النقابات في المغرب تتخوف من إقرار الحكومة لمشروع القانون الحالي للإضراب

حكومة أخنوش قادرة على تمرير القانون بفضل امتلاكها للأغلبية النيابية.
الخميس 2022/11/10
النقابات للحكومة: الأولوية لمعالجة تداعيات الأزمة الاقتصادية

تخشى النقابات في المغرب أن تعمد الحكومة إلى تمرير القانون التنظيمي لممارسة الحق في الإضراب، دون الأخذ بالاعتبار تحفظاتها على النص الحالي، وتدعو المركزيات النقابية في المملكة إلى تأجيل النظر في هذا القانون في ظل وجود أولويات تفرض نفسها، منها الصعوبات الاقتصادية التي باتت تلقي بثقلها على شريحة واسعة من المغاربة.

الرباط - تلقي الخلافات المتصاعدة بين الحكومة المغربية والنقابات بظلالها على الحوار المفترض أن ينطلق بين الطرفين بشأن تعديل مشروع القانون المتعلق بتحديد شروط وكيفية ممارسة الحق في الإضراب، قبل مصادقة البرلمان عليه في يناير المقبل.

وتشهد العلاقة بين حكومة عزيز أخنوش والنقابات الأكثر تمثيلا في المغرب توترا، على خلفية رفض الحكومة تفعيل اتفاقية جرى التوصل إليها في أبريل الماضي، وتعنى بزيادة رواتب الموظفين في القطاع العمومي والخاص.

وتلوح النقابات على غرار الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالتصعيد في حال استمر رفض الحكومة لتفعيل الاتفاق، لكن تنفيذ هذا التهديد قد يشكل مأزقا بالنسبة لها، حيث قد تتخذه الحكومة ذريعة لتمرير قانون الإضراب.

ورغم تأكيد المسؤولين الحكوميين توجه الحكومة لفتح حوار مع النقابات بشأن القانون المنظم للإضراب، بيد أنها إلى حد الآن لم تتخذ أي خطوت ملموسة في هذا السياق.

علي لطفي: المشروع بصيغته الحالية سيكبل أيدي النقابات
علي لطفي: المشروع بصيغته الحالية سيكبل أيدي النقابات

ولا تخفي النقابات توجسها من أن تعمد الحكومة إلى استغلال الوضع الراهن والذهاب قدما باتجاه تمرير مشروع قانون الإضراب في صيغته الحالية، دون فتح حوار مع الأطراف المعنية حياله، خصوصا وأنها تمتلك الأغلبية النيابية التي تمكنها من فعل ذلك بسهولة ودون تعقيدات.

وتفضل النقابات تأجيل تمرير هذا القانون وتركيز الحكومة على التحديات الراهنة في علاقة بمواجهة الصعوبات الاقتصادية ومخلفاتها الاجتماعية، لكن النقابات لا تمانع في إجراء حوار حوله إذا ما أصرت الحكومة على مناقشة القانون في البرلمان.

وكانت النقابات قد طالبت في وقت سابق الحكومة بسحب النص الأصلي للقانون والقيام بتعديلات عليه، لاسيما في علاقة بالقيود الكثيرة التي تضمنها النص، لكن الأخيرة رفضت سحبه، متعهدة في الآن ذاته بأنها ستخذ في الاعتبار التعديلات التي سيتم اقتراحها في إطار الحوار الاجتماعي، ودعمها من قبل الأغلبية الحكومية داخل البرلمان.

وأكد رئيس نقابة المنظمة الديمقراطية للشغل علي لطفي في تصريحات لـ”العرب” رفض المشروع بصيغته الحالية، كونه سيكبل أيدي النقابات ويمنعها من ممارسة حقها الدستوري والكوني المتمثل في الإضراب، مشيرا إلى أن “الباطرونا المغربية تريد البدء في مناقشة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب”.

ولفت رئيس نقابة المنظمة الديمقراطية للشغل إلى ضرورة تعامل الحكومة مع أولويات الأزمة الاقتصادية والمالية والزيادات التي عرفتها المواد الغذائية الأساسية والأدوية والمحروقات، وهي زيادات مؤلمة بالنسبة للطبقة العاملة والفئات الشعبية الفقيرة والمتوسطة. واعتبر لطفي أن أرباب العمل والشركات الكبرى هم المستفيدون من قانون الإضراب، ويضغطون اليوم لتمريره ومراجعة مقتضيات مدونة الشغل.

