"الهاكا" المغربية ترفض شكاوى ضد مشاهد تلفزيونية في انتصار لحرية التعبير

الرباط - رفض المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري “الهاكا” في المغرب مجموعة من الشكاوى في حق مسلسلات وبرامج إذاعية وتلفزيونية تتعلق بمشاهد عاطفية أو نقدية لفئات معينة، في خطوة تهدف إلى الانتصار لحرية الإبداع وللحرية التحريرية للإذاعات والقنوات التلفزيونية العمومية والخاصة.
وقال مجلس “الهاكا”، في بيان له عقب اجتماع له الأسبوع الماضي، إن الشكاوى التي تم التقدم بها لم تتجاوز القواعد المؤطرة لحريتي الإبداع والاتصال السمعي البصري ولا تخالف المقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل والتي تضمن الحرية التحريرية للإذاعات والقنوات التلفزيونية، العمومية والخاصة. وشدد البيان أن هذه السلسلات والمسلسلات تندرج في خانة الأعمال المتخيلة التي تعكس مواضيعها وشخوصها اختيارات فنية لمؤلفيها ومخرجيها، كما أن العمل التخيلي في مجمله لا يمكن أن يحقّق وجوده أو يكتسب قيمته دون هامش حرية في كتابة السيناريو وفي تشخيص الوضعيات والمواقف.
وأورد المجلس أنه رفض شكوى من أفراد وجمعيات ضد مشاهد وشخصيات بأعمال تخيلية وهي مسلسلات “إلا ضاق الحال” و“حكايتي” و“ولاد يزة” و“أش هادا” قدمتها قنوات تلفزيونية عمومية. وأوضح المصدر أن المشاهد المعنية بالمؤاخذات في مسلسل “إلا ضاق الحال” المتمثلة في وضع عبوات مشروبات كحولية على الطاولة بأحد البيوت لم تصور على أنها فعل إيجابي.
وبخصوص الشكوى المتعلقة بملاحظات أو انتقادات في مسلسل “حكايتي” حيث تم تصوير قُبلة به، لم تقدّم في سياق إثارة أو تضمنت إيحاءات جنسية. وفي ما يتعلق بالشكوى المقدمة التي اعتبر أصحابها أنه تمت إهانة مهنة الأستاذ من قبل سلسلة “ولاد يزة”، فقد تم رفضها، حيث سجل المجلس أن “السياق العام للمشاهد المقدمة والشخصيات المجسدة ومختلف المواضيع المقترحة في سلسلة “ولاد يزة” تبقى في سياق هزلي وكوميدي، دون أن يتضمن ذلك مسّا بأية مهنة معينة”. أما الشكوى التي قدمت حول سلسلة “أش هادا”، فقد اعتبر المجلس أن المتعهد السمعي البصري “غير ملزم ببث هذا الصنف من البرامج “سلسلة أش هادا” بلغة معينة، هذا بالإضافة إلى كون السلسلة تبث بالدارجة ويحاول من خلالها أصحاب العمل عكس كيفية استعمال بعض العبارات الأجنبية المتداولة في أوساط واسعة.”

وبالنسبة إلى شكوى إحدى الجمعيات ضد برنامج تفاعلي بإذاعة عمومية بمبرر الإساءة إلى تجارة القرب وإلى البقالة، أكد المجلس أن حديث منشط البرنامج الإذاعي، الذي يهدف عادة إلى تنبيه وتحذير الجمهور من بعض الظواهر السلبية، تطرّق إلى بعض الممارسات المنافية لأخلاقيات “التداول التجاري” (تجارة القرب والبقالة)، من خلال ربط ذلك فقط بمن اعتبرهم صراحة “النصابة وعديمي الضمير” دون تعميم.
