النمط الصحي للحياة يتحكم في الجينات المؤدية إلى البدانة

العوامل الوراثية والعادات الغذائية تساعد في الحفاظ على وزن صحي.
الأحد 2021/06/27
ممارسة الرياضة واتباع حمية غذائية جيدة ضروريان لإنقاص الوزن

تلعب الجينات دورا كبيرا في تحديد وزن الجسم، ولكنها ليست القوة الوحيدة المتحكمة في نحافة الجسم أو بدانته، حيث يحدد نمط النوم وأسلوب الحياة ومستوى تناول الكحول والسلوكيات الغذائية والنشاط البدني كتلة الجسم أيضا.

لندن - يتساءل الكثيرون عن السر الذي يجعل بعض الناس يحافظون دائما على نحافتهم بينما يعاني آخرون من زيادة الوزن.

وكثيرا ما ينصح خبراء الصحة والتغذية للحفاظ على الوزن صحي، الأخذ في عين الاعتبار كمية ما يتم تناوله من سعرات حرارية ومقدار ما يتم ممارسته من تمارين رياضية. لكن من الشائع أن يتغذى البعض على الكعك والبيتزا، ولا يقوم بأي تمرين ومع ذلك لا يشهد زيادة في وزنه، وهذا ما يجعل الناس يتساءلون عن سر حفاظهم على قوامهم النحيف.

فهل هو ناتج عن التمثّل الغذائي أو شيء آخر؟

حاولت بعض الدراسات فك شفرة سبب عدم اكتساب بعض الأشخاص النحيفين للوزن بغض النظر عما يأكلونه.

ويقول الخبراء إن التمثّل الغذائي السريع ليس السبب الوحيد وراء ذلك. وتبدو الإجابة على أسباب حفاظ البعض من الناس على رشاقتهم رغم نهمهم على الأكل معقدة لأن هناك عدة عوامل تلعب دورها في عدم اكتسابهم للوزن. وتتدخل العوامل الوراثية والعادات الغذائية في مساعدة الأشخاص النحيفين على الحفاظ على وزن أجسامهم.

ويختلف كل فرد عن الآخر وتعتمد الطريقة التي يمكنه بها الحفاظ على وزنه على حقيقة مدى تأثير العوامل المذكورة أعلاه في حياته اليومية.

السعرات الحرارية اليومية

النحافة عند بعض الناس لا تتعلق بالحمية الغذائية التي يتبعونها، وإنما يعود الفضل في ذلك إلى جينات ولدوا بها

كما أن معظم الأشخاص الذين يبدو أنهم يأكلون كثيرا يستهلكون في الواقع نفس القدر من الطعام الذي ربما يتناوله غيرهم، ولا يعني تناولهم للحلويات مرة أو مرتين في اليوم أنهم يفرطون في ذلك. فمن الممكن أن يعوضوا ذلك لاحقا بتناول وجبتين فقط في اليوم. ويعني هذا أن السعرات الحرارية اليومية التي يحصلون عليها تظل كما هي.

وهناك عامل آخر يمكن أن يساعد الأشخاص النحيفين في الحفاظ على وزنهم وهو مستوى النشاط البدني.

ولا يعني البقاء نشيطا هنا قضاء ساعات في صالة الألعاب الرياضية فقط. فالتحرك أكثر على مدار اليوم أو الانخراط في الأعمال المنزلية من العوامل التي تدخل ضمن النشاط البدني.

وأشارت دراسات إلى أن بعض الأشخاص يتأثرون بتحريك أجسامهم وراثيا أكثر من غيرهم، مما يساعدهم على حرق كمية كبيرة من السعرات الحرارية والحفاظ على وزن صحي. كما يحرق بعض الأشخاص سعرات حرارية أكثر من خلال أداء نفس التمرين أكثر من غيرهم. وهذا يعتمد كليا على أجسامهم.

ويمكن أن تلعب الوراثة دورا رئيسيا في ميل الشخص إلى زيادة الوزن أو إنقاصه. ووفقا لدراسة نُشرت في مجلة “بلوس جينيتيكس” في 2019، وتربط أكثر من 250 منطقة مختلفة من الحمض النووي بالسمنة.

وفحص الباحثون المشرفون على الدراسة بيانات لـ1622 شخصا يتمتعون بصحة جيدة وبانخفاض مؤشر كتلة الجسم، و1985 شخصا يعانون من السمنة المفرطة و10433 شخصا وزنهم طبيعي. وفي نهاية الدراسة، خلصوا إلى أن المشاركين النحيفين لديهم عدد أقل من الجينات المرتبطة بالسمنة.

