الهجمات الإسرائيلية على الضفة تعمق أزمة السلطة في فرض سيطرتها

السلطة الفلسطينية تريد أن ترد بقوة على أنشطة الفصائل في الضفة الغربية لإظهار أنها لا تزال قوية ولم تنته، كما يردد الكثير من الفلسطينيين بعد فشلها في التحرك لوقف الهجمات الإسرائيلية على جنين.
جنين (الضفة الغربية) - وجّه الفلسطينيون غضبهم على قوات أمنهم الخاصة بعد أكبر غارة عسكرية إسرائيلية على مخيم للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة الشهر الماضي.
وشملت موجة غضب الفلسطينيين إطلاق النار والقنابل الحارقة والقنابل الأنبوبية على مباني الأمن الفلسطيني لفشل السلطة في حمايتهم من غارة 3 يوليو المدمرة ولتواصل التحالف الأمني الطويل مع إسرائيل الذي لا يحظى بشعبية.
وقال مدير الشرطة في محافظة جنين العميد عزام جبارة خلال احتفال هذا الأسبوع بالضباط الذين دافعوا عن مركز للشرطة من المحتجين “ذكّرتنا أحداث تلك الليلة المروعة بالفترة التي سبقت انقلاب حماس في غزة. مثّل الأمر تحذيرا”.
وتعاونت السلطة الفلسطينية، التي أضر بها استيلاء حركة حماس على غزة وافتكاكها من قوات الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 2007، مع إسرائيل لقمع الجماعات الإسلامية المتشددة وإبقاء حركة فتح في السلطة في الضفة الغربية. وتعدّ حماس تهديدا رئيسيا لإسرائيل وهي أكبر منافس لفتح.
وكشفت اضطرابات يوليو عن استياء الفلسطينيين الغاضبين تجاه حكومتهم ورغبة في محاسبة قواتهم الأمنية المهزومة المجسّدة للتوترات التي تمزق المجتمع الفلسطيني. لكنها تبقى رمزا لآمال الفلسطينيين في إقامة دولة رغم الانتقادات التي طالتها بسبب عملها مع إسرائيل.
وسعت الشرطة الفلسطينية لاستعادة الثقة خلال فترة الهدوء التي تلت الغارات العسكرية الإسرائيلية، وكثفت حملتها لاستعادة النظام في مدينة جنين، التي مثّلت منذ فترة طويلة معقلا للجريمة بالقرب من مخيم اللاجئين.
لكن حدود جهود القوات برزت في مساعيها لضبط السيارات والأموال والمخدرات. ولم تكن قادرة على حماية شعبها من هجمات المستوطنين المتطرفين والغارات العسكرية الإسرائيلية شبه اليومية عبر الضفة الغربية، وهي تتبع نمط نظام على وشك الانهيار.
وقال إبراهيم أباهري نائب رئيس جهاز الأمن الوقائي في جنين “إذا اعتقدنا أننا نجعل الأمن مُستتبّا الآن، فإننا نخدع أنفسنا. يمكن للجيش الإسرائيلي أن يدخل في أيّ لحظة، ويمكن أن ينفجر كل شيء”.
ونفذ مسلحون من مخيم جنين للاجئين، حيث فقدت القوات الفلسطينية سيطرتها، العشرات من الهجمات بالرصاص في الضفة الغربية وإسرائيل منذ ربيع العام الماضي. وداهم الجنود الإسرائيليون المخيم مرارا لاعتقال نشطاء مشتبه بهم وقتلهم.
ودخلت القوات الخاصة الإسرائيلية المخيم في 3 يوليو، تحت حماية الطائرات المسيّرة، مما أسفر عن مقتل 12 فلسطينيا، وكان 8 منهم على الأقل من النشطاء. وجُرح العشرات وخلفت الهجمات آثار دمار. كما قُتل جندي إسرائيلي في العملية التي ذكّرت بواحدة من أكبر المعارك في الانتفاضة الفلسطينية الثانية منذ أكثر من 20 عاما.
الاحتجاجات تكشف عن استياء الفلسطينيين الغاضبين تجاه حكومة عباس ورغبة في محاسبة قواتهم الأمنية المهزومة
وقُتل ما يقرب من 180 فلسطينيا بنيران إسرائيلية في أنحاء الضفة الغربية في 2023، وكان نصفهم تقريبا ينتمون إلى جماعات مسلحة، وفقا لإحصاء صادر عن وكالة الأسوشيتد برس. ومثّلت هذه الحصيلة من القتلى الأعلى في الإقليم منذ ما يقرب من عقدين. وقتلت الهجمات الفلسطينية على الإسرائيليين 27 شخصا هذا العام.وتقول إسرائيل إن توغلاتها تندرج ضمن جهود مكافحة الإرهاب المدفوعة بإحجام قوات الأمن الفلسطينية عن التدخل ضد النشطاء.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي، تحدث لأسوشيتد برس شريطة عدم الكشف عن هويته لكونه غير مخوّل بالتحدث إلى الصحافيين، “يوجد حد لعدد الإسرائيليين الذين يمكن أن يُقتلوا بينما يعمل الفلسطينيون على حل صراعاتهم الداخلية. ثم يتعين علينا التدخل في مرحلة ما”.
ويتهم الفلسطينيون إسرائيل بمحاولة تقويض جهودهم الأمنية. وقال القائم بأعمال محافظ جنين كمال أبوالرب “يريدون إحراجنا”. وأكّد مسؤولون فلسطينيون إشعال الغارات الإسرائيلية التوترات وإثارتها الغضب تجاه السلطة الفلسطينية وإلهامها المزيد من التشدد.