وأفاد المجلس بأن المذيع “عمل عموما على التنويه بالفاعلين والمتدخلين في هذا المجال؛ مما يجعل ما قدمه البرنامج لا يتضمن ما يعتبر مخالفا للمقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل والتي تضمن الحرية التحريرية للإذاعات والقنوات التلفزيونية، العمومية والخاصة.” وفي ما يتعلق بشكوى تتعلق بالإساءة إلى الصيادلة في برنامج تلفزيوني، اعتبر المجلس ضمن قراراته، أن ما ورد على لسان ضيف البرنامج جاء في سياق مناقشة بعض الظواهر والسلوكيات؛ من بينها حصول المواطنين على بعض الأدوية دون وصفات واستشارات طبية، وما لذلك من مخاطر محتملة في مجموعة من الحالات. وأشار إلى أنه أكد على ضرورة احترام أخلاقيات مزاولة المهن الطبية وما تفرضه التشريعات في هذا المجال، دون أن يتضمن ذلك مسا بسمعة الصيدليات؛ بل أكثر من ذلك عمل الضيف على الإشادة بالأدوار الطلائعية والريادية التي يقوم بها الصيدلي، لاسيما في المجال القروي في ظل غياب الأطر الطبية المختصة في بعض الحالات.
واعتبر المصدر نفسه أنه بالنظر إلى السياق العام للحلقة وما عرفته من مداخلات ومناقشات، فإن المضمون البرنامج لم يتجاوز الإطار العام لممارسة حرية الاتصال السمعي البصري. ويرفض المجلس بشكل عام مطالبته بإعمال الوصاية والرقابة على الاختيارات البرامجية للإذاعات والقنوات التلفزية إما منعا أو سحبا أو إملاء، إذ يعتبر أن هذا الأمر يتعارض وانتدابها المؤسسي، بوصفها مؤسسة مستقلة للتقنين، في السهر على احترام حرية الاتصال السمعي البصري وحرية التعبير وحمايتهما؛ إذ أن المشرع يضمن للإذاعات والقنوات التلفزية العمومية والخاصة بث برامجها بكل حرية، سواء كانت هذه البرامج إنتاجا داخليا أو إنتاجا مشتركا مع شركات خارجية أو مقتناة كأعمال جاهزة للبث؛ على أنها تظل خاضعة لمبادئ قانونية محددة ذات صلة بمثل ديمقراطية وحقوق إنسانية ثابتة، مثل واجب عدم المس بالكرامة الإنسانية، واحترام مبدأ قرينة البراءة، وعدم التحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف، وعدم التمييز ضد المرأة أو الحط من كرامتها…
ويعتبر أن حرية الإبداع مؤشر دال على مدى استنبات وترسيخ حريات أخرى داخل الفضاء العمومي، كما أن حرية التعبير في انتقاد الأعمال التخيلية، خصوصا، والمضامين الإعلامية، عموما، تبقى ضرورية للارتقاء بجودة هذه الأعمال وبتفاعلات الجمهور، إلا أن أثرها المستنير يظل رهينا بمدى نأيها عن خطابات الوصم أو التمييز أو التحريض… أما غاية التقنين المستقل للإعلام فهي دعم وترسيخ مبادئ ديموقراطية بحتة، في طليعتها الحرية والتعددية والتنوع، على غرار حرية الإبداع وتعددية الرؤى الفنية وتنوع الأنساق الثقافية في الأعمال التخيلية.
وترى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري أن جودة المضامين الإذاعية والتلفزيونية المبثوثة قضية مطروحة فعلا، ويستوجب الاشتغال عليها انخراط جميع مستويات ومكونات ومن المنظومة الإعلامية كما مواكبة التطور المستمر لتطلعات الجمهور المتلقي، بسائر فئاته، وتظل واجبا ثابتا على الخدمات الإذاعية والتلفزية، وتقديم شكاوى للهيئة بهذا الخصوص حق أقره المشرع للمواطن. وتبقى الغاية من التقنين هي إعلاء قيم الحرية وتحرير طاقات المبادرة والإبداع ولفت الانتباه إلى كل ما من شأنه كبح تحقيق هذه الغاية، إسهاما في تعزيز ثقافة إعلامية وتواصلية مستنيرة.