الهامش يتكلم

المرأة التي تحولت إلى كائن لغوي، لم تستطع أن تؤثر في بنية هذه اللغة، والسبب أنها لم تحاول حتى الآن تقديم مشروعها لتجديد اللغة بالصورة، التي تستعيد فيها وجودها داخلها.
الأحد 2018/11/18
لا بدّ للمرأة من اقتحام الفضاء الأكثر صلة باللغة

التيارات النسوية التي حاولت، وما زالت تحاول تصحيح الخلل الحاصل في علاقة الرجل بالمرأة، لم تستطع حتى الآن إنجاز شيء مهمّ على صعيد اللغة التي جرى تذكيرها مبنى ومعنى. تعدد التيارات والمرجعيات المعرفية والسياسية والفكرية، التي استندت إليها هذه الحركات في صياغة خياراتها لاستعادة التوازن في هذه العلاقة، انعكست على قوة تأثير هذه الحركات وفاعليتها.

التيار اللغوي الذي اعتبر أن الرجل هو من صاغ قواعد اللغة، وجعل من التذكير قاعدتها، عمل على كشف هذا المسكوت عنه في اللغة، وعلاقته تاريخيا بالوضع الاجتماعي للمرأة. قاعدة المذكر هو الأصل، كانت تمثلاتها حاضرة في جعل التذكير في اللغة هو الأصل، ولذلك فهي مشكلة ثقافية قبل أن تكون لغوية.

المرأة التي انتقلت من الهامش إلى متن الكتابة، لم ينجم عن هذا الانتقال تغيير يذكر في تصحيح هذه القاعدة. في المؤسسات الثقافية والإعلامية والحقوقية ما تزال القاعدة هي التذكير، فيقال نقابة الصحافيين واتحاد الكتاب ونقابة الأطباء أو المحامين أو الصيادلة. لا شيء يدل على وجود المرأة، التي أصبحت عضوة فاعلة فيها.

اللغة التي تهيمن على الفضاء العام تنطوي على مفارقة ظاهرة، فهي تستخدم الأسماء المؤنثة كالنقابة والهيئة والمؤسسة، لكنها تتجاهل وجود المرأة فيها، وتجعل هذا الوجود ملحقا بالأصل الذي هو المذكر. ولا يختلف الحال في قواعد اللغة، التي تميز تاء الفاعل المتحركة عن تاء التأنيث الساكنة، في دلالة واضحة على عطالة المرأة، وانعدام فاعليتها.

مطالبة النسويات بتصحيح هذا الوضع، الذي تستعيد المرأة فيه وجودها داخل اللغة، لم تحقق أهدافها بعد، على الرغم من كون المرأة قد خرجت إلى رحابة اللغة، للتعبير عن وجودها وذاتها المغيبة. المفارق أن بعض الكاتبات ما زلن يعادين النسويات المطالبات بلغة تعبر عن وجود المؤنث أكثر من ما يفعل بعض الكتاب. إن هذا الهامش الذي ينافس المركز على الكتابة بلغته يتماهى معه، ويرى قيمة ما يكتبه من خلال معيار هذه اللغة.

المرأة التي تحولت إلى كائن لغوي، لم تستطع أن تؤثر في بنية هذه اللغة، والسبب أنها لم تحاول حتى الآن تقديم مشروعها لتجديد اللغة بالصورة، التي تستعيد فيها وجودها داخلها.

لا يكفي المرأة القول بأن الأسماء المؤنثة تعامل معاملة الأسماء الأعجمية في التصريف والتنوين مثلا، بعد أن كسرت احتكار الرجال للفضاء التعليمي والثقافي، وكخطوة أولى لا بدّ لها من اقتحام الفضاء الأكثر صلة باللغة، وهي المجامع اللغوية العربية. من هنا يجب أن تبدأ في تصحيح هذا الخلل، الناجم عن هيمنة المذكر على هذا الفضاء قديما وحديثا.

15