وقال محافظ جنين السابق اللواء أكرم الرجوب “نحن نعرف أن السلطة الفلسطينية فقدت هيبتها، بينما نحاول السيطرة على الفوضى التي تندلع عندما تغزو إسرائيل. وتعدّ الفوضى مما يقوض احترام السلطة”.
وظهر مقاتلون مستقلون في المخيم، وهم ينتمون إلى جيل جديد من الفلسطينيين المحبطين من فصائل مثل فتح وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين. ويقول هؤلاء إنهم رأوا السلطة الفلسطينية، التي وعدتهم بإقامة دولة، تتحول إلى مقاول فرعي للاحتلال الإسرائيلي، وهو بالكاد يستطيع دفع الرواتب أو تقديم الخدمات البلدية.
وقال أبوسليمان البالغ من العمر 32 عاما، والذي شغل منصب رائد في قوات الأمن قبل إيقافه بسبب نشاطه العسكري، “يمكن أن تكون لعباس سياسته الخاصة. أما أنا فإن مجال تخصصي هو المقاومة”.
وتحدث إلينا من غرفة معيشته التي كانت نوافذها المحطمة مغلقة بشريط لاصق وجدرانها مثقوبة بسبب غارة يوليو. ولم يمنحنا اسمه الكامل لكونه مطلوبا لدى الجيش الإسرائيلي. وأخبرنا أن “كل ما تفعله السلطة الفلسطينية هو في مصلحة إسرائيل”.
وفي جنازة أقيمت الشهر الماضي لمن قتلوا في المداهمة، صرخت حشود متصارعة بالشتائم على مسؤولين كبار من حركة فتح وطردوهم من المعسكر. وهتفوا “عملاء!” في إشارة إلى تنسيق المخابرات الفلسطينية مع إسرائيل.
وقال نضال نغنغية، وهو رئيس لجنة تدير برامج الدعم الاجتماعي في المخيم، إن من الطبيعي أن نوقظهم لأنهم فشلوا في مهمتهم التي تكمن في الدفاع عنا وحمايتنا هنا.
وبعد أسبوع من الغارة، زار عباس البالغ من العمر 87 عاما المخيم لأول مرة منذ أكثر من عقد تعبيرا عن تضامنه. وانطلقت قوات الأمن الفلسطينية في إعادة بناء وجودها في جنين، في محاولة لإظهار قدرتها على فرض النظام دون تدخل إسرائيلي. وقال المسؤول العسكري الإسرائيلي إن الجيش قلّص عملياته في المخيم للسماح بذلك.
ونشرت السلطات الفلسطينية ألف ضابط أمن جديد من الحرس الرئاسي التابع لعباس في أنحاء مدينة جنين. وأقامت نقاط تفتيش للقبض على المجرمين الذين لجؤوا إلى المدينة منذ فترة طويلة. ويقول المسؤولون إن المسلحين يختبئون بدلا من إطلاق النار وعرض طائراتهم من طراز إم – 16 في الشوارع.
فشل السلطات في تفكيك الجماعات المسلحة يرقى إلى فشل المشروع الوطني الفلسطيني
وقالت الشرطة في الأسابيع التي تلت ذلك إنها استولت على العشرات من السيارات المسروقة من الشوارع، وصادرت المئات من الحبوب المخدرة واعتقلت 364 مجرما، بما في ذلك أكثر من عشرة مطلوبين في قضايا القتل التي مرّت عليها فترة طويلة. وتستعد السلطات لافتتاح سجن محلي.
وطُرد الباعة الذين لا يمتلكون تصاريح من سوق جنين وانتقلوا إلى خارج مركز المدينة.
لكن حملة القانون والنظام لا تمتد إلى أكبر مصدر لعدم الاستقرار في المنطقة، وهو مخيم جنين للاجئين. وتقول الشرطة إنها لن تنزع سلاح مسلحين مطلوبين لإسرائيل ولن تنظم اعتقالات في المخيم، مما يؤكد تعقيد الوضع الأمني.
لكن تكتيكات الشرطة المتصاعدة أثارت غضب المسلحين الذين يقودون سيارات مسروقة لارتكاب هجمات إطلاق نار ويحملون أسلحة مهربة ويديرون أكشاك خضروات غير مرخصة. وفي الشهر الماضي، نجا العمدة بأعجوبة عندما أطلق الباعة المتجولون الغاضبون النار على سيارته، حيث ساعد في ابتكار التغيير الذي طال سوق جنين.
وقال أبوسليمان “نواجه الجيش الإسرائيلي في الليل، وتلاحقنا السلطة الفلسطينية الآن أثناء النهار”، مضيفا أن رجال شرطة فلسطينيين يرتدون ملابس مدنية أوقفوه هذا الأسبوع، وكاد يطلق النار معتقدا أن الرجال كانوا جنودا إسرائيليين متخفين. وهو متيقن من أن الوضع سينفجر يوما ما.
وقال مدير الشرطة جبارة إن فشل السلطات في تفكيك الجماعات المسلحة يرقى إلى فشل المشروع الوطني الفلسطيني الذي كان ضباط مثله يأملون في بنائه.
وتابع “انضممت إلى قوة الشرطة منذ 21 عاما لأنني أردت أن أكون مسؤولا أمام شعبي، وأن أفرض السيادة على أرضنا. لكن المستوطنات الإسرائيلية قتلت دولتنا الآن. إلى أين سيقودنا هذا؟”.