وتتفق الكونفدرالية الديمقراطية للشغل على وجوب تركيز الحكومة على تفعيل اتفاق الثلاثين من أبريل الذي يضم التزامات، منها تحسين الدخل عبر الزيادة العامة في الرواتب، ومراجعة أقسام الضريبة على الدخل، والدرجة الجديدة، وهي التزامات سابقة على النقاش حول قانون الإضراب، خاصة في سياق تدهور القدرة الشرائية وغلاء الأسعار.

ويأتي توجه الحكومة لإقرار قانون تنظيم الإضراب بعد مصادقتها على قانون ميثاق الاستثمار، وتعتقد الحكومة أن القانون التنظيمي للإضراب سيكون مهما جدا لتعزيز الثقة في الاستثمار بالمغرب وسيحسن مناخ الأعمال في المملكة.

وأكد مصدر نقابي أن المركزيات النقابية تشدد على ضرورة التوافق حول صياغة تتلاءم مع المعايير الدولية وتحترم الاتفاقية 87 لمنظمة العمل الدولية، وما تنص عليه من حرية نقابية واعتبارها الحق في الإضراب مرتبطا بالحقل النقابي، كما تطالب بتجاوز مواد في القانون حولت النص إلى مجموعة بنود تكبيلية للحق في الإضراب.

وتطالب النقابات بإشراكها في صياغة مشروع القانون وتغيير عدد من بنوده، والمحال إلى البرلمان منذ العام 2016، مؤكدة أن مشروع قانون الإضراب يحتاج إلى نقاش، وأن يكون موضوع حوار مجتمعي مستفيض بين الحكومة والنقابات وأرباب العمل.

◙ النقابات تفضل تأجيل تمرير القانون وتركيز الحكومة على التحديات الراهنة في علاقة بمواجهة الصعوبات الاقتصادية

ومن أبرز مضامين مشروع القانون التنظيمي للإضراب، ما جاء في المادة الخامسة منه بأن كل دعوة إلى الإضراب خلافا لأحكامه تعتبر “باطلة”، فيما توجب المادة السابعة بإجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للعمال قبل خوض الإضراب.

وتمنع المادة الثالثة عشرة من القانون عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب، وتليها مادة تعتبر العمال المشاركين في الإضراب في حالة توقف عن العمل ويحرمون من الراتب عن المدة المذكورة، وتخول المادة 26 للمشغل في حالة ممارسة الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون أن يطالب بالتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت بالمقاولة.

وتعتبر نقابة الاتحاد المغربي للشغل (أكبر نقابة بالمملكة) أن مشروع قانون الإضراب يحتاج إلى نقاش، وأن يكون موضوع حوار مجتمعي بين الحكومة والنقابات وأرباب العمل، مع إعطاء الاهتمام لكيفية إنعاش الاقتصاد، والرفع من وتيرة خلق فرص الشغل.

ويقول مسؤولون حكوميون إن الهدف من تنظيم ممارسة الإضراب ليس تلجيم هذا الحق، بل تأطيره، مشددين على أهمية العمل بشكل توافقي في إطار جولات الحوار الاجتماعي مع النقابات والحكومة لتقريب وجهات النظر بخصوص الموضوع.

ويؤكد مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن “من الناحية المبدئية يظل الإضراب حقا دستوريا”، مضيفا أن “هذا المشروع يجب الاتفاق على صيغة له بشكل يستحضر مصالح الموظفين ومصالح المشغل”.

وصادقت حكومة عبدالإله بنكيران في أكتوبر 2016 على أول مشروع قانون لتنظيم ممارسة حق الإضراب، لكن لم يتم التوصل إلى المصادقة عليه في البرلمان، بسبب اختلاف في وجهات النظر بخصوصه. وخلال الاتفاق الاجتماعي الموقع في الخامس والعشرين من أبريل 2019، تم الاتفاق على ضرورة إخراج هذا القانون إلى حيز الوجود، لكن لم يتحقق ذلك.

4