النيجر شريك فرنسا الجديد في منطقة الساحل

مالي تعلق الرحلات الجوية لقوات حفظ السلام الأممية.
السبت 2022/07/16
فرنسا تعيد هيكلة وجودها العسكري في أفريقيا

فرنسا القوة الاستعمارية السابقة أصبحت غير مرغوب فيها وتستعد لمغادرة مالي خلال أسابيع. لكن باريس تقول منذ أشهر إنها لن تتخلى عن الحرب ضد الإرهاب وإنها تبحث مع دول منطقة الساحل للتحضير لأشكال جديدة من التدخل.

نيامي - بدأ وزيرا الخارجية والدفاع الفرنسيان الجمعة زيارة رسمية إلى النيجر الشريك الرئيسي لباريس في منطقة الساحل، بينما تسعى فرنسا لإعادة تعريف وجودها العسكري والدبلوماسي في أفريقيا.

وبعدما طرده المجلس العسكري الحاكم منذ 2020 من مالي واستدعى مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية، سيكون الجيش الفرنسي قد انسحب بالكامل من هذا البلد بحلول نهاية الصيف بعد تسع سنوات من العمل على مكافحة الجهاديين.

وتواصل فرنسا تعاونها مع النيجر حيث ستبقي على أكثر من ألف رجل وقدرات جوية لتقديم الدعم الناري والاستخباراتي للقوات النيجرية في إطار "شراكة قتالية".

وقالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا في الجمعية الوطنية الثلاثاء "بمعزل عن مالي، التراجع الديمقراطي في غرب أفريقيا مقلق جدا مع انقلابات متتالية، مرتان في مالي وفي غينيا في سبتمبر 2021 ثم بوركينا فاسو في يناير من هذا العام".

وأضافت أن "فرنسا ستواصل على الرغم من هذه الأحداث الانسحاب من مالي لمساعدة جيوش غرب أفريقيا على محاربة الجماعات الإرهابية". وتابعت "نتشاور حاليا مع شركائنا المعنيين لتحديد طبيعة الدعم الذي يمكن أن نقدمه لهم وفقا لطلباتهم واحتياجاتهم”. وأكد مصدر دبلوماسي فرنسي أن الهدف من هذه الرحلة المشتركة هو "تجسيد الجمع بين المدني العسكري" و"إظهار أن مقاربتنا تقوم على هذين الأساسين".

وخلال هذه الزيارة ستوقع باريس ونيامي اتفاقية قرض قيمته 50 مليون يورو وتبرع بمبلغ 20 مليون يورو لصالح النيجر التي تعد من الدول ذات الأولوية في المساعدات التنموية الفرنسية (143 مليون يورو في 2021).

كاترين كولونا: سنواصل الانسحاب من مالي لمساعدة جيوش غرب أفريقيا

وخلال السنوات العشر الماضية زادت وكالة التنمية الفرنسية التزاماتها في النيجر عشرة أضعاف. وستتم مناقشة الجانب الدفاعي أيضا. وسيصل الوزيران الفرنسيان الجمعة إلى قاعدة نيامي الجوية حيث تتركز الوسائل العسكرية الفرنسية في النيجر.

وستزور كولونا وليكورنو القاعدة العسكرية النيجرية في أولام شمال نيامي. ومن هذه القاعدة بدأت العمليات المشتركة لنحو 300 جندي فرنسي والقوات المسلحة النيجرية بالقرب من الحدود مع مالي ضد الجهاديين المرتبطين بالقاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية.

وفي منطقة الساحل تطورت فلسفة التدخل العسكري الفرنسي على مدى السنوات القليلة الماضية، إذ لم يعد الأمر يتعلق بجنود يتحركون بمفردهم، بل في الصف الثاني لدعم القوات المحلية ووفقا لطلباتها.

وتأتي هذه الزيارة بينما يريد الرئيس إيمانويل ماكرون إعادة التفكير في استراتيجية القوة الاستعمارية السابقة في أفريقيا. وقال ماكرون الأربعاء "طلبت من الوزراء ورئيس أركان الدفاع إعادة التفكير في جميع ترتيباتنا بشأن القارة الأفريقية بحلول الخريف".

وأضاف "إنها ضرورة استراتيجية لأنه يجب أن يكون لدينا قوات أقوى وأقل تعرضا للخطر، وأن ننجح في بناء علاقة جيدة أقوى مع الجيوش الأفريقية على الأمد الطويل".

وأكد أن المسألة تتعلق بـ"النجاح في التفكير في سلسلة متصلة بين عرضنا الدبلوماسي وإجراءاتنا المتجددة للشراكة الأفريقية وأعمالنا التنموية ووجودنا العسكري".

