالت حماس في وقت سابق إن قياديا آخر في الحركة وهو عضو المكتب السياسي، وأحد المجموعة التي أسست الحركة عام 1987، صلاح البردويل قد قتل في غارة منفصلة بخان يونس السبت.
وتشير عودة شبكة المخبرين إلى التحرك بفاعلية كبيرة إلى قدرتهم على الاستفادة من الهدنة وساعات التهدئة أكثر من تحركاتهم في وقت الحرب، حيث يكون القادة أكثر حرصا، كما أن فرص كشف المخبرين تصبح أكبر خاصة إذا كان المخبر من الدائرة الضيقة المحيطة بقادة الحركة.
ولا يمكن تفسير نجاح المخبرين في تسهيل تصفية قادة من الصف الأول للحركة إلا بأن العملاء ليسوا حديثي العهد بمهامهم، وأنهم يدخلون بنية حماس من جديد بعد أن تقطعت الاتصالات بينهم في وقت سابق، ولأجل ذلك كان تنفيذهم للاختراق أمرا سهلا، وقد يكونون على تماس بمواقع متقدمة من الحركة أو من مساعدي القادة ما مكنهم من التحرك بحرية وتقديم الإرشادات الدقيقة التي سهلت اغتيال أسماء بارزة نجحت في التخفي خلال الحرب.
وما يثير التساؤلات أن القادة الذين تمت تصفيتهم نجحوا في تأمين أنفسهم خلال الحرب، لكن تم قتلهم بسهولة خلال الهدنة، وهو ما يعني أمرين؛ إما أن هؤلاء القادة تخلوا عن فكرة التخفي وتأمين أنفسهم، وهذا أمر مستبعد خاصة بالنسبة إلى من قتلوا في الأيام التي تلت ضربة الثلاثاء مثل برهوم والبردويل، أو أن الحركة مخترقة على نطاق واسع، وخاصة على المستويات العليا، ما يسهّل على المخبرين تقديم إحداثيات إلى الجيش الإسرائيلي لتصفية كبار القادة في عمليات دقيقة.
وقال رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية سمير غطاس إن حماس تعاملت مع فترة الهدنة وكأنها دائمة، وهو ما وظفته الاستخبارات الإسرائيلية في تتبع قيادات الحركة، وسلاح حماس فشل في حماية الشعب الفلسطيني خلال المرحلة الأولى من الحرب وسيخفق في حماية قياداتها الآن، خاصة أن الحركة فقدت الجزء الأكبر من سلاحها.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المشكلة تكمن في أن حماس تصدق كذبة أن ما زال لديها سلاح قادر على تغيير المعادلة على الأرض وأن حالة الاستعراض التي جرت أثناء تسليم الأسرى تم النفخ فيها من جانب إسرائيل لتحقيق أهداف تتعلق بالتسويق لإنجازاتها حال تمكنت من تفكيك الحركة وتدميرها بشكل كامل.
وأكد الجيش الإسرائيلي “تصفية” صلاح البردويل، واصفا إياه بأنه “مسؤول كبير في المكتب السياسي لحماس، كان يقود التخطيط الإستراتيجي والعسكري” للحركة. وأضاف أن “تصفيته تشكل ضربة كبيرة للقدرات التنظيمية والعملانية لحماس.”
ولا يقف خطر الانكشاف عند القيادات السياسية، التي تتقن بدورها التخفي والسرية، وإنما يطال القيادات العسكرية؛ ما يؤشر على تداخل بين الجهازين السياسي والعسكري من ناحية وتمدد المخبرين على أكثر من مستوى من ناحية ثانية.
وأعلن الجيش الإسرائيلي الجمعة أنه قضى على أسامة طبش الذي قال إنه كان يشغل رئاسة الاستخبارات العسكرية في حركة حماس.
وذكر الجيش أن طبش شغل مناصب رفيعة مختلفة في حركة حماس، بما في ذلك قائد كتيبة في لواء خان يونس، كما أشار إلى أن طبش كان أيضاً مسؤولاً عن صياغة إستراتيجية حماس القتالية على الأرض، بما في ذلك تنسيق الاستخبارات للجناح العسكري لحماس في جنوب غزة وقيادة أنشطته في المنطقة.
وأكدت مصادر في حماس الأحد مقتل محمد العمور المرافق الشخصي لرئيس حماس السابق يحيى السنوار.
وقتلت الضربات الإسرائيلية الثلاثاء الماضي عصام الدعليس رئيس متابعة العمل الحكومي، الرئيس الفعلي للحكومة. وأعلنت حماس كذلك عن مقتل وكيل وزارة العدل أحمد الحتة ووكيل وزارة الداخلية محمود أبووطفة ومدير عام جهاز الأمن الداخلي في الحركة بهجت أبوسلطان.
وقال اللواء نصر سالم، أستاذ العلوم الإستراتيجية بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية (تابعة للجيش المصري)، إن المشكلة التي تواجهها حماس تتمثل في أنها فقدت بوصلتها ولا توجد أهداف واضحة يمكن الحديث عنها بالنسبة إليها، وتحولت إلى ذريعة تتخذها إسرائيل لإبادة أكبر عدد من الفلسطينيين.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الحركة لم تعد تستطيع حماية أهالي غزة وفقدت القدرة على حماية عناصرها، وهو ما يتطلب إدخال تعديلات سريعة على إستراتيجيتها عبر تقديم المزيد من التنازلات التي يمكن أن تحقن دماء الفلسطينيين.