النمو الديموغرافي وكورونا يخططان مدينة المستقبل

المدن تحتاج إلى بنايات عالية لكن ليس لناطحات سحاب.
الاثنين 2021/06/07
المدينة الهرمية مناسبة للعيش

تحتاج مدن المستقبل إلى تخطيط محكم ليطيب فيها العيش مع تزايد الكثافة السكانية، خاصة وأن تفشي فايروس كورونا نبه إلى خطر الأوبئة في الأحياء المزدحمة والعشوائية، لذلك يرى الخبراء أن هذه المدن يجب أن تراعي إعادة الفضاء العام وتصميمه وتوزيعه الجغرافي، ويشمل ذلك الأرصفة والمتنزهات والمساحات المفتوحة.

واشنطن - قال البنك الدولي إن المباني الشاهقة أساسية لتحسين نوعية الحياة مع نمو عدد السكان في المدن في العالم، لكن يجب ألا تصبح المدن مهووسة بناطحات السحاب ويجب أن تستعد للتوسع الأفقي مع النمو الملحوظ لعدد السكان.

وبحسب تقرير للبنك استند إلى تحليل بيانات الأقمار الصناعية لنحو عشرة آلاف مدينة، فإن النمو الحضري في جميع أنحاء العالم ارتفع بنسبة 30 في المئة بين عامي 1990 و2015، مع وجود مبان جديدة تغطي مساحة تقارب مساحة سريلانكا.

ووجدت الدراسة أن حوالي 90 في المئة من المباني الجديدة في البلدان الفقيرة ظهرت على أطراف المدن، مما أدى إلى توسيع حدودها أفقيا، بينما تم بناء حوالي 35 في المئة في الدول الغنية على مواقع فارغة داخل المراكز الحضرية.

وتظهر مثل هذه النتائج على خلاف مع التركيز الرئيسي للتخطيط الحضري في السنوات الأخيرة، والذي كان يتمثل في إنشاء مدن مدمجة من خلال المباني الأفقية.

لكن سوميك لال المؤلف المشارك للتقرير قال إنه في حين أن المباني الشاهقة والمدن عالية الكثافة تحقق فوائد، يجب أن يتأقلم مثل هذا النموذج مع الظروف المحلية.

وقال لال كبير خبراء الاقتصاد الحضري بالبنك الدولي “لا ينبغي أن يكون هناك هاجس حول بناء ناطحات سحاب، لكن الشغف يجب أن يكون حول بناء مدن صالحة للعيش”.

70

في المئة من سكان العالم سيعيشون في مناطق حضرية بحلول عام 2050

وحسب هذا التقرير، فإن نمو المراكز الحضرية عموديا أو أفقيا أو داخل المساحات الحالية مرتبط بالطلب الاقتصادي.

وقال لال إنه من المتوقع أن يعيش حوالي 70 في من سكان العالم في مناطق حضرية بحلول عام 2050، ارتفاعا من 55 في المئة في الوقت الحالي، لذا يجب أن تخطط المدن لاستيعاب التنمية والمخاطرة بمواجهة الزحف العشوائي والاكتظاظ والازدحام.

ووفقا للتقرير، تميل المدن ذات الدخل المنخفض إلى الظهور مثل “الفطائر”، حيث تنمو على نطاق واسع ومسطحة، ويتجمع الوافدون الجدد في الأحياء منخفضة البناء أو يستقرون في الضواحي حيث تكون الأرض أرخص.

ووجد التقرير أنه مع نمو الدخل، تزداد المباني أيضا، حيث تتخذ المدن الأكثر ثراء شكل “الأهرامات”.

وقال التقرير إن المدن التي تأخذ شكل الهرم أكثر ملاءمة للعيش بشكل عام، مما يسمح للسكان بالاستمتاع بمساحة أرضية أكبر في بيئة كثيفة وأكثر إنتاجية، حيث أن المسافة القصيرة بين أماكن العمل والموظفين تعزز الإنتاجية.

قواعد صارمة لارتفاعات المباني
قواعد صارمة لارتفاعات المباني

كما أنها أفضل بالنسبة إلى البيئة، حيث أن المناطق الموجودة على حدود المدن تتعدى على المناطق الطبيعية المحيطة بها وغالبا ما تفتقر إلى وسائل نقل كافية، مما يؤدي إلى ارتفاع حركة المرور والتلوث.

