النهضة والشاهد.. الرهان والرهينة

إعلان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أن الحركة قد تدعم رئيس الحكومة يوسف الشاهد في الانتخابات الرئاسية القادمة، لم يكن إعلانا مفاجئا أو مخالفا للانتظارات التونسية، إلا أنه أكد ملامح كثيرة تسود المشهد السياسي التونسي.
الإعلان الأخير، كان منسجما مع العلاقة التي جمعت الطرفين منذ أشهر، والتي تعمقت أواصرها بخروج الشاهد عن حزبه، وإصرار الحركة على بقائه رئيسا للحكومة رغم الحصيلة الهزيلة ورغم كل الأصوات المطالبة بتغييره. أصرت النهضة على الشاهد رئيسا للحكومة، وبالغ الأخير في توسيع المسافة مع الحزب الذي باغت الحسابات وقدمه مرشحا من خارج قائمة أسماء قياداته.
دفاع الحركة عن رئيس حكومة عُدّ تعبيرا عن الأزمة زمن ترشيحه، واعتبر وجوده في الحكم مرادفا لتعمق الأوضاع، كان يتضافر مع مواظبته على نحو تعميق التصدع الذي عاشه حزبه القديم. كانت الأزمة التونسية، الاقتصادية والاجتماعية، تزداد تعمقا بالتزامن مع إعلان الشاهد تأسيس حزبه الجديد، وتوسيع الهوة التي تفصله عن الحزب وعن رئيس الجمهورية، الذي يقاسمه السلطة التنفيذية. كانت النهضة “تستمتع” بابتعاد الشاهد عن مدرسته الندائية، وبإصراره على صنع مساره الشخصي على حساب الوضع الاقتصادي والسياسي للبلاد وعلى حساب المزيد من تشتيت حزبه في آن.
النظرة النهضوية للسياق السياسي التونسي، المقبل على انتخابات تكتسي أهمية بالغة، كانت تقوم على رسم خيارات كثيرة تعد بها أنصارها والخصوم. لم تعلن الحركة مرشحها الخاص من داخل قواعدها، وكذبت مرارا خيار ترشيحها شيخها، لكنها وضعت على طاولة خياراتها أسماء كثيرة من خارجها. أسماء تعد بها ما استطاعت من خطط وبرامج ترى أنها تضمن لها أكثر حظوظ النجاح. كان اسم الشاهد منتظرا وربما يقع في أعلى اللائحة، لكن أسماء كثيرة أخرى كانت تروج هنا وهناك.
المثير أن إعلان الغنوشي عن إمكانية ترشيح الحركة ليوسف الشاهد، سبق بإعلان “مواز” الاثنين الماضي على لسان القيادي عبداللطيف المكي، ومفاده “من غير المستبعد أن تدعم الحركة أستاذ القانون الدستوري قيس السعيد خلال الانتخابات القادمة”. يوسف الشاهد أو قيس سعيد (غازل النهضة مؤخرا بتصريحات لاقت هوى لدى القواعد بقوله إنه ضد المساواة في الميراث وأكد أن النص القرآني صريح في هذه المسألة) أو أسماء أخرى من النظام القديم، كلها خيارات تقع داخل الخطط النهضوية التي تعد لتوفير كل ممكنات النجاح القادم.
على أن النجاح النهضوي المرجح، لا يقف فقط على أرضيات صلبة تخص الحركة، وإنما ينهض أيضا من تشتت الخصوم ممن يفترض أن يقدموا برامج مخالفة لتصورات الحركة؛ سياسيا وأيديولوجيا. يتزامن النشاط النهضوي مع أزمات تعيشها الأحزاب الديمقراطية والدستورية واليسارية. نداء تونس يعيش أزمته العميقة القديمة، الذي عجز عن تجاوزها واستحالت مرضا مزمنا واستحال بمقتضاها احزابا وشقوقا (منذ يومين أعلن الاتحاد الوطني الحر رسميا، فك اندماج أعلنه منذ أكثر من 5 أشهر، مع نداء تونس، بسبب “فشل الاندماج وعدم جديته”). الجبهة الشعبية تعيش صراعا بين مكوناتها حول مرشحها للانتخابات القادمة. بقية الأحزاب مازالت تبحث عن رؤية تخوض بها الانتخابات دون إيمان فعلي بإمكانية تغيير اتجاه الأحداث.
في هذا السياق تتقدمُ النهضة وتستفيد من كل المنعرجات لتعميق المسافة التي تفصلها عن بقية المتسابقين. تتبرأ من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية رغم وجودها القوي في الحكم؛ في المستوى التشريعي والتنفيذي. تلتقط كل جدل يتصل بالهوية لتعلن موقفين؛ موقف للقواعد يعلن التشبث بهوية الحركة ومرجعيتها، وآخر للخارج والخصوم يشدد على مدنية الحزب وقطيعته الباتة مع إرثه الإسلامي. تراهن على أكثر من جواد لتقرأ ردود الأفعال ولتغير بناء عليها الموقف أو القرار.
النهضة ترشح الشاهد ليس قرارا مفاجئا بناء على الود المتبادل منذ شهور ولو أن الإعلان قد لا يكون أكثر من جس نبض سياسي. أيقنت الحركة أن الوصول إلى قصر قرطاج يمر بالضرورة على جسرها، لذلك فهي تنوّع خياراتها وتبحث عن جواد يؤمن لها هيمنتها الحالية والقادمة. الشاهد أو غيره؛ مجرد أسماء وخيارات تكتيكية داخل استراتيجية تعدها الحركة لمستقبل تونس.