الهبة العراقية ردا على هجوم زاخو استعراض لا يخلو من استثمار في المأساة

العراق لا يملك القدرة على مواجهة تركيا أو طرد حزب "العمال".
السبت 2022/07/23
ردود فعل آنية

لا يزال الهجوم الذي استهدف منتجعا سياحيا في داهوك يلقي بظلاله على العراق، مع توالي ردود الفعل الرسمية والسياسية وبعض التحرشات من هنا وهناك بقواعد عسكرية تركية، لكن متابعين يرون أن الأمر لن يتجاوز هذا الحد، حيث أن العراق عاجز عمليا عن مواجهة الوجود التركي أو إنهاء مفاعيل هذا الوجود المرتبطة أساسا بعناصر حزب العمال الكردستاني.

بغداد - تشكك أوساط سياسية عراقية في فاعلية “الهبة” العراقية على الهجوم التركي الذي استهدف الأربعاء منتجعا سياحيا في منطقة زاخو من محافظة داهوك شمال البلاد، والذي خلف ضحايا مدنيين بينهم أطفال ونساء.

وتقول الأوساط إن ردود أفعال المسؤولين والساسة، التي تراوحت بين الشجب والتنديد و”التباكي” على سيادة مهدورة منذ سنوات، وإقدام بعض الفصائل على مهاجمة قواعد عسكرية تركية في داهوك لا تعدو كونها محاولة استعراضية لا تخلو من نوازع ذاتية للاستثمار في المأساة، لافتة إلى أن القوى المتحكمة في المنظومة العراقية أعجز من أن تقدم على مواجهة أنقرة، أو أن تنهي الدواعي الكامنة خلف الوجود التركي وهو حزب العمال الكردستاني.

وتعرضت قاعدة عسكرية تركية لهجوم بطائرتين مسيرتين مفخختين صباح الجمعة، لم يوقع ضحايا، وفيما لم تعلن أي جهة تبنيها الهجوم، فقد ذكرت قناة على تلغرام مؤيدة لفصائل مسلحة شيعية موالية لإيران أن “المقاومة العراقية” نفذت العملية.

شيفان فاضل: تركيا قد تطالب العراق بطرد حزب العمال الكردستاني

وكانت الرئاسات الثلاث في العراق وقادة القوى السياسية والأحزاب والكتل النيابية عقدت مساء الخميس اجتماعا في القصر الحكومي ببغداد، بدعوة من رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي؛ للنقاش في مستجدات الأوضاع الأمنية التي فرضها “الاعتداء التركي” على الأراضي العراقية.

ومثلما كان متوقعا، فقد انتهى الاجتماع بتأكيد الحضور على أهمية وحدة “الموقف الوطني العراقي في حماية سيادة العراق وأرواح العراقيين، وإدانة الاعتداء التركي”. وجدد المجتمعون، بحسب ما نقلت وسائل إعلام محلية، التأكيد على احترام العراق لمبادئ حسن الجوار، ومنع الاعتداء على أراضي الدول المجاورة انطلاقا من أراضيه، ورفض العراق أن يكون ساحة لتصفية الحسابات بين جماعات مسلحة غير شرعية، والجيش التركي.

ويعود الوجود العسكري التركي في العراق إلى خمسة وعشرين عاما. وتتمركز القوات التركية في نحو 40 موقعا وقاعدة عسكرية في شمال البلاد، من حيث تعقب مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذي يشنّ تمردا ضدّها منذ العام 1984، ويتّخذ من جبال شمال العراق قواعد خلفية له.

واتخذت العمليات العسكرية التركية ضد التنظيم الكردي الذي تصنّفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون “إرهابيا” نسقا تصاعديا في العامين الأخيرين، كما يشير شيفان فاضل الباحث في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

ويشرح فاضل أن “منذ العام 2020، تكثّفت الضربات الجوية والعمليات البرية لتركيا ضدّ حزب العمال الكردستاني في شمال العراق”.

وفيما يصعب تأكيد الأرقام، تنشر تركيا “بشكل دائم” نحو “5 آلاف إلى 10 آلاف” عسكري، وفق تقرير لسليم تشيفيك في المعهد الألماني للعلاقات الدولية والأمن في برلين. ويتحدّث التقرير عن أن “استخدام الطائرات المسيرة يبدو على وجه الخصوص فعالا في إعاقة حزب العمال الكردستاني لوجيستيا وعرقلة مجاله للمناورة في المنطقة”.