وقال لال “إذا تمت إدارتها بشكل جيد، فإن المدن التي تتخذ شكلا أشبه بالهرم يمكن أن تساهم في تسريع التنمية المستدامة عن طريق إقناع الناس بالامتناع عن استخدام السيارات، وتقليل أوقات التنقل، والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري”.

ومع ذلك، لا يمكن للمدن القفز من “فطيرة” إلى “هرم” مع أنظمة التخطيط وحدها، حيث أن المباني الشاهقة المركزية المبنية حديثا تخاطر ببقائها شاغرة إذا كان الناس لا يستطيعون تحمل تكاليف العيش فيها، كما قال باحثو البنك الدولي.

وقال التقرير إنه من أجل تطوير المدن، على وجه الخصوص، فإن من الضروري الاستعداد للتوسع الأفقي وبناء روابط النقل وتحسين البنية التحتية الأساسية لضمان ظروف ملائمة للعيش في الضواحي وإرساء أسس التنمية المستقبلية.

وقال يورغن فويجيل نائب رئيس البنك للتنمية المستدامة “لقد سلطت جائحة كورونا الضوء على الآثار المترتبة على الحياة والموت للأحياء المزدحمة غير المجهزة للحد من انتشار المرض”.

وتحمَّلت الأحياء الضيقة والمزدحمة التي تقطنها الطبقة العاملة والفقيرة، مثل معظم أحياء كوينز في نيويورك أو دهارا في مومباي أو مساكن العمال المهاجرين في المدن الأخرى، عبئا كبيرا من الإصابات وفقدان سبل كسب الرزق.

ومع خروج البلدان من أزمة هذه الجائحة، هناك حاجة ملحة إلى مساعدة المدن في إعادة تشكيل مناطق الكثافة الاقتصادية والعمل على أن يكون النسيج الحضري شاملا لجميع فئات المجتمع ومستداما من الناحية البيئية.

ويقول فويجيل “بينما تخرج البلدان نفسها ببطء من الوباء، يتطلب التخطيط لمستقبل حضري أفضل فهم القوى التي شكلت المدن التي نعيش فيها اليوم”.

واقترح تقرير للبنك الدولي، أعده سوميك لال وسامح وهبة السنة الماضية، على رؤساء المدن إعادة النظر في حجم الفضاء العام وتصميمه وتوزيعه الجغرافي، ويشمل ذلك الأرصفة والمتنزهات والمساحات المفتوحة بالإضافة إلى المرافق العامة.

كلما زاد العدد زاد الطلب
كلما زاد العدد زاد الطلب

وهذا أمر على جانب كبير من الأهمية في المدن النامية المزدحمة حيث تكون مساحات المنازل محدودة وأحجام الأُسر كبيرة بشكل عام.

ودعا التقرير أيضا إلى تغيير اللوائح لتوفير المزيد من المساحة المبنية، ورغم أن الازدحام يزيد الكثافة من خلال تقليل متوسط المساحة المتاحة لكل فرد، فإن الارتفاع يحقق الكثافة الاقتصادية من خلال زيادة الطوابق والمساحة المبنية.

ومع ذلك، تضع اللوائح الصارمة المنظِّمة للكثافة حدودا لارتفاعات المباني وعدد العقارات التي يمكن بناؤها على قطعة من الأرض.

وتحتاج الأحياء الحضرية إلى توزيع الكثافة بشكل “معتدل” بحيث لا تكون مرتفعة أو منخفضة جدا، بل مناسبة تماما.

ويؤكد التقرير على تعبئة التمويل لمشروعات البنية التحتية في المدن لتدعيم قدرة الأجهزة الحكومية المحلية والمجتمع المحلي على تحسين الأوضاع المعيشية في المناطق الفقيرة والأحياء العشوائية.

ولا يمكن أن يستمتع السكان بالحياة إلا إذا حافظوا على البيئة للاستمتاع برؤية السماء صافية واستنشاق الهواء النظيف كما حصل لأول مرة منذ عقود في البلدان النامية الكبيرة عندما أدت إجراءات وقف تفشي فايروس كورونا إلى خفض وسائل النقل وإغلاق المنشآت المسببة للتلوث.

20