وبينت دراسة أخرى أجراها فريق من العلماء متعدد الجنسيات ما يعزز فكرة أن النحافة عند بعض الناس لا تتعلق بالحمية الغذائية التي يتبعونها أو بأسلوب حياتهم، وإنما يعود الفضل في ذلك إلى جينات ولدوا بها.

المحافظة على القوام النحيف

ممارسة الرياضة بشكل يومي يساعد على حرق كمية كبيرة من السعرات الحرارية
ممارسة الرياضة بشكل يومي يساعد على حرق كمية كبيرة من السعرات الحرارية

في العقود القليلة الماضية، درست عدة أبحاث علاقة جينات معينة بزيادة الوزن، لكنها لم تنظر في الجينات التي تساعد في المحافظة على القوام النحيف.

وقارن الباحثون في هذه الدراسة عينات من الحمض النووي لنحو 1600 شخص نحيف في صحة جيدة في بريطانيا بعينات لنحو 2000 شخص يعانون من البدانة ونحو 10400 شخص أوزانهم عادية.

واستخدم الباحثون استبيانات عن أنماط الحياة، لاستبعاد المصابين باضطرابات في تناول الطعام مثلا.

وتبين للباحثين أن الأشخاص الذين يعانون من البدانة زاد بينهم احتمال وجود جينات مرتبطة بزيادة الوزن.

أما الأشخاص النحفاء، فكانت الجينات المرتبطة بزيادة الوزن لديهم أقل، كما كان لديهم تركيب جيني رُبط حديثا بالنحافة الصحية.

ودعت صدف فاروقي، رئيسة فريق الباحثين والأستاذة بجامعة كامبريدج، الناس إلى تجنب إطلاق الأحكام على أوزان الآخرين.

وقالت “هذه الدراسة بينت لأول مرة أن النحفاء الذين يتمتعون بصحة جيدة يكونون كذلك بصفة عامة لأن لديهم عددا أقل من الجينات التي تزيد احتمالات زيادة الوزن، وليس لأنهم أفضل من غيرهم، كما يعتقد بعض الناس”.

وأضافت في التقرير الذي نشرته هيئة الإذاعة البريطانية بي.بي.سي “من السهل إطلاق الأحكام على الناس وانتقاد أوزانهم، ولكن العلم يبيّن أن الأمور أكثر تعقيدا، فسلطة الإنسان على وزنه أقل مما نعتقد”.

أغلب حالات البدانة تُكتسب في حياة الشخص البالغ، وهي مرتبطة بالبيئة المشجعة على ذلك

ويقول العلماء إن المرحلة المقبلة في البحث هي تحديد هذه الجينات المسؤولة عن النحافة. أما الهدف على المدى الطويل فهو دراسة ما إذا كان هذا الاكتشاف سيسمح بوضع أساليب جديدة لإنقاص الوزن.

وتعليقا على هذا الاكتشاف، قال توم ساندرز أستاذ التغذية في جامعة كينغز كوليدج لندن إن “هذه الدراسة مهمة، وأُجريت على نحو جيد، وتؤكد أن البدانة المفرطة غالبا ما تكون محددة سلفا من خلال الجينات، وتظهر أن الأشخاص الذين يتمتعون بالنحافة مختلفون وراثيا عن غيرهم”.

ولكنه أضاف أن “أغلب حالات البدانة تُكتسب في حياة الشخص البالغ، وهي مرتبطة بالبيئة المشجعة على البدانة”، من حيث نمط الحياة الأقل نشاطا وتوفر الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية.

وبدوره، قال تيم سبيكتور الأستاذ بجامعة كينغز كوليدج لندن إن نحو ثلث السكان في غالبية الدول نجحوا في الحفاظ على النحافة بالرغم من هذه البيئة.

وأضاف “يعود هذا في جزء منه إلى الجينات، لكن من المرجح أن عوامل أخرى مثل الفروق الفردية في نمط الحياة أو ميكروبات الأمعاء لها دور”.

ويمكن أن تلعب الجينات دورا كبيرا في تحديد وزن الجسم، ولكنها ليست القوة الوحيدة المتحكمة في نحافة أو بدانة الجسم. حيث يحدد نمط النوم وأسلوب الحياة ومستوى تناول الكحول والسلوكيات الغذائية والنشاط البدني كتلة الجسم أيضا. لذلك، يقول خبراء الصحة إنه بغض النظر عن شكل القوام أو التركيب الجيني، تبقى النصيحة القديمة قائمة بضرورة ممارسة الرياضة وإتباع حمية غذائية جيدة.

18