وبعد انسحابها من مالي، سيكون لفرنسا حوالي 2300 جندي في منطقة الساحل (النيجر وتشاد وبوركينا فاسو). وتنتشر قوات فرنسية أيضا في السنغال والغابون وساحل العاج وجيبوتي. وتقوم البحرية الفرنسية من جهتها بعمليات في خليج غينيا.

وبعد تواجد في منطقة الساحل لتسع سنوات، تعهدت فرنسا في يونيو بإعادة تنظيم قواتها العسكرية من خلال ترك ثلاث من قواعدها في شمال مالي (تيساليت وكيدال وتمبكتو) لإعادة الانتشار حول غاو وميناكا عند تخوم النيجر وبوركينا فاسو.

وتنص هذه الخطة على خفض العديد من القوات من 5 آلاف حاليا إلى 2500 أو 3 آلاف بحلول عام 2023. وتريد باريس الآن تركيز مهمتها على تدريب الجيوش المحلية على أمل أن تتولى يوما ضمان أمن أراضيها.

وطلبت وزارة الخارجية في مالي الخميس من بعثة حفظ السلام الأممية تعليق جميع رحلاتها الجوية المقررة لنقل قواتها بعد أن احتجزت سلطات البلاد 49 جنديًا من ساحل العاج دخلوا إلى أراضيها للمشاركة في عمليات أمنية دون الحصول على تصاريح.

وجاء في رسالة الخارجية المالية إلى بعثة الأمم المتحدة أنه "لأسباب تتعلق بالأمن القومي، قررت حكومة مالي تعليق جميع الرحلات الجوية للبعثة بما في ذلك تلك التي تم تحديد موعدها أو الإعلان عنها بالفعل". وأضافت الوزارة أنها تأمل في مقابلة ممثلي الأمم المتحدة لإيجاد "خطة مثالية تجعل من الممكن تسهيل تنسيق عمليات البعثة".

◙ التطورات الراهنة تأتي في ظل دخول موسكو على خط المنافسة في منطقة الساحل، حيث أصبحت قوات فاغنر الروسية تنشط فيها بقوة

وتصاعدت التوترات بين مالي والأمم المتحدة منذ الأحد، عندما اعتقلت السلطات في مالي جنودا من ساحل العاج بينهم أفراد من القوات الخاصة. وقالت مالي إن جنود ساحل العاج ليس لديهم الإذن المناسب للحضور إلى البلاد واتهمتهم بأنهم "مرتزقة".

ومن جهتها، دعت دولة ساحل العاج إلى الإفراج الفوري عن جنودها، قائلة إنه تم إجراء جميع الاتصالات المتفق عليها لوصولهم إلى مالي. وتأتي التطورات الراهنة في ظل دخول موسكو على خط المنافسة في منطقة الساحل لاسيما في مالي وأفريقيا الوسطى حيث أصبحت شركة فاغنر المسلحة الروسية تنشط بقوة فيها.

ومنذ 2013، توجد فرنسا في الساحل من خلال قوة سيرفال التي تحولت في العام التالي إلى قوة برخان بتعداد قوامه حوالي 5100 جندي، وتنفذ معظم عملياتها في مالي.

لكن باريس قررت في يونيو 2021 إنهاء عملية برخان، وتقليص عدد قواتها من 5100 عسكري إلى ما بين 2500 و3000 عنصر، بالإضافة إلى الانسحاب تماما من مدن تيساليت وكيدال وتمبكتو (أقصى شمال مالي)، داعية حينها إلى "تشكيل تحالف دولي في الساحل يضم دول المنطقة".

ويثير دخول فاغنر إلى الملعب الفرنسي في مالي قلق باريس، حيث علق وزير الخارجية جان إيف لودريان على الأمر في تصريح له بأن فاغنر "تنهب مالي مقابل حماية المجموعة العسكرية الحاكمة في البلاد".

ولا تخفي فرنسا انزعاجها مما يروّج عن اتفاق بين المجلس العسكري الحاكم في مالي ومجموعة فاغنر الروسية، وهي الخطوة التي تظهر، وفق مراقبين، أن روسيا توظف أدواتها غير المعلنة للدخول على خط منافسة النفوذ الفرنسي المتراجع في أفريقيا.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها فرنسا قلقها من الدور الذي تلعبه مجموعة فاغنر، فقد سبق أن أبدت انزعاجها من الدور الذي تلعبه المجموعة في دول مثل أفريقيا الوسطى.

5