النوم على الميزان
يقول المثل "ثلاث يساعدن على تحمل مشقات الحياة، الأمل والنوم والضحك"، غير أن لعمر الخيام (بلغة أحمد رامي) رأيا آخر. فهو يقول في رباعياته "فما أطال النوم عمرا/ ولا قصّر في الآجال طول السهر". والنوم سلطان كما يقال وهو فراق.
وفي "أنا لك على طول"، يقول عبدالحليم حافظ "من أول يوم طار مني النوم". فيما يذهب المتنبي عكس ذلك، وهو يقول "أنام ملء جفوني عن شواردها/ ويسهر الخلق جراها ويختصمُ". وفي تلك القصيدة يقول حكمته الشهيرة "إذا رأيت نيوب الليث بارزة/ فلا تظنن أن الليث يبتسمُ".
وليس النوم علاجا لمَن يحب. فهو نقيض الحب. تقول فيروز "من عز النوم بتسرقني/ بهرب لبعيد بتسبقني/ يا حبي صرت في آخر أرض/ عم أمشي وتمشي بيه الأرض/ لوينك بعدك لاحقني". فمَن يطارده الحب لا يضع رأسه على وسادة ليرتاح، ذلك لأن لوعة الحب تطرد هناءة النوم. وفي ذلك يقول العندليب الأسمر "شغلوني وشغلو النوم عن عيني ليالي/ ساعة أبكي وساعة يبكي علي حالي".
وكعادتها تعمق أم كلثوم ذلك المعنى حين تقول "سهران لوحدي أناجي طيفك الساري/ سابح في وجدي ودمعي عالخدود جاري". ويربط البعض النوم بصفاء النية "صفي النية ونام في البرية".
غير أن هناك مَن يتخذ من النوم مجازا حين يقول "تأتيك التهم وأنت نائم"، أي أنك في غفلة عنها. ومن سوء حظ المرء أن يبدأ مشواره في الحب بالأرق، ويحمّل الطرف الثاني المسؤولية. وهو ما انتهى إليه فريد الأطرش "من أول يوم يا ظالمني/ خليت النوم يخاصمني".
وكم كان محمود درويش أريحيا وهو يقول "وحين ينام حبيبي أصحو لكي أحرس الحلم مما يراه/ وأطرد عنه الليالي التي عبرت قبل أن نلتقي". وفي القصيدة نفسها يقول "ونم يا حبيبي/ لأهبط فيك وأنقذ حلمك من شوكة حاسدة/ ونم يا حبيبي/ عليك ضفائر شعري، عليك السلام/ يطير الحمام".
وليس ذلك بعيدا عما ذهبت إليه فيروز في تنويمتها "يلا تنام يلا تنام/ لذبحلك طير الحمام". وبعد أن تقول ليلى مراد "أسأل عليا وأرحم عنيا/ من دمعة رايحه ودمعة جايه"، نسمعها تقول "ابعث لي مرة ولو سلام/ يمكن أصبر يمكن أنام". بين القلق ومحاولة استدعاء الاطمئنان يظل الحبيب مطاردا بالتهم، مثل ذلك النائم الغافل عمّا يجري حوله "أنت تروح وتمشي/ وأنا اسهر ما نمشي"، كما تقول نجاة الصغيرة.
وليس "النوم في العسل" إلا عبارة تحتمل معاني متناقضة.