لكن المدنيين يجدون أنفسهم في خطّ النار. وتسببت ضربات مدفعية الأربعاء بمقتل 9 مدنيين عراقيين بينهم نساء وأطفال في منتجع برخ السياحي في زاخو. وحمل العراق تركيا المسؤولية، فيما نفت الأخيرة ذلك واتهمت حزب العمال الكردستاني.

وغالبا ما تؤدي الضربات التركية إلى خسائر مدنية وتدمير منازل، وبالتالي نزوح سكان القرى، لاسيما تلك الموجودة في المناطق الحدودية.

رقعة الغضب تتسع
رقعة الغضب تتسع

ويطالب العراق القوات التركية بالانسحاب من أراضيه، لكن مع ذلك، يصعب على البلد إبعاد نفسه عن النزاع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني.

ويوضح فاضل أن “تركيا قد تطالب الحكومة العراقية بطرد حزب العمال الكردستاني من أراضيها. لكن هل تملك الحكومة العراقية الوسائل لتأكيد سيادتها على حدودها وطرد اللاعبين المسلحين غير التابعين للدولة؟”.

ويرى أن “الحلّ يكمن أولا بمدى قدرة الحكومة العراقية على توطيد سيادتها من جديد عند حدودها الطويلة السهلة الاختراق مع إيران وسوريا وتركيا”.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ ملفّ النزاع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني حاضر على جبهات أخرى، فقد كان سببا في عرقلة تركيا لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي. كما تهدّد تركيا التي تشنّ هجمات ضدّ وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا التي تعتبرها فرعا من فروع حزب العمال الكردستاني، بإطلاق عملية عسكرية جديدة هناك.

غالبا ما تؤدي الضربات التركية إلى خسائر مدنية وتدمير منازل، وبالتالي نزوح سكان القرى، لاسيما تلك الموجودة في المناطق الحدودية

ويرى رئيس المركز الفرنسي للأبحاث حول العراق عادل بكوان أنه “إذا كانت تركيا ستشنّ عملية ضدّ ما تعتبره فرعا من فروع حزب العمال الكردستاني في سوريا، فهل ستتوانى عن مهاجمة المصدر، رأس المنظمة، أي حزب العمال الكردستاني نفسه؟”.

وفي حين أثارت الضربات تنديدا سياسيا قويا في العراق، لكن بكوان يرى أنها تأتي في “سياق الاستعراض، فالكلّ يحاول الاستفادة من المأساة”.

ويدعم محللون آخرون وجهة نظر بكوان مشيرين إلى أنه حتى الفصائل الموالية لإيران لا تملك القدرة على الاحتكاك بتركيا، حيث تدرك أن أنقرة لن تسكت وستعمد إلى الرد وبقوة، خاصة وأنها إلى جانب حضورها العسكري فهي تملك وجودا استخباراتيا قويا على الساحة العراقية.

ويوضح هؤلاء أنه لا يخفى وجود حالة من التنافس الإيراني - التركي على الساحة العراقية، لكن هذا التنافس لا يعني أن أيا من الطرفين يرغب في أن يتحول إلى مواجهة بالوكالة بينهما، في العراق، كما هو الشأن في سوريا.

ويأتي الغضب العراقي من تركيا وسط تضافر عدة عوامل. فالعراقيون على شاشات التلفزيون أو في المظاهرات الغاضبة المنددة بالقصف الأخير، ذكروا قضية المياه التي تشكّل مصدر توتّر بين البلدين، لاسيما وأن أنقرة متهمة ببناء سدود تقطع المياه عن نهري دجلة والفرات في العراق.

وترى الباحثة في مبادرة الشرق الأوسط مارسين الشمري أن “الغضب الشعبي سيؤدي إلى مقاطعة البضائع التركية والسفر، لكنني لا أرى أن ذلك سوف يدوم، طالما أنه لن يكون هناك المزيد من الضحايا العراقيين”. وتشير إلى أن “العراقيين هم ثاني أكبر جالية تملك منازل في تركيا”.

3